مجلس الدولة: لا يجوز تجزئة المخالفات وتكرار الإحالة للمحاكمة التأديبية
أرسى مجلس مبدأ قانوني مهم، وأكد عدم جواز تجزئة المخالفات وأن يكون المركز القانوني للموظف مضطربا تحت سطوة الإحالة إلى المحاكمة التأديبية ويظل سيف الاتهام مسلطا على متهم الأصل فيه البراءة، فيجمد وضعه الوظيفي ويبعد عن الترقية ويحرم من مكافآته العلاوات التشجيعية ولا تقبل استقالته ويتأثر تقرير أدائه ومرتبة كفايته ويظل قابعا في مركز قانوني يخيم عليه شبح الاتهام ردحا من الزمان بما ينعكس سلبا عليه فيحجم عن ممارسة ما أناطه به القانون من اختصاصات.
جاء ذلك عبر حكم أصدرته المحكمة التأديبية بمجلس الدولة في القضية رقم 68 لسنة 63 قضائية عليا بعدم قبول الدعوى المقامة ضد 8 مسئولين بالإدارة المركزية لجمارك دمياط بعد ثبوت بطلان قرار إحالة للمحاكمة بسبب تجزئة المخالفات المنسوبة للمحالين، مما يتنافى والعدالة وطبيعة المحاكمات التأديبية والحكمة منها.
الحكم شمل كلًا من عماد أحمد عزت، معاون حركة بإدارة حركة الوارد بالإدارة المركزية لجمارك دمياط ويحيى أحمد طه، رئيس قسم حركة الوارد وعلي عبد الحميد إبراهيم، مدير إدارة حركة الوارد وجمال محمد أبو واصل، معاون حركة بالإدارة العامة للمهمل والبيوع ومحمود مسعد حسن، رئيس قسم حركة المهمل وعبد القادر عبد العاطي العفيفي، مدير إدارة حركة المهمل وغريب محمد الشرايدي، مدير عام الإدارة العامة للمهمل والبيوع والسيد عبده جوهر، مدير إدارة التعريفة الجمركية.
المخالفة التأديبية
وقالت المحكمة عبر أسباب حكمها إن المخالفة التأديبية لم يضع لها المشرع نموذجا قانونيا يتعين على القاضي التأديبي الاحتذاء به وترسمه لبيان مدى توفره، ومن ثم إيقاع العقوبة المقررة لها، أو يتبين له تخلف ركن من أركانها فيقضي بالبراءة، إنما يرد سلوك الموظف في حال خروجه على القانون في المجال التأديبي إلى الخروج على واجبات وظيفته أو مقتضياتها، فيكفي ذلك لقيام مسئوليته التأديبية، الأمر الذي يسوغ أن يكون هذا الخروج بمخالفة واحدة أو مجموعة من المخالفات تكون محلا لبلاغ واحد إلى الجهة المنوط بها الإحالة إلى المحاكمة التأديبية التي ليس لها من بعد تجزئة هذا البلاغ بإفراد كل مخالفة على حدة تكون موضوعا لدعوى تأديبية مستقلة.
فيغدو المركز القانوني للموظف مضطربا تحت سطوة الإحالة إلى المحاكمة التأديبية ويظل سيف الاتهام مسلطا على متهم الأصل فيه البراءة فيجمد وضعه الوظيفي فيبعد عن الترقية ويحرم من مكافآته ولا يسوغ منحه علاوات تشجيعية ولا تقبل استقالته ويتأثر تقرير أدائه ومرتبة كفايته ويظل قابعا في مركز قانوني يخيم عليه شبح الاتهام ردحا من الزمان بما ينعكس سلبا عليه فيحجم عن ممارسة ما أناطه به القانون من اختصاصات.
وتبعا لذلك ينعكس أيضا على سلوك زملائه ومرؤوسيه فيؤثر على كفاءة العمل وعلى حسن سيره وجودة إدارته، الأمر الذي يوجب أن يكون البلاغ الواحد محلا لتحقيق واحد ومحاكمة تأديبية واحدة لكل من ساهم في ارتكابها بحيث يمكن للسلطة المختصة بإيقاع العقاب وزن الجزاء الأوفى لكل منهم بقدر مساهمته في ارتكاب هذه المخالفة.
