خطة الأرض المحروقة تطيح بـ«مرشد الإخوان».. الرجل الحديدى ضرب إبراهيم منير بالقاضية
حرب انتقامية شهدت تفاصيل غريبة ومثيرة خلال الأيام الماضية لإقصاء القائم بأعمال مرشد الإخوان إبراهيم منير، وتكشف للصف الإخوانى نفسه قبل غيره من هم «الإخوان» الذين أضاعوا حياة الآلاف من المغيبين والسذج، ومن انخدعوا بالشعارات الدينية وأعطوا ثقتهم لمن لا يستحق.
حسم الصراع
بدرجة كبيرة انتهى الصراع بين القيادات التاريخية الذى اندلع بسبب خلاف على المزايا والصلاحيات والمكاسب بقرارات جديدة، بتعيين قائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان، ونجح محمود حسين الأمين العام المفصول بقرار من القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، فى إظهار قدرته على حسم كل المواقف لصالحه وتدمير كل من يقف أمامه ويتحداه مهما كان حجمه وتاريخه فى التنظيم.
كل طرف يصر على موقفه، جبهة محمود حسين، الأمين العام لا تريد حل أزمة الصدام غير المسبوق مع إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد وتسلم بالخضوع للتحقيق، بسبب خلافات تصاعدت على مدار أشهر أثر القبض على محمود عزت، القائم بالأعمال السابق من قبل أجهزة الأمن المصرية واختلاف الطرفين على المصالح والقرارات.
انتهى المشهد بصدام ناري، وكل طرف لم يعد يتحمل رؤية الآخر، ولا يريد بقاءه، لكن فى صراع من هذا النوع الأقوى يفرض منطقة، واتضح أن الأمين العام المحسوب على مدرسة التنظيم السرى، يدير الأزمة بشكل أكثر حسما وفاعلية من منير المحسوب على التنظيم الدولى ومدرسة الدعوة داخل التنظيم.
لعب حسين وجبهته على التفاصيل للإجهاز تماما على إبراهيم منير والموالين له، وضخ كم كبير من التسريبات، وفضح تواضع إمكانات جبهة القائم بالأعمال مقابل استعراض قوتهم وقدرتهم على الحسم.
طوَّع محمود حسين العديد من المواقع والجروبات التى كان يجهزها لإدارة الصراع مع الدولة المصرية، وفتح النار على جبهة إبراهيم منير، وأظهر كل ملفات رجاله، واتهمهم جميعا إما بالعمالة للأجهزة الأمنية، أو بالجهل والطمع والجشع.
سياسة الأرض المحروقة
لم تترك الأذرع الإعلامية أي طرف يناصر إبراهيم إلا ودمرته تماما، لدرجة أنهم اتبعوا سياسة الأرض المحروقة لإحراق كل طرف لا يقف بجوارهم، سربوا قصة تدشين قناة مكملين -أخطر ذراع إعلامية للقائم بأعمال المرشد- وكذلك موقع «عربى 21»، لتعرية ممولى إبراهيم منير، وكشف الغطاء عنهم للابتعاد وترك الساحة.
اتهم رجال الأمين العام المفصول، أحمد عبد الشافى، المدير العام لقناة مكملين، بالاشتراك فى مجموعات استثمارية كبرى بشكل مفاجئ، زعموا أن بعضها ما زال داخل مصر -للإشارة إلى تجيده من الأمن- والتأكيد على عمله بالعديد من البلدان المعادية للجماعة مثل السعودية.
أشارت أذرع حسين إلى شخصية غامضة أخرى فى الإخوان، اتهمته بتمويل الإعلام المعادى للأمين العام، وهو القيادى عبد الرحمن أبو دية، المعروف جيدًا لكل القيادات بمختلف الأجيال داخل التنظيم، بقدرته على إنشاء شبكات معقدة لتمرير الأموال عبد البلدان المختلفة.
دشنت جبهة الأمين العام جروبات على أكثر من وسيلة تواصل اجتماعى، وتولت التشكيك والسخرية من كل ما يصدر عن القائم بأعمال المرشد ورجاله والمؤيدين له، ولم تترك اتحاد يوسف القرضاوى، أو الكيانات المحسوبة عليه مثل ما يعرف باسم اتحاد علماء الإخوان المسلمين، وشنعت عليهم بكل الطرق المعروفة عن الإخوان فى تفخيخ أي شيء، وإثبات الشيء وعكسه طالما لا يتماشى مع مصالحهم.
شكلت جبهة الأمين العام لجانا إلكترونية مهمتها رصد كل كلمة تكتب عن محمود حسين ورجاله، والحط منها بسيول من الرسائل التى تشيطنهم عند الصف الإخوانى، بمختلف درجاته وألوانه الاجتماعية والدينية والقيادية.
لم ينجُ منهم أحد، كل طرف له ملف جاهز للنشر، وبعد ذلك تبدأ سلسلة التحذيرات عبر وسطاء، وإن لم يرتدع الهدف شهروا به وفضحوا مواقفه السابقة.
أحد الذين عملت اللجان على تشويهه تماما خلال الأيام الماضية كان الإعلامي بقناة الشرق أحمد عطوان، الذى أعادوا تدوير عمله السابق فى إدارة الحملات الانتخابية لرجال الحزب الوطنى فى الغربية، مسقط رأسه.
