رئيس التحرير
عصام كامل

الطلاق فى المسيحية.. أزمة كل العصور الإنجيلية والأرثوذكسية يبيحان بشروط.. والكاثوليكية تغلق الباب تماما

الطلاق - صورة تعبيرية
الطلاق - صورة تعبيرية

«ما جمعه الله لا يفرقه إنسان».. قاعدة دينية رسمت الخط العريض لمسألة الزواج فى الكنيسة باعتباره أحد الأسرار المقدسة، ومن ثم باتت العلاقة الزوجية مطلقة، لا فراق فيها إلا لعلة «الزنا»، بحسب تعاليم الكتاب المقدس.

وكثيرا ما بحثت الكنيسة بطوائفها المختلفة عن مخرج من الأزمة، خاصة مع تعدد الأسباب التى يستحيل أو يصعب معها الاستمرار فى العلاقة الزوجية، حتى أن هناك محاولات لإيجاد أسباب للطلاق بخلاف «الزنا» بحسب قانون الكتاب المقدس.

وتعتبر قضية الطلاق فى المسيحية أحد أكثر القضايا التى تؤرق الكنائس المصرية، خاصة أن الأحوال الشخصية تخضع للائحة بديلا 1938 المعمول بها فى المحاكم المصرية.

مشكلة كل العصور

ويقول كريم كمال الكاتب والباحث فى الشأن السياسى والقبطى، إن مشكلة الطلاق فى المسيحية هى أحد أكبر المشكلات التى لم يتم الوصول لحل نهائى لها على مدى ٢٠٠٠ عام منذ نشأة المسيحية وحتى الآن، والسبب فى ذلك يرجع إلى وجود العديد من الآيات فى الكتاب المقدس تحرم الطلاق إلا لعلة الزنا، ولذلك نجد أن معايير الطلاق اختلفت من عهد إلى آخر منذ تأسيس الكنيسة وحتى الآن، وأيضا تختلف من طائفة إلى أخرى.

وأضاف «كمال» فى تصريحات لـ«فيتو»، أنه على سبيل المثال الكنيسة الكاثوليكية تحرم الطلاق بشكل كامل ولكنها فى العصر الحديث توسعت فى معايير بطلان الزواج بشكل كبير، أما بالنسبة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ففى العصر الحديث كانت هناك محاولة من المجلس الملى بإصدار لائحة تتوسع فى أسباب الطلاق وبطلان الزواج، وعرفت باسم لائحة عام ١٩٣٨م، وقد رفض المجمع المقدس برئاسة البابا يؤانس التاسع عشر البطريرك الـ١١٣ اللائحة ومنع العمل بها وهو نفس الرفض الذى تكرر فى عهد البابا مكاريوس البطريرك الـ١١٣ والبابا يوساب الثانى البطريرك الـ١١٥ والبابا كيرلس السادس البطريرك الـ١١٦ والبابا شنودة الثالث البطريرك الـ١١٧.

وأوضح أنه فى عهد قداسة البابا شنودة الثالث إنشاء المجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية برئاسة أب أسقف مع وجود فروع فى كل محافظة، وتم من خلال هذه المجالس حل العديد من الحالات بما يتوافق مع الإنجيل والشريعة المسيحية وعمل قداسته على إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية، وقد وقع عليه بالفعل كل رؤساء الطوائف المسيحية فى مصر فى ذلك الوقت، ولكن مشروع القانون لم يخرج للنور رغم تقديمه للدولة ممثلة فى الحكومة ومجلس الشعب.

وأضاف «كمال» أنه مع تولى قداسة البابا تواضروس الثانى المسئولية كانت هناك حاجة لقانون جديد ولوائح جديدة نظرا لازدياد الأعداد فقسم قداسته المجلس الإكليريكى إلى عدد من المجالس، وكل مجلس برئاسة أسقف وحدد وقت معين لدراسة كل حالة وأيضا تقدم قداسته بمشروع جديد للأحوال الشخصية، ومنتظر الآن مناقشة القانون فى مجلس النواب فى القريب.

