إحسان عبد القدوس يكشف عن 4 محاولات لاغتياله ويروي تفاصيل أول لقاء جمعه بـ"البنا"
صاحب الكلمة الجميلة والعبارة الرشيقة والفكرة الجريئة، صاحب الرأى الحر، أنشأ مدرسة صحفية متميزة فى دار روز اليوسف،مدرسته الفكرية هى مدرسة النقد السياسى والاجتماعى، عالجت كتابات الكاتب والاديب احسان عبد القدوس ـ رحل في مثل هذا اليوم 12 يناير عام 1990 قضايا وطنية وسياسية ومجتمعية عديدة، تسببت مقالاته فى أزمات وزارية كثيرة وسقوط حكومات.
مدرسته الأدبية هى مدرسة الرفض للقيود التى تكبل المشاعر لكنها تسمح بالبوح والرفض للقبح، مدرسة تعالج المشاكل الأسرية والشخصية شديد الواقعية فى كتاباته الصحفية، فى حين كان رومانسيا شديد الرقة فى رواياته،سجنه النقراشى وعبد الناصر وأعفاه السادات من رئاسة مجلس إدارة الأهرام لكتابته مقالا ضد عودة المنابر والأحزاب.
ايام شبابى
عن نفسه يقول الأديب إحسان عبد القدوس في كتابه " أيام شبابى ": أن عمر الإنسان شمعة واحدة لا تتجزأ، ولا تطفأ إلا مرة واحدة بعد عمر طويل، لقد حاولت طول حياتي أن أكون أنا، ولا أكون أحدا غيري، لم أحاول أن أقلد عمل غيري، ولم أطمع في شيء يمتلكه غيري، ولم أدع الغيرة أو المنافسة تعميني عن حقيقتي وعن تقدير قدر نفسي، ولم أبحث عما أريده فيما حصل عليه زملائي وأصدقائي
أنا لست مسلما متعصبا.. أنا مسلم فحسب، ولست شيوعيا ـــ ولن أكون يوما ما ـــ لكننى ابن طبيعى لطبقتى المتوسطة بكل مزايا وعيوب هذه الطبقة، وكل ما عملته آنذاك كان تعبيرًا أمينًا عن رفض طبقتى لما كان يجرى على أرض الواقع..أفضل أن أكون في عمل صغير، علي أن أكون الثاني في عمل كبير، لقد كنت عندما بدأت الكتابة أقرأ لتوفيق الحكيم ومحمد التابعي وطه حسين وفكري أباظة.. وفجأة توقفت عن القراءة لهم جميعا.. فقد اكتشفت أني أتأثر بهم إلى حد خفت معه أن أفقد شخصيتي، وأصبح مقلدا لهم، لأسلوبهم في الكتابة، ولطريقتهم في التفكير، وظللت ممتنعا عن القراءة لهم إلى أن أحسست أن قلمي بدأ يصلب عوده، وأن شخصيتي قد ثبتت معالمها، فعدت أقرأ لهم من جديد وأنا واثق من أني لن أنساق إلى تقليدهم.
شيء آخر.. إني لا أعتبر نفسي إنسانا ناجحا.. فالنجاح يستلزم عنصرين.. القدرة على الخيال، والقدرة على تنفيذ الخيال، وقدرتي على الخيال لا تزال أقوى بكثير من قدرتي على التنفيذ، ويوم أستطيع أن أنفذ كل خيالي.. سأعتبر نفسي إنسانا ناجحا.
لقاء مع حسن البنا
ويقول احسان عبد القدوس:كان لقائى الأول مع حسن البنا في بدايات عمل جماعة الإخوان، وكان مبعث اهتمامى بالإخوان تأكيدهم على مبدأ الشورى المعروف في الإسلام الذي يرفض ضمنيا النظام الملكى الوراثى فقررت التعرف عليهم عن قرب، فكنت أول صحفى يلتقى بحسن البنا وأجريت معه الحديث المشهور الذي نشر بعنوان (الرجل الذي يقود نصف مليون).
حاول مرشد الاخوان ضمى للجماعة ليكسب لتنظيمه عضوا من عالم الصحافة، ولأنى مسلما ونشأتى الأولى كانت في حضانة جدى الشيخ أحمد رضوان مما أرسى في نفسى قاعدة ثابتة للوازع الدينى وهو أمر أحس به المرحوم حسن البنا منذ أول لقاء،أننى لم أجد لدى جماعة الإخوان ما كنت أبحث عنه، كنت أريد خطوطا واضحة مفصلة ولم أجد لديهم سوى وجهة نظر عريضة وغائمة في كثير من نواحيها، كما أننى لم أجد من يقنعنى هناك.
اربع محاولات اغتيال
وأضاف عبد القدوس:لأنى مستسلم دائما للقدر فقد أنقذني أربع مرات من محاولة قتلى، كانت أول مرة عام 1948 وكانت بسبب مقالاتى عن قضية الأسلحة الفاسدة وكنت خارج من مطعم في عمارة الإيموبيليا وإذا بشخص يضربنى بسكين من الخلف وعندما التفت إليه طعننى بالسكين في جبهتى ومازالت آثارها باقية في جبهتى،
وبعد ثورة 23 يوليو ضبط العامل الذي حاول اغتيالى واعترف أن الأمير عباس حليم هو الذي طلب منه اغتيالى بالسكين.
المرة الثانية كنت بحكم عملى أنشر أخبارا في مجلة الزمان لصاحبها ادجر جلاد وحدث أن وقع اعتداء على بيت مصطفى النحاس، ذهبت إلى هناك لتغطية الحدث ونسيت أن بعض مقالاتى كانت ضد الوفد وأول ما وصلت لبيت النحاس اعتبرونى المجرم الحقيقى وأنى رميت القنبلة على البيت وهات يا اعتداء وتوبيخ وربنا ستر.
الثالثة حين ذهبت لحضور مؤتمر في باريس وبالصدفة قابلت السكرتير الخاص لفاروق قلت له "قل لفاروق مش يحمد ربنا إنه طلع من مصر سليم ومعاه أولاده وفلوسه ومجوهراته وعندما نشر السكرتير الخاص مذكراته قال ان فاروق كان مدبر لقتلى لانى من الكتاب الثوريين "، وآخر مرة عام 1968 حين دهستنى سيارة كسرت ساقى وحدث لى كسور في الرأس وكدمات لكن كما قلت القدر كان بجانبى وحفظنى الله.
احسان يطلب الانصاف
أصيب الكاتب الكبير احسان عبد القدوس بجلطة شديدة في المخ دخل على إثرها في غيبوبة، واستمرت الغيبوبة 11 يوما حتى فارق الحياة، وكانت آخر كلماته عن الموت: "الموت عندى واحة راحة " وطلب أن يكتب على قبره ( لقد مات فأنصفوه) من شدة ما تعرض له من هجوم في حياته واتهامه بكتابة الأدب المكشوف.