رئيس التحرير
عصام كامل

حَنَانَيْك سيدي الرئيس

كنت أنتوي في هذا المقال أن أكمل مجموعة مقالات عن المخدرات، لكني وأمام إلحاح ذلك الموضوع سأرجئ مقالات المخدرات مؤقتا للأسبوع القادم إن شاء الله، وأكتب في هذا المقال انطباعي وتعليقي على تصريحات الرئيس السيسي في خضم افتتاح عدد من المشروعات التنموية والقومية بصعيد مصر يوم الأربعاء الماضي، وبداية يعلم الله كم أكن لسيادة الرئيس من عظيم الامتنان والحب والاحترام والتقدير لمواقفه الوطنية الشجاعة مع ما يبذله من جهد فائق في سبيل بناء مصر..

 

حيث تشهد البلاد في عصره موجة من البناء غير مسبوقة على كافة الأصعدة، خاصة في مجال بناء المدن الجديدة وعلى رأسها العاصمة الإدارية، وبناء مليون وحدة سكنية. مع المبادرات الرئاسية الخاصة بالصحة للكشف وعلاج الأمراض المزمنة مع علاج فيرس سي، وطبعا تخليص البلاد من الإرهاب والإرهابيين، وتنفيذ 199 مشروعا في الطرق الرئيسية والداخلية، وتطوير هيئة  السكك الحديدية، مع مبادرة حياة كريمة التي هي من أكثر المبادرات الرئاسية التي حققت طفرة نوعية في تحسين حياة المواطنين في 1000 قرية.

 

كل ذلك وغيره من إنجازات ضخمة لسيادة الرئيس لن يجعلني أغفل لسان حال الفقراء، وأنا واحد منهم بالفعل، ذلك اللسان الذي يعلق حول تصريحات الرئيس السيسي عن بطاقة التموين قائلا لسيادة الرئيس: "حَنَانَيْك سيدي الرئيس"، فقد صرح سيادته قائلا: 

"لكن على الأقل تبقى عارف يا مواطن ويا مواطنة وابنك أو بنتك بيعدي الطفل مش الطفلين بقى، أنت بتحط نفسك في مشكلة، ومستقبل الطفل دا مش هتبقى (...)، وربنا مقالش كده، ربنا مقالناش نعمل كده في نفسنا وبالتالي بقولها على الهواء كده، أيوه أنا بعمل كده، قلت لا يمكن هدي بطاقة تموين تاني تاني لحد بيتجوز يعني، لأنك لو بتتجوز ومستني إن الدولة تديك بطاقة تموين، فانت مش قادر تتجوز، مش قادر تصرف يعني.. إزاي يعني، لأ دا كلام مش مظبوط، ودا برضه ثقافة اتشكلت في وجدان الناس ودي مش موجودة غير في بلدنا إحنا بس، إن نشتري الحاجة بأقل من تمنها، وأخد خدمة بأقل من تمنها، وكمان لما أخلف حد يأكلي عيالي.. ياريت نقدر".. وتابع قائلا: "التموين لن تحط بطاقة تموين تاني لأكثر من فردين في اللي فات، وفي الجديد لأ مفيش.. شكرًا جزيلًا".

 

معدلات الفقر

 

إذا فسيادة الرئيس قرر – وقراره ملزم وواجب للحكومة دون مناقشة– أن يخفض من عدد المستفيدين من بطاقة التموين الحالية مع عدم إصدار أي بطاقة جديدة مستقبلا، وأحب أن أوضح أن بطاقة التموين هذه قررتها الدولة سابقا لمساندة الفقير الذي لا يستطيع أن يعيش دون دعم، حيث كان على الدولة وقتها أن تقرر إما أن تدعم الفقير ماديا فترفع من دخله، أو تدعمه عينيا فتعطيه السلع بسعر مدعم ليستطيع أن يعيش، فاختارت الدولة المسار العيني لأسباب عديدة ليس المقام أوان سردها..

 

 فبطاقة التموين هي سلاح الفقير مع رغيف الخبز المدعم لمواجهة شراسة الحياة، وعندما يقرر سيادة الرئيس إلغاءها أو تقليل عدد المستفيدين منها فلابد أن سيادته تأكد أنه لا يوجد فقير في مصر يحتاجها بالفعل، فهل تأكد سيادته من ذلك؟ هنا أذكر سيادته والحكومة بآخر نشرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي جاء بها أن معدلات الفقر في مصر 29.7% خلال العام المالي 2019-2020، بما يعني وجود ما يقارب من 30 مليون مصري فقراء لا يتعدى دخلهم الشهري 800 جنيه، ومنهم من هو في فقر مدقع بنسبة 5%..