وأشار «كمال» إلى أن هناك الآلاف من الحالات العالقة، ويجب وضع حل لها بما يتوافق مع شريعة الكنيسة؛ لأن فى هذا الزمان أصبحت هناك أمور مستحدثة يجب الأخذ بها مثل الزنا الإلكترونى، وأيضا إذا هجر طرف الطرف الآخر فما ذنب هذا الطرف، وهل يعيش راهب باقى حياته، وهو أمر غير معقول، ولا يتوافق مع العدل والرحمة، وهم أساس الديانة المسيحية.

وأوضح «كمال»: يجب أن تتحمل الكنائس المختلفة وقادتها مسئوليتهم أمام الله، وإيجاد حلول عادلة للحالات التى تتجاوز مئات الآلاف بما يتوافق مع الإنجيل والشريعة المسيحية مع عدم الإخلال بحق هذه الحالات فى الحياة وأيضا يجب أن لا تتجوز حل الموضوع لأى حالة أكثر من عام واحد فقط، مضيفا: «أتمنى أن يراعى القانون الجديد ذلك لأن الرحمة والعدل من أهم المبادئ تقوم عليها الديانة المسيحية مستندة إلى تعاليم السيد المسيح والإنجيل المقدس».

آراء الكنائس

وتختلف قضية الطلاق من كنيسة إلى أخرى، ففى الأرثوذكسية والإنجيلية، يسمح الطلاق لأسباب محددة، هما «الزنا وتغيير الدين»، أما فى الكاثوليكية، فلا طلاق إطلاقا، لكن يوجد ما يعرف بـ«الانفصال الجسدى».

وتعقدت قضية الطلاق كثيرا، حين أقر البابا شنودة الثالث فى عام 2008، تعديلات على لائحة الأحوال الشخصية للكنيسة تمنع طلاق الأقباط نهائيا إلا فى حالتين، هما ارتكاب فعل الزنا وإثبات ذلك، والحالة الثانية هى تغيير الدين أو الملة.

وكانت الكنيسة تعتمد لائحة تسمى بلائحة عام 1938 وفيها سبعة أسباب للطلاق، التعدى بالضرب واستحالة العشرة، إساءة السلوك والانغماس فى الرذيلة، واستحكام النفور، وترهبن أحد الزوجين، والغيبة، وتغيير الدين، والسجن والمرض المعدى والجنون، ثم جاءت لائحة 2008 وقصرت الوضع على الزنا وتغيير الدين فقط.

وبعد التعديلات التى أدخلها البابا شنودة، وساهمت فى تضييق الباب أمام الراغبين فى الطلاق، وبدأ المتضررون فى الاحتجاج وتنظيم المظاهرات وتشكيل ائتلافات للمطالبة بمنحهم الحق فى الطلاق، ولم تحل تلك القضية إلا عام 2016 حين أقر المجمع المقدس للكنيسة لائحة أحوال شخصية جديدة.

لائحة الأحوال الشخصية الجديدة وسَّعت أسباب الطلاق لدى الأرثوذكس، بعدما كانت مقتصرة على «علة الزنا» طوال السنوات العشر الماضية، واعتبرت الهجر لمدة خمس سنوات سببا للزنا المؤدى للطلاق، كذلك شرعت أسبابا لفسخ الزيجة من بينها الإصابة بالأمراض أو الإلحاد أو الجنون وهى الأسباب التى لم تكن مشمولة من قبل، وهى اللائحة التى بدأ تطبيقها فى المجالس الإكليريكية داخل الكنيسة القبطية دون أن يتم الإعلان عن ذلك رسميا.

المستشار يوسف طلعت، المستشار القانونى لرئاسة الطائفة الإنجيلية بمصر، قال إن الطلاق من الموضوعات المهمة والحيوية بالنسبة للكنيسة، خاصة لارتباط الطلاق بنصوص فى الكتاب المقدس، مثل «أن لا طلاق إلا لعلة الزنا»، وأن «لكل رجل امرأة واحدة»، وغير ذلك من نصوص.

وأشار «طلعت» فى تصريحات لـ«فيتو»، إلى أن «الطلاق» من القضايا الحساسة جدا بالنسبة للكنيسة المصرية، وهو ما يعكس التطور الذى شهدته النصوص المتعلقة بالطلاق منذ أيام «لائحة 38»، وتعديلاتها، ثم لائحة 56، ولائحة الطائفة الإنجيلية وما إلى ذلك من لوائح.

