الانتماء.. العالم يعود لتعليم زمان!
وقف وزير التربية والتعليم في مواجهة نواب مجلس النواب، وسمع الكثير من النقد الموجه إليه وأداء الوزارة، والحقيقة أن مجلس النواب مستفز من الوزير والوزارة خاصة أنه لا يقدم حلولا أو إجابات مقنعة لنواب الشعب، والحقيقة أن المجتمع في حيرة مع أداء الوزير وما يقدمه، هو يؤكد أن هذا تطويرا للتعليم ولابد من التأقلم مع التطوير والتكنولوجيا، ومن الطبيعى أن الوزير له من يسانده، حكومته ثم جوقة الإعلام الأجوف..
والحقيقة لست أحد المتخصصين في هذا المجال ولكن أسأل الوزير: كيف يمكن تطوير التعليم ولديك عجز في عدد المعلمين قد يصل إلى 300 ألف مدرس؟ كيف يحدث تطوير وهناك الفصول المحشور فيها الأطفال وكأنهم في علب سردين؟ كيف يمكن تطوير التعليم والمعلم وهو أساس العملية التعليمية غير مؤهل وغير مقتنع وغير قابل للتعلم لأسباب كثيرة؟ كيف تطلق تصريحا أن الوزارة ستبنى أكثر من مائة فصل دراسي؟ كنا نبنى المدارس زمان أما اليوم فتحولت الألفاظ من مدرسة إلى فصول حتى يكون الرقم كبيرا ومؤثرا في الناس الطيبين من الشعب؟!
إننى لا أتحدث عن منهج ولا عن عدد ساعات يجب أن يقضيها الطفل في الفصل ولا عن التطور المدهش في الدول الأخرى، إننى أسأل عن أشياء بسيطة جدا، لا تدخل في فنيات العمل التعليمي، والحقيقة شاهدت جزء من حوار الوزير مع أعضاء مجلس النواب، وأعتقد إنه ذهب فقط تأدية واجب، وأن انتقاداتهم لا قيمة لها، الوزير يشعر بأنه مسنود، وللأسف هذا جعله يظهر وكأنه متالي على الجميع.
التواصل مع الطلاب
وزارة التربية والتعليم قررت الإعتماد على التكنولوجيا، ومع انتشار كورونا كان الاعتماد على التكنولوجيا أكثر وبعيدا عن الآراء التي تروج له، والآراء التي ترفض أن يكون ما يحدث تطويرا للتعليم، وبعيدا عن صريخ الأسرة المصرية التى ترى أن الأولاد لا يتعلمون شيئا مما يحدث الآن، وأن ما يحدث هو انتقال الأبناء إلى السنوات الأعلى دون أي تحصيل لأي شيء وبالتالي التعليم لم يعد تعليما، بعيدا عن هذا كله لنا أكثر من ملاحظة مهمة، الأولى من العالم المتقدم حاليا، والأخرى من تاريخنا.
في الوقت الذي نهتم كثيرا بالتكنولوجيا في المدارس، فان هناك دراسات في أوروبا أثبتت أن هناك تراجعا في مستوى الذكاء لدى الأطفال بسبب اعتمادهم على التكنولوجيا، وتراجع أسباب التفكير، وبالتالي تم العودة في العديد من المدارس إلى الاعتماد على الوسائل التعليمية التقليدية، ومنع إصطحاب التلاميذ لأى أجهزة بما فيها التليفونات المحمولة، وأكدت الدراسات أن الحوار المباشر بين التلاميذ والمعلم هو خير معلم لإكساب الطفل الكثير لبناء الشخصية، تتوقع الدراسات إختفاء الاعتماد على التكنولوجيا في السنوات القادمة حتى المرحلة الثانوية على الأقل.
الملاحظة الثانية من فنلندا، واختياري فنلندا لآن الدكتور طارق شوقي كان دائما يؤكد أن هناك من الدول في العالم تتعلم من تجربتنا منهم فنلندا، هذه الدولة منذ عام قررت المجانية الكاملة في جميع مراحل التعليم وإلغاء التعليم الخاص!
الانتماء للوطن
ونعود إلى العاشر من مارس 1969، دخل الفصل الاستاذ عبدالحليم شبل علينا كعادته مع بداية الحصة الأولى، ولأنه يأتي من طنطا لقريتنا فإن القطار يصل في الثامنة إلا عشر دقائق، وبالتالى فإن معظم الأيام لا يلحق بالطابور لصعوبة للحضور قبل ذلك نظرا لندرة المواصلات في ذلك الوقت، كان يدرس أكثر من مادة، اللغة العربية والدين، وأحيانا الألعاب عندما لا يتوفر لدينا مدرس ألعاب، من عادة هذا المدرس الحاصل على دبلوم المعلمين - خمس سنوات بعد الإعدادية- أن يقرأ لنا الصفحة الأولى من جريدة الأخبار يوميا فى بداية الحصة الأولى وخاصة أخبار المعارك مع العدو الصهيوني..
ويشرح في دقائق الأحداث مؤكدا فى كل مرة حتمية تحرير الأرض المغتصبة، وكان يقصد كل الأراضى العربية وعلى رأسها فلسطين، ولكن في هذا اليوم دخل الفصل ووجهه أسود ويبدو عليه كل ملامح الحزن والغضب، وكعادتنا قلنا: الأخبار يا أستاذ؟ فرد بعفوية شديدة: الأخبار ووحشة قوى!
سيطر الصمت علينا وكنا صغار لا نعرف ماذا نقول؟ وإذا به يقرأ خبر استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض وتساقطت الدموع من عينيه، نعم.. بكى أمامنا وكان يحاول أن يتمالك نفسه، وبعد استعادته لنفسه تحدث عن البطل الشهيد وأن مصر كانت تعقد الآمال عليه لأنه يعد من أبرع وأخلص الرجال لتراب الآمة العربية، خاصة أنه حارب في أكثر من جبهة عربية منها الأردن وسوريا!
وأذكر هنا مجزرة بحر البقر والهجوم الذي شنه العدو الصهيوني بطائراته في صباح الثامن من أبريل عام 1970 على مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر إحدى قرى محافظة الشرقية، والتى أدت إلى مقتل 30 طفلًا وإصابة 50! لم يتركنا الأستاذ محمد منصور مدرس المواد الاجتماعية، بل شرح لنا أهداف العدو من ضرب الجبهة الداخلية وهدفه من حواره معنا كان ترسيخ الإنتماء وأن الحرب يدفع فيها ثمن غالى، وتحرير الأرض لا يأتي إلا بالدم!
هذا هو أحد أهم مكاسب التعليم المباشر وليس من خلف أجهزة التواصل الاجتماعي، ترسيخ الإنتماء وحب الوطن والفداء وقيمة البطولات، أيضا لكى يكون لنا أجيال قادمة قادرة بإيمان على حماية مصر من أطماع ومؤمرات الأعداء.. الصهاينة أو غيرهم. كل ما كتبته ليس جديدا للأسف.