يوم فارق فى تاريخ الدعوة.. حكايات من فتح مكة
من أهم وأكبر الأحداث التي شهدها الإسلام في مثل هذا اليوم 10 يناير عام 630 ميلادية، العشرين من رمضان في السنة الثامنة للهجرة هو فتح مكة الذي يعد أكبر فتح للمسلمين، ويظل فتح مكة يوما فارقا فى تاريخ الدعوة الإسلامية بل وفى تاريخ الإنسانية كلها حيث كان إعلاء لكلمة الله فى الأرض وانتصار لقيم العفو والتسامح ودرسا عمليا فى حقوق الانسان لم تعرف له البشرية مثيلا.
فقد هاجر الرسول الكريم من مكة إلى المدينة نظرا لشدة إيذاء كفار مكة للمسلمين الأوائل في الإسلام، وبعد ان استتب الامر للمسلمين، ونقضت قريش صلح الحديبية الذى كان قد عقد بين قريش ورسول الله الذى، عزم على فتح مكة، فأعد العدة في سرية وخفاء، وفي اليوم العاشر من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تحرك عشرة آلاف صحابي تحت قيادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفتح مكة، وخرجوا من المدينة وهم صائمون، وفى الطريق إلى مكة، قابل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس مهاجرا مع أهله إلى المدينة، فصَحِب العباس رسول الله في سيره إلى مكة، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، ولم يلق المسلمون أية مقاومة تذكر أثناء دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش المشركين الذين هربوا بعدها، وقد أمر رسول الله بعدم القتال إلا لمن يقاتلهم.
رسالة الرحمة والإنسانية
يوضح الدكتور عبد الشافى عبد اللطيف أستاذ التاريخ الإسلامى بالأزهر أن رسالة الإسلام رسالة كلها رحمة وإنسانية وتعاون ولا تفرقة بين الناس إلا بالتقوى كما جاء فى القرآن الكريم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ورغم ذلك وقفت قوى الشر ضد الدعوة الجديدة مما اضطر رسول الله إلى الخروج من مكة هو والقلة التى آمنت به مهاجرا إلى يثرب وهناك وجد التأييد من الأنصار وفى العام الثامن للهجرة أتيح له فتح مكة بدون قتال الا قتال يسير لم يفقد فيه سوى عشرة من المسلمين،وتسلم مفتاح الكعبة المشرفة، ودعا رسول الله اهل مكة فجاءه ألف رجل فقال لهم: ما تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه السلام اذهبوا فأنتم الطلقاء.. وهكذا يسجل التاريخ بحروف من نور هذا الموقف السامي المتسامح من رسول الله رغم المقدرة..
اليوم يوم المرحمة
ويوضح الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية: إن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل هو وأصحابه رضي الله عنهم ألوان العذاب وبعدما صبروا على الإيذاء من أهل مكة جنحوا إلى توقيع صلح عرف بـ«صلح الحُدَيْبِيَة» حينما منعوا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه رضي الله عنهم من أداء العمرة، ورغم أن المسلمين في هذا الوقت كانت لهم القوة والمنعة في الجزيرة العربيَة لكن النبي صلى الله عليه وسلم وعد بأنهم إن جاءوه بالصلح والسلام لقبله منهم، فكان الصلح على عشر سنين، ورضي النبي صلى الله عليه وسلم منهم بأثقل الشروط وأشدها؛ وذلك بالنظر إلى المصالح والمفاسد.
وأضاف علام: ولكن سرعان ما نقض أهل مكة وحلفاؤهم هذا الصلح، ولجأت قبيلة خزاعة إلى النبيِ صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه النصرة، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه قرر السير إلى مكة متواضعا، وكان قد أعطى رأيته سعد بن عبادة رضي الله عنه، فبلغه صلى الله عليه وسلم أن سعدًا قال قبل أن يصلوا إلى مكة: "اليوم يوم الملحمة -يوم القتل-، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أمر بنزع الراية منه وأعطاها لابنه قيس رضي الله عنه، بل أعلن صلى الله عليه وسلم خلاف ما قاله سعد قائلًا: اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله قريشا.
وأوضح أن الله تعالى قد تمم لرسوله صلى الله عليه وسلم الفتح دون قتال أو إراقة للدماء المعصومة أو انتهاك للحرمات والأعراض، مع عفو كامل وصفح شامل فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم يجعل من مكة المكرمة غنيمة -وهو المنتصر- قليلا ولا كثيرا لا بيتا ولا أرضا ولا مالا.