إقتصاد بلادى..
ما بين سنوات الإصلاح والتعثر وانطلاقة جديدة
اقتصاد بلادنا يخطو خطوات واثقة نحو الإصلاح.. الأمن.. والتطور الحقيقي نحو العالمية.. الانطلاق نحو مكانة عالمية حقيقية، اقتصاد عصرى قادر على المنافسة وفق أهداف تنموية يتم تحديدها مسبقا وتتحقق في وقت قياسى وليس مجرد شعارات عايشناها لسنوات طويلة، كنا نصحو بعد سنوات قليلة لنجدها مجرد سراب.. مؤشرات غير مسبوقة للأمن الغذائي، وأمن الطاقة، وأمن الحركة والتنقلات، وحتى الأمن المائي من مختلف مصادره تؤكده الخطط والتطلعات المستقبلية للتنمية الزراعية والتوسعات العمرانية غير المسبوقة التى تتبناها وتنفذها الدولة حاليا..
وفى تقديرى إن أهم ركيزة نجحت في تحقيقها الدولة لتؤمن تلك الإنطلاقة هى تبنى الحكومة برامج ثورية لتصحيح اختلالات حادة ومزمنة في أرقام وبنود الموازنة العامة وأبرزها علاج ملف الدعم الحكومى بأنواعه المتعددة والتى تصل إلى نحو٢١ بند تصاعدت أرقامها خلال سنوات ما قبل الإصلاح لتستحوز على نحو ٢٦%من اجمالى المصروفات العامة، وكانت أهم عوامل الشلل والعجز في تنفيذ خطط وبرامج التنمية بالموازنات الاستثمارية الحكومية على مدى عشرات السنين الماضية..
وفشلت معها كل برامج التسويق للإعتماد على القطاع الخاص بشقيه المحلى والخارجى في تنفيذ الخطة الاستثمارية والتنموية العامة للدولة وبنسبة كانت متفائلة جدا تصل إلى نحو ٧٥% من إجمالى الاستثمارات المخططة، لم يتحقق منها على أرض الواقع أكثر من ٢٠%الى٣٠% على الأكثر بسبب عوائق التمويل المعروفة سواء بالإعتماد على التمويل من خلال جذب الاستثمارات الخارجية والتى تتحكم فيه عوامل سياسية واقتصادية لم تفلح الحكومات المتعاقبة في اختراقها، وظلت حصتنا من التدفقات للاستثمارات الخارجية تدور حول رقم الأربعة مليارات دولار فقط لسنوات، وكذا كانت هناك عوائق كثيرة في الإعتماد على التمويل المحلى من خلال الجهاز المصرفي لأسباب يطول رصدها وشرحها..
خطة الإصلاح الأولى
علاج اختلالات أرقام الموازنة وإصلاح منظومة الدعم رغم الالام المصاحبة لها والتى يتحملها الشعب حاليا بصبر يحسد عليه كانت أهم نقاط الإنطلاق للدولة نحو إحداث تنمية حقيقية تقود البلاد نحو الإصلاح الإقتصادى الحقيقى ومشاركة حقيقية في الاقتصاد العالمى بعد عقود من التعثر أحيانا والتخبط كثيرا.. فلماذا نثمن بكل ثقة تلك الخطوة ونراها قرار تأخر سنوات طويلة لتحقيق أمال الشعب في إصلاح إقتصادى حقيقي ينتشل البلاد من مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية المزمنة ويدفع بنا لإحتلال مكانة مرموقة بين اقتصاديات العالم المتقدم؟
الإجابة رصدها لى مسئول مالى كبير منذ أكثر من ٢٠ عام في حديث ذو شجون ردا على تساؤل لى عن أسباب توقف عجلة تطور برنامج الإصلاح الإقتصادى الذى تبنته الدولة عام ٩١ وبعد نحو ٦ سنوات فقط من انطلاقته المبشرة في ذلك الوقت.. قال والكلام للمسئول الخبير بدهاليز وبنود الموازنة العامة وخطط وبرامج التنمية المعلنة من الدولة.. كيف السبيل لإحداث تنمية حقيقية وكل إيرادات الدولة تتحول إلى نفقات حتمية.. ٢٤% للدعم و٢٦ % للمرتبات وما فى حكمها ٢٣% لأعباء خدمة الدين العام من أقساط وفوائد و١٨% للصحة والتعليم ليتبقى لتنفيذ الخطة الاستثمارية العامة نحو ٦ أو ٧% فقط..
