رئيس التحرير
عصام كامل

الأسرار الربانية في المملكة الإنسانية

تدور أسرار الله تعالى في مملكة الإنسان بين أربع هي الروح والنفس والعقل والقلب. والجسد وعاء طيني.. الروح نفخة الرحمن في الجسد الطيني وهي مكمن سر الحياة في الإنسان، وبها للإنسان كيان وقيمة وقدر، وبها الإنسان فعال في الأرض وسيد عليها، وهي الممدة للعقل والقلب والنفس، والروح ليس لها أي ارتباط بالعالم المادي. وهي خارجة عن أحكام الزمان والمكان ولا يحدها ولا يهيمن عليها شيء، وللروح غذاء وقوت وهو ذكر الله عز وجل به تسمو وتحلق إلى الملأ الأعلى حيث مصدرها، والروح سجينة الجسد ما دام للإنسان  حياة على الأرض، وليس للروح هيئة ولا كيف ولا وصف، أشار العارفون إليها بكلمة لطيفة لا كثافة لها ولا وزن ولا ثقل، نفخها الله في القلب ومنه يسري سرها إلى العروق والأنسجة والخلايا والأعصاب والجوارح..

 

الروح والقلب

 

والروح هي سر الله فينا فهي نفخته المنسوبة إليه سبحانه يقول عز وجل: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي"، هذا عن الروح، أما عن القلب فهو موضع النفخة ومحل النظر من الله وموضع التجلى الرباني ومحل الإيمان، وهو عقل العقل وهو المكاشف لعالم الملكوت إذا صفى وطهر من العلائق والأغيار وحب الدنيا، وهو مكان ومحل التجليات والإفاضات الربانية، يقول تعالى في الحديث القدسي: "ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن"، أي أن السماوات والأرض لا تسع تجليات الحق سبحانه بأنوار أسمائه وصفاته، وإنما قلب المؤمن مع صغر حجمه إلا أنه هو الذي يسع تجليات الحق عز وجل بما فيها من أنوار وعلوم ومعارف وأسرار وحقائق ورقائق ومعانٍ..

 

والقلب هو تلك المضغة التي أشار إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: "ألا إن في الجسد كله مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"، وصلاح القلب مرتبط بتزكية النفس فإذا ما تزكت النفس وتخلصت من صفتها الأمارة بالسوء وتخلت عن النقائص والرذائل وتحلت بالكمال والمكارم تطهر القلب وصلح، نفهم إذن أن هناك رابطا بين القلب والنفس..

 

هذا بإيجاز عن القلب، أما عن النفس فهي جوهر ذات الإنسان وهي الجامعة للأضداد كلها وهي القابلة للسمو والارتقاء وتجاوز منازل الملائكة، وهي في نفس الوقت وبنفس القدر والقوة القابلة للانحطاط والتدني، يقول سبحانه: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"

 

هذا وللنفس عدة أوصاف كل وصف على حسب ما هي عليه من حال وهي سبع صفات، الأمارة بالسوء واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة التي يمنحها الله عز وجل إذن الدخول في جنة أنسه والمقام في حضرة القرب، حيث قال تعالى: " (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، هذا والنفس البشرية هي أعدى أعداء الإنسان وأخطر عليه من سبعين شيطانًا كما أخبر النبي الكريم بقوله: "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك إنها لأقوى من سبعين شيطانا".

 

 

ولذا جهادها هو الجهاد الأكبر، هذا باختصار عن النفس، أما عن العقل فهو قائد مملكة الإنسان وبه كان تكريم الإنسان وبه يتفاضل الناس، والعقل به يفكر الإنسان ويقيس ويزن الأمور ويزن الأشياء وهو المبتكر والمخترع وهو محل العلوم، والعقل له على النفس تأثير وللنفس تأثير فيه فإذا أثر في النفس استقامت وإذا أثر فيه هوى النفس ضل صاحبه وغوى..

وللعقل وصل بالقلب ففي كلاهما نور مبعثه الروح وهوى النفس له دخنة سوداء حائل بين التقاء نور القلب ونور العقل، وإذا تبخر هوى النفس وزالت دخنته يلتقي النور بالنور عند ذلك يلتقي الأربع في وحدة واحدة وهي الروح والقلب والعقل والنفس، وعند ذلك يتحقق العبد بحقيقة التوحيد ويرتقي من إيمان الإعتقاد إلى إيمان الشهود.. وهذا ما سوف نتحدث عنه في المقال التالي بمشيئة الله تعالى..

الجريدة الرسمية