نيويورك تايمز: الأتراك يبيعون ذهب الأجداد للبقاء على قيد الحياة
تعليقًا على خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمكافحة الدولرة، رصدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية واقع الأسر التركية التي اضطرت إلى بيع "ذهب الأجداد" للعيش.
وذكرت الصحيفة أن قائمة الأشياء التي اضطر بلال، اسم مستعار لعامل في مصنع تركي، وعائلته إلى التخلّي عنها تزداد يومًا بعد يوم. فقد توقفوا عن شراء اللحوم منذ عام، واضطروا مؤخرًا إلى تقليص استخدام الغاز وزيت الطهي والوجبات الخفيفة للأطفال.
بلال وزوجته مثقلان بالديون أصلًا؛ ومع ارتفاع التضخّم بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين، لم يعد بإمكانهما تغطية نفقات العائلة حتى بعد كل تلك التضحيات. لذلك اضطر بلال إلى اللجوء إلى والدته للحصول على مساعدة مالية هذا الشهر، حيث صرف عملتين ذهبيتين كانت قد خصّصتهما لأحفادها.
أسوأ أزمة عملة
ويعاني الاقتصاد التركي من مأزق كبير منذ سنوات حتى الآن. ولكن في الأشهر الثلاثة الماضية، فقدت العملة المحلية حوالي نصف قيمتها مقابل الدولار. ويكافح الأتراك بسبب الزيادات شبه اليومية في أسعار المواد الغذائية من الدقيق وزيت الطهي إلى الضروريات مثل الكهرباء والغاز، واتضح أن رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية لم تعد كافية لشراء الأساسيات.
وقد ظهر الانكماش الأخير في الاقتصاد التركي بعد إعلان أردوغان، الشهر الماضي، خطة اقتصادية جديدة، متعهدًا بإصلاح هذا التدهور. لكن بدلًا من ذلك، أدى هذا الإعلان، بما في ذلك الوعد بخفض أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم، إلى أسوأ أزمة عملة في البلاد منذ عقدين.
وفي خطاب ألقاه الأحد الماضي، انتقد أردوغان قادة الأعمال الذين حذروا من أن سياساته ستزعزع استقرار البلاد وتفقرها، متعهدًا مرة أخرى بخفض أسعار الفائدة. وقال: "لا تبحثوا عن طرق مختلفة لمهاجمة الحكومة. لا يمكنكم الفوز في معركة ضدنا".
وقالت "نيويورك تايمز" إنه "في اليوم التالي، بدا أن أردوغان قد قدّم تنازلات ووعد بتعويض المواطنين الذين احتفظوا بمدخراتهم بالليرة التركية، ومنحهم حافزًا لبيع ما يمتلكونه من الذهب، الذي يساوي مئات المليارات من الدولارات، مقابل الليرة".
"الاقتصاد يرهقني"
العديد من الأتراك مثل والدة بلال، الذين لديهم خبرة في التعامل مع الصعوبات الاقتصادية، لا يزالون يخزنون الذهب في المنزل لإنقاذهم في الأوقات الصعبة.
وأوضح بلال أن "شقته مرهونة، ولديه قرض سيارة. "وحتى عام 2020، كنت قادرًا على سداد ديوني". لكن في الآونة الأخيرة، بدأ الاضطراب الاقتصادي يلقي بظلاله على حياته. وقال: "في الأشهر السبعة إلى الثمانية الماضية، أشعر حقًا أن الاقتصاد يرهقني".
وبلال هو المعيل الوحيد للأسرة. ويتقاضى ما يزيد قليلًا على الحد الأدنى للأجور كسائق رافعة في مصنع لقطع غيار السيارات في منطقة صناعية بالقرب من اسطنبول. أما زوجته فهي ربة منزل، تعتني بطفلهما البالغ من العمر 5 أشهر. عملت في كثير من الأحيان لمساعدة زوجها. لكنها توقّفت عن العمل العام الماضي. وقالت: "إنفاقنا يفوق دخلنا. لا أستطيع حتى التفكير في خطة. أتدبّر أموري يومًا بيوم".
تآكل الثقة
وبدأ العديد من الأتراك في الاعتماد على البطاقات الائتمانية، من بينهم بلال وزوجته. وقالا إن بطاقتهم الائتمانية بلغت الحد الأقصى لدرجة أن البنك أغلق الحساب لمدة ثلاثة أشهر في وقت سابق من هذا العام. سدّد بلال الفواتير من خلال العمل لوقت إضافي، لكنه عاد وغرق بالديون.
ويكسب بلال، مع العمل الإضافي، ما يصل إلى 4 آلاف ليرة في الشهر، أي ما يعادل حوالي 300 دولار. لكن نصف هذا المبلغ يذهب لدفع الرهن العقاري وقرض السيارة، ولفواتير الكهرباء والغاز، التي زادت مرتين في الأشهر الأخيرة. ولكنّه لا يكفي لسداد ديون بطاقته الائتمانية.
وأوضحت زوجته: "نُطفئ الأضواء غير الضرورية، ونطلب من أطفالنا عدم استخدام الكثير من الماء، وبتنا نستخدم كميات أقلّ من زيت الطهي"، مضيفة أنها تتسوّق البقالة عبر الإنترنت لأن أقرب سوق يبعد عن منزلها مسافات، كما تقضي ساعات في المساء في البحث على الانترنت للحصول على صفقات رخيصة.
تفاقم الحالة المزاجية
واشتكت ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات، عندما قلص الوالدين الوجبات الخفيفة للأطفال. وطلبا من أقارب معطفًا شتويًا لابنتهما البالغة من العمر 13 عامًا.
وقال بلال: "بدأنا نرفض طلبات الأطفال بشكل أكبر"، لكنّه أعرب عن حزنه لأن أطفاله يعيشون أوقاتًا صعبة. وقال إن الضغط على الاقتصاد أدى إلى تفاقم الحالة المزاجية على مستوى البلاد.
وأضاف أنه يريد تصديق الحكومة عندما وعدت بأن الأمور ستتحسن، لكنه قلق من أن كل هذه الاضطرابات الاقتصادية ستزعزع استقرار تركيا.
وحذّر من أنه "إذا استمرّت الأمور على هذا النحو، فستعمّ الفوضى".