وأوضح أن قضية الطلاق تطورت بتطور الظروف والأوضاع، إلى أن وصلت إلى تعديل جوهرى جعل من الطلاق موضوع مثار على الساحة، وهو تطبيق المادة الثالثة من قانون 1 لسنة 2000، الخاص بـ«الخلع»، والتى تنص على «أنه فى حالة اختلاف الملة بين الرجل والمرأة تطبق الشريعة الإسلامية»، وفى هذه الحالة يحدث الطلاق بالإرادة المنفردة، وهو ما يختلف مع فكر الكنيسة.

وأكد «طلعت» على أن «تغيير الملة» فتح الباب أمام ضعاف النفوس الباحثين عن ثغرات فى القانون، ليحدث نوع من عدم الانضباط، كما ساهم فى انتشار شهادات تغيير الملة «المزورة»، أو التى تصدر بمقابل مادى، دون الانتقال فعليا إلى الطائفة الأخرى، واعتناق إيمانها ومبادئها، وهو ما جعل أيضا جمعيات أهلية ومحامين يصدرون شهادات «مضروبة»، وهو ما ترتب عليه وجود العديد من القضايا أمام المحاكم، بسبب تزوير الشهادات والأختام.

اتحاد الملة

ويعد اتحاد الملة أو الطائفة بين الزوجين شرطا أساسيا لإتمام الكنيسة للزيجة، ومن ثم فإن تغيير طائفة الزوج أو الزوجة يجعل الزيجة كأن لم تكن، وتصبح باطلة، ومن ثم يقع الطلاق، وهو الأمر الذى لجأ له متضررو الأحوال الشخصية طوال السنوات الماضية للوصول إلى الطلاق.

وأوضح «طلعت»، أن لائحة الطائفة الإنجيلية لا تعترف إلا بالنص الصريح للكتاب المقدس، وهو «لا طلاق إلا لعلة الزنا»، وما زالت متمسكة به، رغم التعديلات التى جرت على القانون الحالى، أما «الأرثوذكسية»، مرت اللائحة بها بالعديد من المراحل منذ «لائحة 38»، والتى كانت لا تسمح بالطلاق إلا لسببين هما «الزنا وتغيير الدين»، وأضيف بعد ذلك سببا آخر وهو «الزنا الحكمي»، أما الكاثوليكيين، فما زالوا متمسكين بنص الكتاب المقدس وهو «ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان»، لكن يوجد لديهم ما يعرف بـ«الانفصال الجسدي»، وهو الابتعاد بينهما بسبب الخلافات التى يستحيل العيش معها، لكن الزواج الرسمى يظل قائما.

وشدد «طلعت» على أن جميع الكنائس تحترم أحكام المحكمة، ولا خلاف في ذلك، وجميعها تعترف بأحكام الطلاق، ولكن المشكلة تكمن فى تصريح «الزواج الثاني»، لتمسك الكنيسة بحقها فى رفض أو قبول منح التصريح وفق نصوص الكتاب المقدس وعقيدتها.

وتصريح الزواج الثانى، يعنى أنه لا يحق للمسيحى المطلق الزواج مرة أخرى، دون أن تمنحه الكنيسة تصريحا للزواج مرة أخرى، إذ إن شئون الزواج والطلاق فى يد الكنيسة، وهى التى تمتلك محاضر التوثيق، وتلعب دور موثقى الزواج فى الشهر العقارى، فلا يمكن الزواج مرة أخرى دون موافقتها.

وأضاف المستشار القانونى لرئاسة الطائفة الإنجيلية أنه يجرى حاليا إعداد القانون الجديد للأحوال الشخصية، وتوجد حلول لبعض المشكلات، مشيرا إلى وجود تعديل جوهرى هو إلغاء سبب تغيير الملة كأحد أسباب الطلاق فى المسيحية، خاصة أنه تحول لتجارة وتسبب فى حدوث مشكلات كثير وعديدة للأشخاص، مع إجراء تعديلات قانونية بما لا يتعارض مع النصوص الكتابية.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية