قالوا في رثاء شاعر الغلابة بيرم التونسى
أثار رحيل الشاعر الزجال محمود بيرم التونسى فى 5 يناير 1961 حزن واستياء زملائه من الشعراء والكتاب والمفكرين فكتبوا كلمات في رثائه وطالب بعضهم بضرورة تكريمه فهو الشاعر الذى ظلم بسبب كلماته وعاش ومات فقيرا مظلوما.
قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقى (لا أخشى على شعر الفصحى إلا من عاقبة بيرم)، كما رثاه الشاعر صلاح جاهين بقوله: (مين اللى قال مات يا شباب يابو دموع. مات زى ما كتف الجبل يتهد.. مات باقتدار وفخار ماقالش لحد).
كما قال عنه الشاعر الكاتب عباس محمود العقاد: كان ينبوعا فياضا من ينابيع الفنون الشعبية نظما وتمثيلا وغناء بل وتصويرا بالقلم، يعطينا من صور الحياة العصرية ما تعجز عنه ريشة الفنان، فهو بارع فى الحديث بالعديد من اللهجات المختلفة فى آن واحد وينتقل من جد إلى فكاهة.
ميكى ماوس
وفي ذكراه العاشرة كتب الناقد عبدالله أحمد عبدالله الشهير بميكى ماوس يقول:
لم يعرف التاريخ شاعرا دفع ثمن شعره الحر نفيا وتشريدا سوى أمير الشعر الشعبى محمود بيرم التونسى. كتب يصور حنينه إلى مصر وشوقه الى النيل،فكتب وهو يمشى على نهر السين فى فرنسا يقول: على السين يا مصر مشيت.. إياك يسلينى ولا نهر الرون يروينى.. ولا مية نهر السين،ترك بيرم للتاريخ الكثير، أنه ثالث شاعر تطارده السلطات من تحت رأس شعره.. بعد عبدالله النديم شوقى، وثانى شاعر ينفيه شعره بعد شوقى ،ويبقى من بيرم أنه بدأ بمهاجمة السلطة والملكية فى عهد الملك فؤاد، وسيبقى من بيرم أنه شرع قلمه فى مهاجمة الامتيازات الأجنبية وظلم الفلاح والعامل والأرزقية وتخلف المرأة والصناعة والتعليم فى بلاده، كما أنه شاعر الغلابة الذى ترجم فى شعره معاناة وأحاسيس العمال كل واحد فى حرفته معبرا عن الفقراء والغلابة منهم.
عبد الرحمن الأبنودى
وكتب الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي إن بيرم التونسي من أكبر من كتبوا بالعامية ودفعوا ثمنا باهظا لم يدفعه شاعر غيره سوى عمنا عبد الله النديم شاعر الثورة العرابية، الذي طاردته السلطات تسع سنوات وهو مختبئ بين صفوف الجماهيرمتنقلا،أما عمنا الكبير بيرم التونسي فقد دفع زمنا قاسيا من حياته بسبب قصيدة كتبها في الملك فؤاد وزواجه، مشككا في أن العلاقة بينهما أقدم من الزواج الرسمي، فنفي إلى باريس حيث عاش حياة ضيق وعنت حمل خلالها أجولة الملح والفحم في ميناء مارسيليا وباريس حتى أنه أصيب بالربو. إن ما خلفه لنا التونسي نقطة في بحر، وما في أيدينا جزء صغير من أعماله والتي على الرغم من كثرتها لم تصل إلى أيدينا كاملة، لأن إبداعه كان غزيرا في مجالات كثيرة مثل الأفلام البدوية والمسلسلات الكثيرة التي كتبها، إضافة إلى الصور الغنائية العديدة، ومن الواجب أن نحتفل ونفخر بأن هذا الرجل عاش على هذه الأرض ومات دون أن يأخذ حقه في التكريم.
نعمات أحمد فؤاد
وكتبت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد مقالا قالت فيه:كل زجال في مصر أفاد من بيرم التونسى، حتى من يكبرونه سنا، وإذا ذكر بيرم التونسى في أي مجال ذكر قصيدته الشهيرة "المجلس البلدى"، وكم كان يحلو له أن يقولها في بيتى، في وجود زكريا أحمد الذي كان يلح عليه،فقد كان لهذه القصيدة دوى امتد صداها عشرات الأعوام، يتربع بيرم التونسى على أريكة عندى كان يفضل الجلوس عليها، ويحكى لنا عائدا بذكرياته إلى سنة 1919،كان بيرم متعلقا بمصر تعلقا شديدا، ويؤلمه أن ينسبه إلى غيرها بحكم الجذور البعيدة، كان دائما يقول وبعد كل هذا تقولون بيرم التونسى، لقد تعلق بكتاباته بالعامية المصرية، عاش بيرم في مختلف الفئات وعرف كافة الأوساط حتى لم يترك شيئا إلا وصفه، أقصد صوره في سخرية ضاحكة لكنه الضحك المندى بالدموع.
الساخر محمود السعدنى
وكتب الصحفى الساخر محمود السعدنى يقول: تعرفت إلى فنان مصر الأعظم بيرم التونسى، كان يجلس على مقهى السيدة زينب يكتب بقلم رصاص كلاما أشد فتكا من الرصاص، كنت معجبا به إلى درجة الجنون.. هذا الفنان الذي يستحق وحده لقب فنان الشعب لأنه ظل يقاتل بقلمه كل القوى التي تحارب الناس،
ذهن شارد وعينان زائغتان وجسم منهك وتعبان.
وأضاف السعدنى: لم يأخذ بيرم حقه كما ينبغى، ولأنه عندما بدأ يسترد بعض حقه كانت أيام الصحة والشباب قد ولت إلى غير رجعة، وتوطدت صلتى به وصرنا نتقابل كثيرا نجلس ونحكى ونتناقش إلى أن مات وتركنا، أشهد إننى ما تعلمت في حياتى من أحد بالقدر الذي تعلمت به من بيرم، ولم يبهرنى فنان مثله، ولم أتعرف على جغرافية المجتمع المصرى إلا من خلال كلماته.