اتهموه أيضا بالمشاركة فى تسويق تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2010 التى أسقطت الحزب الوطنى من الحياة السياسية المصرية، وأكدوا أنه جنى مكاسب كبرى ومصالح من تزوير الانتخابات، وتوعدوا بنشر المزيد إذا استمر فى الهجوم عليهم بسبب موقفه المؤيد لإبراهيم منير، والمعارض لما يسمى بمجلس الشورى.
فضحوا أيضا عضويته فى مجلس إدارة مدارس الجيل المسلم فى الغربية، وزعموا أن اختياره كان أمنيا بامتياز، وبقى بمنصبه بعد رحيل مرسى عن الرئاسة وإبعاد الإخوان عن الحياة السياسية.
لم يسلم منهم أيضا سامح الجبة، المقرب من يوسف القرضاوى، وعضو ما يسمى بـ«الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، وأحد الذين تستضيفهم كل قنوات الإخوان لإبداء الرأى الشرعى فى كل ما يصدر عنهم أو ضدهم، وشنوا ضده حملة كبرى بسبب موقفه المؤيد لإبراهيم منير.
جردوه من لقب «شيخ»، وأكدوا أنه نصب نفسه عالما بينما هو فى حقيقته لا يساوى أي شيء، ولأول مرة يعترفون بما يردده خصوم الإخوان عن عدم أهلية مشايخ الزيف على شاكلة وجدى غنيم وغيره من الذين كفَّروا مخالفيهم وأهدروا دماء كل معارض لهم.
تساءلوا -وكأنهم يعرفونه لأول مرة- عن مؤلفاته وأبحاثه وآرائه الفقهية حتى يطلق على نفسه لقب عالم، ولم يكتفوا بذلك، بل اتهموه بعقد صفقة مع القائم بأعمال المرشد للخروج على الأمين العام مقابل تقديم برامج يتقاضى عنها الآلاف من الدولارات على الشاشات الموالية لإبراهيم منير.
عزل المرشد
بعد الانتهاء من تصفية معارضيه، خرج محمود حسين وأعلن عزل إبراهيم منير عن منصب القائم بأعمال المرشد، وأعد له ضربة أشد، وهى إعلان قائم جديد بأعمال التنظيم، من الذين اختارهم محمود حسين بنفسه، وبعناية شديدة حتى لا يتكرر سيناريو الانقلاب ضده.
نصب الأمين العام الذى أثبت أنه الرجل الحديدى للتنظيم، طبيبا هاربا خارج البلاد ومدرجا على قوائم الإرهاب فى القضية رقم 784 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا فى مصر، يدعى مصطفى طلبة، ويشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس شورى الإخوان بتركيا فى منصب القائم بأعمال المرشد.
المواصفات التى احتاجها محمود حسين بحث عنها وفصَّلها على مقاس «طلبة»، فهو رجل أعمال ومستثمر أكثر منه سياسيا، ولا يملك الحنكة أو النفوذ والعلاقات التى تؤهله للسيطرة على التنظيم كما فعل إبراهيم منير، ويملك جنسية بريطانية تزيد من نقاط ضعفه، ولا تسمح له بالتمدد للسيطرة على الجماعة.
كان محمود حسين يعرف أن القائم بالأعمال الذى اختاره له أيضا استثمارات كبرى، وعلى علاقة وثيقة للغاية بالسلطات التركية، وهذا كفيل بمباركة الأجهزة الموالية لأردوغان تصرفات محمود حسين، وستمنع «مصطفى طلبة» لاحقا من الانفراد بالقرار، وتكرار محاولة الإطاحة بالحرس الحديدى للتنظيم.
زاد محمود حسين من ضغوطه وإحكام قبضته على القائم بالأعمال، وأنشأ لجنة مؤقتة جديدة لإدارة الإخوان، وجعل لهذه اللجنة اليد العليا، وربط بينها وبين استمرار القائم بالأعمال الجديد فى مهامه.
حدد محمود حسين صلاحيات مصطفى طلبة وأخذ توقيعه عليها، على أن يتولى مجلس الشورى الذى يسيطر عليه نشرها ممهورة بتوقيعه وإعلانها للصف الإخوانى، لضمان عدم الخروج عليهم مرة أخرى.
بخلاف ذلك، استمر حسين فى حشد الداعمين له مثل قسم الأخوات، الذى تسيطر عليه تماما الشيماء محمد مرسى، ابنة الرئيس المعزول الراحل محمد مرسى، التى رفضت إبراهيم منير وإجراءاته، وأعلنت دعمها للأمين العام، وحشدت بكل الطرق لتأييده داخل وخارج مصر.
فى الوقت نفسه، كان محمود حسين يجهز مركزا جديدا لإعلام الجماعة، للشوشرة على المركز الذى أنشأه إبراهيم منير تكون مهمته تسويق القرارات الجديدة، وإعادة تبييض وجه الأمين العام الذى تأثر بشدة من القصف الإعلامي المستمر منذ أشهر على جميع المستويات، مما أفقده جزءا كبيرا من قوته التى كان يستمدها من غموضه وابتعاده عن الصورة، والآن حان الوقت لإصلاح ما أفسده عليه إبراهيم منير.
نقلًا عن العدد الورقي…