تجربة نموذجية من دولة صغيرة
أوميكرون أو المتحور الجديد يطل برأسه منذرا بعواقب اقتصادية وخيمة على كافة دول العالم، حيث تصدر يوميا قرارات من عواصم عديدة حول الإجراءات الجديدة التى تؤثر بشكل مباشر على قطاعات اقتصادية مهمة أولها السياحة.. وقد واجهت دول أوروبية عديدة الموجات الثلاث الأولى لكوفيد 19 ودفعت ثمنا باهظا، وأدارت عواصم أخرى ملف كورونا بنجاح كبير، على رأس هذه الدول لاتفيا الدولة الصغيرة ضمن دول بحر البلطيق.
زرت لاتفيا مرتين، واستمتعت بجمالها البكر وشوارعها المدهشة ومدينة ريجا التاريخية التراثية، وأعترف أنها الأكثر بهاء وجمالا ضمن دول العالم كافة التى زرتها فى رحلات سياحية أو رحلات عمل.. أدهشتنى تجربة الشعب اللاتفى فى مواجهة كورونا، حيث اتبعت الحكومة نموذجا ناجحا وشفافا فى مواجهة الوباء منذ ظهوره لأول مرة فى الثانى من مارس ٢٠٢٠م.
المواجهة الجادة للفيروس
واتخذت الحكومة اللاتفية مجموعة من الإجراءات الاحترازية السباقة عن غيرها من الدول، وراعت فى ذلك البعد الاقتصادى، ونشرت أجواء من الطمأنينة بين أجواء المستثمرين وفى أوساط الشعب، فاجتازت الاختبار بمهارة فائقة.
قليلة هى التجارب التى تتوافق فيها الرؤى الشعبية مع الإجراءات الحكومية، وقليلة هى الدول التى عبرت الأزمة بأقل نسبة من الخسائر، وعلى رأسها لاتفيا.
لا شك أن القطاع السياحى تأثر باعتبار السياحة نشاطا إنسانيا عالميا يتأثر بالأوبئة وبالاستقرار، وبقدرات الدول على تقديم منتج سياحى آمن، ومع ذلك كانت الدولة سندا لهذا القطاع فى أزمته.
بعد ظهور الوباء بأحد عشر يوما نفذت الحكومة إغلاقا تاما لكافة المؤسسات التعليمية، وحظرت التجمعات الجماهيرية لمدة شهر كامل، وألغت أكثر من ١٦٠٠ حدث ثقافى ترفيهى.
وأصبح فى لاتفيا فريق عمل حكومى كامل بدءا من وزارة الخارجية التى قامت بتحديث نصائح السفر ودعت المسافرين إلى عدم التوجه إلى مناطق ودول بعينها، كما أوصت بطلب النصح الطبى لكل من شعر بأعراض المرض.. خصصت الحكومة مبالغ مالية إضافية لوزارة الصحة، ووصفت وزيرة الصحة جهود بلادها فى المواجهة بأنها تحصل على ثمانية من عشر درجات.
وأعلنت حالة الطوارئ، وتم تجهيز أعداد كبيرة من أسِرَّة العناية، وأعلنت وزارة التعليم عن بداية التعليم عن بعد لحين إشعار آخر، وقررت الحكومة تخصيص مليار يورو للشركات المتضررة تقدم كأدوات مالية مثل الإجازات الضريبية أو أجور الإجازات المرضية عبر بنك التوم الإنمائى.
وكان وزير الزراعة على خط الأزمة عندما أعلن عن توقعه بعدم تأثر الغذاء فى بلاده، وأنه لا يتوقع نقصا فى هذا المجال، وأن الإنتاج الداخلى يفيض عن احتياجات السكان.
وصل عدد أسرة المستشفيات الجاهزة لاستقبال حالات كورونا إلى حوالى ٤٠٠ سرير، يمكن أن تصل إلى ١٠٠٠ سرير فى حالة الاحتياج الأقصى، وأوقفت المستشفيات العلاجات المُجَدوَلة والعيادات الخارجية، باستثناء العمليات الحرجة.
فى ١٩ مارس من نفس العام قدم الشعب اللاتفى نموذجا تشجيعيا مدهشا عندما تقرر إعلان التاسعة مساء هذا اليوم شهادة فى حق كل من يعملون ليل نهار رغم الوباء، فقرروا التصفيق من نوافذ بيوتهم شكرا للأطباء والضباط والصحفيين والمدرسين والصيادلة والممرضين ومندوبي المبيعات.
وظهر جدل علمى بين الأطباء حول الآثار النفسية والاجتماعية المصاحبة للإجراءات الاحترازية، وكان الاتجاه إلى الاكتفاء بالإجراءات المتخذة دون فرض نماذج أخرى لهذا السبب.. وبعد شهر من الإغلاق تقرر تمديد حالة الطوارئ لمدة شهر آخر حماية للمواطنين، ثم تقرر مده مرة أخرى حتى ٩ يونيو من نفس العام، وبعدها تم التخفيف من الإجراءات الطارئة، مع الاحتفاظ بإجراءات التباعد والالتزام بكمامة الأنف والفم وقصر التجمعات على أعداد قليلة.
عبرت لاتفيا الأزمة بأقل خسائر ممكنة، ونجحت فى إدارة الأزمة وفق مناهج من الشفافية والمواجهة الجادة دون تفريط أو إهمال.