عاطف فاروق يكتب: حكاية قانون يربك 56 وزيرًا ومحافظًا
نقف اليوم بصدد إشكاليتين، إحداهما اجتماعية، والأخرة قانونية، ويجمع بينهما أن غموضًا أحاط بنص القانون رقم ٢٨ لسنة ٢٠١٨ الصادر بإضافة مادتين للقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٧ بشأن تحديد رواتب شاغلي بعض المناصب في الدولة، وهاتان الإشكاليتان، هما الحياة الكريمة، ومبدأ رجعية القوانين، وتتصف الحياة الكريمة بالنسبية بين أبناء المجتمع الواحد وفق عناصر متعددة، وقد تأكد ذلك بتدخل المشرع بنصوص خاصة لشاغلي المناصب الصادر بشأنها القانونين السابقين، كما يثور مبدأ رجعية القوانين مع كل نص جديد، لا سيما إن كان مكملًا أو معدلًا لتشريع سابق، ومن هنا كان لا بد لنا من سبر أغوار هاتين الإشكاليتين من خلال تطبيقات عملية تضمن سلامة التطبيق وتوحيد المفاهيم.
القانون ٢٨ لسنة ٢٠١٨ بتعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة ۱٩٨٧ بشأن تحدید مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الشعب والشورى ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء يربك 56 وزيرًا ومحافظًا سابقًا بينهم 5 وزراء للتربية والتعليم و3 وزراء للسياحة ومثلهم للتعليم العالي، وبعض الوزراء المعينين من عام 1975 وخرجوا من الوزارة قبل صدور القانون الجديد، وطلبوا إلزام الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بمنح كل منهم معاشا يعادل 80% من الراتب المقرر للوزير، وبينهم أحد الوزراء السابقين لم يستمر في وظيفته سوى أسبوعين فقط وآخرون شغلوا وظيفة وزير أقل من ثلاثة أشهر، وبعضهم ترك الوزارة من الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين.
واستطرد الوزراء السابقون "المدعون" أنه وبعد رفض الهيئة القومية للتأمين الإجتماعي لطلباتهم بصرف المعاش المقرر لكل منهم باعتباره وزيرا سابقا وفقًا للقانون الأخير، أقاموا دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد وزير المالية ورئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بصفتيهما لإلزام الهيئة المدعى عليها الثانية بمنحه كلًا منهم معاشا يعادل 80% من الراتب المقرر للوزير ومقداره 42000 جنيها ليكون المعاش مبلغ 33600 جنيها وذلك اعتبارًا من 24 / 4 / 2018 وما يترتب على ذلك من آثار.
رئيس مجلس النواب
قالت المحكمة عبر 56 حكما قضائيا أن الأصل في القوانين هو سريانها من تاريخ العمل بها، وعدم جواز إعمال أثرها فيما وقع قبلها، والمشرع أعاد تنظيم الأحكام الواردة بمواد القانون رقم 28 لسنة 2018، وعمد بموجب المادة الثانية من القانون رقم 160 لسنة 2018 (والتي عمل بها اعتبارًا من 24/4/2018) إلى استبدال نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي رقم 79 لسنة 1975، بنص قرر بمقتضاه تسوية معاش كل من يشغل فعليا منصب رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم والمحافظين ونوابهم بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة قضيت فيه من آخر مكافأة أو آخر راتب لشاغل المنصب وبما لا يجاوز صافي الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب، أي كل من أدركه العمل بنص المادة (31) بعد استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018 اعتبارًا من 24/4/20183، وهو ما زال يشغل المنصب سالف الذكر فعليا.
ومن كان يشغل هذا المنصب وانتهي شغله له قبل 24/4 / 2018 لا يعد من المخاطبين بأحكام هذا القانون، ولا يستفيد من أحكامه لسببين: أولهما أن المشرع في هذا القانون نص على أن يعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 25 يوليه 2018، ولم ينص على الأثر الرجعي لها قبل هذا التاريخ - وثانيهما، أن لفظ "يشغل" الوارد بعبارة "يسوى معاش كل من يشغل فعليا منصب...." هو لفظ بصيغة فعل المضارع والذي يدل على الحال والاستمرار.
أي على من يشغل المنصب وأدركه تاريخ 24 / 4 / 2018 أو من شغل المنصب بعد تاريخ 24 / 4 / 2018، وليس على الماضي (قبل 24/4/2018)، وهو ما يحتم القول بعدم أحقية من سبق له شغل تلك المناصب وانتهت فترة شغله لها قبل العمل بنص المادة (31) من القانون 79 لسنة 1975 بعد استبدالها بالقانون رقم١٦٠ لسنة ٢٠١٨، فى إعادة تسوية معاشه وفقا لأحكام هذا القانون.
حساب المعاشات
واختلاف قيمة المعاش المستحق لشاغلي ذات الوظيفة أو المنصب باختلاف تواريخ انتهاء خدمتهم فيها، هو أمرًا ليس بجديد على المشرع المصري، بل إنه استقر على العمل به وتطبيقه منذ أوائل التشريعات المنظمة للمعاشات المستحقة لمختلف الطوائف الخاضعة لأحكامها كالوزراء ورجال القضاء والشرطة والمخابرات العامة، وذلك من خلال ما نصت عليه هذه التشريعات من حساب المعاشات المقررة للمنتمين لتلك الطوائف على أساس آخر أجر أو آخر مربوط الدرجة الذى كانوا يتقاضونه في تاريخ انتهاء خدمتهم، بما مؤداه - وبحكم اللزوم - اختلاف قيمة المعاش المقرر لهم باختلاف هذا التاريخ وفقا لما يطرأ من زيادة على آخر أجر.
وفضلا عما تقدم، فإن البين من مطالعة نصوص القانونين رقمي ١٦٠ لسنة ٢٠١٨ و١٤٨ لسنة ٢٠١٩، أن المشرع نص على احتساب المعاش المقرر بموجب هذين القانونين بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية (وهي آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ أو آخر راتب بالنسبة لباقي الفئات - ومنهم المحافظين والوزراء - وبما لا يجاوز صافي الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب) وذلك عن كل سنة خدمة قضيت في المنصب.
وهو ما يبين معه بجلاء أن المعاش المقرر بموجب القانونين سالفي الذكر يتم احتسابه وفقا لآخر مكافأة لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ أو آخر راتب بالنسبة لباقي الفئات - ومن بينهم المحافظين والوزراء - في تاريخ انتهاء شغل المنصب، الأمر الذى مؤداه أن استحقاق المعاش المرتفع وفقا للقانونين المذكورين ارتبط ارتباطًا حتميًا باستحقاق المكافأة أو الراتب وفقا لما يطرأ عليهما من زيادات، ولذا قضت المحكمة بقبول الدعاوى شكلا، ورفضها موضوعًا.