وأردف المسئول فقال إن ركيزة خطة الإصلاح الأولى التى نفذتها حكومة الدكتور عاطف صدقى أوئل التسعينات إعتمدت بالأساس على ركيزتين أولهما الإتفاق المبرم مع دول نادى باريس وإسقاط ٥٠% من ديوننا الخارجية وجدولة نسبة مهمة من تلك الديون على آجال طويلة، والركيزة الثانية تطبيق ضريبة المبيعات إعتبارا من عام ٩١ بديلا لضريبة السلع الاستهلاكية، والتى قفزت بنسبة مساهمة تلك الضريبة غير المباشرة في جملة الإيرادات العامة من نحو ٥% إلى نحو ٣٦% ثم ٤٢% خلال سنوات قليلة، وساهمت في خفض عجز الموازنة إلى ٣%..
عجز الموازنة
ولكن بعد أن وصلت تلك الضريبة إلى سنوات التشبع حدث تراجع معدل نمو الحصيلة المحققة منها عام ٩٧ ثم عجز الدولة عن تطبيق المرحلة الثانية منها على قطاع التجارة والتوزيع، وعادت الاختلالات المالية الحادة بموازنة الدولة اعتبارا من عام ٩٨ لتصل نسبة عجز الموازنة إلى ٧ و٨ %، لندخل فى برامج خصخصة شركات قطاع الأعمال العام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نمو حجم الدين العام الخارجى والداخلى على حد السواء حتى جاء قرار الحكومة وقتها بتحديد سقف الاقتراض الخارجى بنحو ١،٢ مليار دولار سنويا، والدخول فى مفاوضات غير مسبوقة مع القطاعات الاقتصادية لتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة لضريبة المبيعات عام ٢٠٠١..
أعقبها تطبيق المرحلة الأولى لتحرير سوق النقد الأجنبى أو تعويم الجنيه عام ٢٠٠٣ لإنقاذ التدهور الحاد في أرقام الموازنة وإرتفاع فاتورة إستكمال مشروعات البنية التحتية، التى بدأتها الحكومة فى بداية برنامج الإصلاح، ورصد تقرير برلمانى وقتها الحاجة لنحو ٥٦ مليار جنيه لتنفيذها أو ضياع ما أنفق عليها من إستثمارات ضخمة في السنوات السابقة، وعجزت الدولة عن ذلك..
فبدأ تراجع المرافق العامة في السكك الحديدية والطرق والموانئ والتعليم والصحة، وتوقفت مشروعات الإستصلاح الزراعى في توشكى وغيرها، وتعالت شكوي المواطنين من تردي أحوال المرافق العامة وتراجعت تدفقات الإستثمار الخارجي إلى أدنى مستوياتها خاصة في القطاعات الانتاجية، وإقتصرت على مجال الخدمات المالية والسياحية تحديدا وسط عجز شبه تام عن إيجاد حلول سواء من الداخل أو الخارج كما وصف الرئيس السيسي تماما منذ أيام، لتعيش البلاد مخاوف السقوط والإفلاس على غرار دول مثل الأرجنتين والمكسيك ثم اليونان وقتها وينفجر الشعب..
تلك أصل الحكاية.. فكيف خرجنا من عنق الزجاجة وإنطلقت الأيادى تبنى وتعمر مدن ومصانع ومزارع وطرق وكبارى في كل ربوع مصر المحروسة.. تلك قصة أخرى وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.