 

فهل تمكنت الحكومة يا سيادة الرئيس من أن تخرج هؤلاء من الفقر إلى إمكانية الإنفاق على مجرد متطلبات العيش لا أكثر؟ بالطبع الإجابة تكون بلا، فلماذا تسحب الحكومة فجأة عكاز الفقير ليسقط أرضا دون أن تعطي له بديلا عنه؟ وهل في أي دولة من دول العالم يحدث ذلك ؟ هل هناك دولة في العالم تترك الفقراء في ضنك ليوجهوا مصيرهم دون أن تتدخل لتنقذهم بقدر الإمكان؟

 

وصحيح يا سيادة الرئيس أنه لا ينبغي أن يأخذ أحد السلعة بأقل من ثمنها أو الخدمة بأقل من تكلفتها، فهذا لا يحدث في دول العالم، ولكن الحقيقة أنه لا يحدث في دول العالم أن المواطن يأخذ الخدمة بأضعاف أضعاف ثمنها، فعلى سبيل المثال الشهادة الطبية التي تقدم للمرور لإستخراج رخصة القيادة كانت تتكلف من المستشفى الحكومي 20 جنيها، صارت الآن إجبارية في المرور وارتفع ثمنها إلى 935 جنيها، فهل هذا يحدث في أي دولة في العالم؟ وهل يحدث في أي دولة في العالم أن تكون علاوة الموظف الاجتماعية 4 جنيهات مصرية لا غير وهي لم تتغير منذ 40 عاما؟

 

بيانات اقتصادية 

 

وقد ذكر سيادة الرئيس أنه في عصر الرئيس حسني مبارك كان يتم إنفاق 30 مليار جنيه في العام الواحد على مدار 30 سنة، بإجمالي 900 مليار جنيه. أما في عهد سيادته فالدولة تنفق في العام الواحد تريليون جنيه أى أن الدولة تنفق في العام الواحد ما أنفقته الدولة المصرية في ثلاثين عاما، لكن من هذا المنطلق وبناحية اقتصادية علينا أن نذكر أنه منذ ثلاثين عاما كان جرام الذهب 21 يساوي 14 جنيها، أما هذا الجرام حاليا فيوازي 789 جنيها، إذا الفارق يزيد على 700 جنيه.. ولو طبقنا ذلك على 30 مليار وقتها لوجدناها تزيد على 2 تريليون جنيه..

 

ودون أن ندافع عن الدولة المصرية وقتها وليس أشخاصا نجدها نجحت في وقتها من تنفيذ 3 مراحل لمترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى وذلك الأمر نقلة ضخمة للنقل في الشرق الأوسط كله، ونجحت الدولة في استصلاح ما يزيد عن 3 ملايين فدان مع فرض السيادة الكاملة على سيناء، والعمل في مشروع ضخم جدا هو إسكان مبارك للشباب وسوزان للشباب ومشروع ابني بيتك الخ، والمشاريع الثقافية، مع بناء مدن جديدة أو استكمالها مثل مدينة العاشر من رمضان، و6 أكتوبر، و15 مايو، وهناك إنجاز لا يغفل وهو الذي بسببه الآن صارت مصر مركزا إقليميا في الغاز ولولاه لما تحقق لمصر ذلك، ولا تمكنت من تحقيق عائدا ماديا ضخما تنفق منه على التنمية، وهو تشييد مركزين لإسالة الغاز مصنع تسييل غاز "إدكو" في محافظة البحيرة وتم افتتاحه في أبريل عام 2006. ومحطة تسييل الغاز في دمياط  وتأسست عام 2000، وبدأ العمل بها في سبتمبر 2003. 

 

 

هذا مع إنشاء شرم الشيخ التي هي المقر الأساسي الآن لمصر لاستقبال التجمعات العالمية، ولا ينبغي إنكار جهد الدولة المصرية وقتها في مجالات البنية التحتية خاصة التليفونات الأرضية والخلوية والصرف الصحي والمياه الخ، فلم تكن الدولة المصرية في 30 عاما متوقفة عن التنمية وإلا ما وجدت مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 ما تبني عليه، ولصارت دولة فاشلة بكافة المقاييس، ولا ينبغي أن نغفل دور من سبقونا رغم ما بهم من أخطاء وخطايا أدت إلى قيام الثورة ضدهم. 

الجريدة الرسمية