أحكام متناقضة
والقول بغير ذلك يتنافى وحسن سير العدالة لما قد يصدر من أحكام تأديبية متناقضة عن بلاغ واحد، فضلا عن أن الجزاء لا يكون عادلا فيأتي هينا في جانب منه أو مفرطا في الشدة في جانب آخر بما لا يتناسب مع جسامة المخالفة وخطورتها لعدم تكامل التصور الواقعي للمخالفة أو المخالفات التأديبية أمام القاضي التأديبي فيأتي قضاؤه غير مستند إلى كامل الواقع ومجافيا لسديد حكم القانون وصحيحه.
وأكدت المحكمة أنه قد ورد للنيابة الإدارية بلاغ الإدارة المركزية بجمارك دمياط بشأن طلب تحديد المسئولية التأديبية عن إحالة بضائع ـــــ تفاح إيطالي طازج مُهمَل رقم 132 لسنة 2016 بوزن (22.827 طن) لبيعها مباشرة طبقا لنص المادة (126) من قانون الجمارك، إلا أنه لم يتم بيعها بسبب التراخي في الإجراءات مما أدى إلى تلفها وحرمان خزينة مصلحة الجمارك من ثمن البيع.
وسبق للنيابة الإدارية التحقيق مع المحالين جميعهم بموجب التحقيقات المقيدة تحت رقم (441) لسنة 2018 ونسبت إليهم ذات الاتهامات الواردة بتقرير الاتهام محل الدعوى الماثلة، وتعلقت تلك الاتهامات بالمشمول الوارد لجمارك دمياط والمحتوي على كمية من فاكهة الكيوي بلغ وزنها (24.185 طن) وأحيلوا جميعهم إلى المحاكمة التأديبية أمام هذه المحكمة بالدعوى التأديبية رقم 32 لسنة 63ق، والتي قضت بجلسة 23/6/2021 بمجازاة المحال الأول عماد أحمد عزت، والمحال الثاني يحيى أحمد طه، بخصم أجر 30 يومًا من راتب كل منهما، وبمجازاة المحال الثالث علي عبد الحميد إبراهيم بعقوبة التنبيه، وبمجازاة المحال الرابع جمال محمد أبو واصل بخصم أجر (40) يوم من راتبه، وبمجازاة المحالِين السادس عبد القادر عبد العاطي عبد القادر، والسابع غريب محمد الشرايدي، والثامن السيد عبده جوهر بغرامة تعادل مثل الأجر الوظيفي الذي كان يتقاضاه كل منهم في الشهر عند انتهاء خدمته، وببراءة المحال الخامس محمود مسعد حسن مما هو منسوب إليه.
المشمول الجمركي
وتزامنت التحقيقات الصادر في شأنها الحكم المشار إليه مع التحقيقات محل الدعوى الماثلة المجراة تحت رقم (440) لسنة 2018، وتناولت جميعها وقائع متزامنة في تاريخ حدوثها، ومتطابقة في مضمونها، ومتشابهة في القواعد والإجراءات المنسوب للمحالين مخالفتها، ومرتبطة ببعضها ارتباطا جليا، وإن اختلفت فقط في محتوى المشمول الجمركي، ففي حين احتوى المشمول الجمركي الصادر في شأنه الحكم المشار إليه على شحنة من فاكهة الكيوي، فقد تعلق موضوع الدعوى الماثلة بذات الإجراءات ولكن بالنسبة لمشمول جمركي احتوى على فاكهة التفاح.
وبدلا من أن تجرى النيابة الإدارية تحقيقا واحدا بالنسبة للمشمولين الجمركيين بحسبان أن الاتهام يتعلق بمخالفة القواعد والإجراءات الجمركية الواجب اتباعها في حالة عدم تَسَلُّم صاحب الشأن للمشمول الجمركي بصرف النظر عن محتواه، فإنها افردت تحقيقات منفصلة لكل مشمول جمركي رغم تطابق القواعد والإجراءات الجمركية المنسوب للمحالين مخالفتها، وعمدت بذلك إلى تجزئة المخالفات المنسوبة للمحالين.
فجاء الأمر محض تكرار لواقعة سلك فيها المحالون ذات المسلك الإداري الذى سبق لهذه المحكمة أن حاكمتهم بشأنه بموجب حكمها آنف البيان، انضوت تحتها وقائع يعد إفراد كل منها كسبب مستقل للإحالة إلى المحاكمة التأديبية تجزئة للاتهامات الموجهة إليهم، وهو ما يتنافى والعدالة وطبيعة المحاكمات التأديبية والحكمة منها، على نحو ما سلف بيانه، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى، لبطلان قرار الإحالة.