التعايش مع كورونا.. علماء يرسمون صورة لمستقبل البشر مع الفيروس
يؤثر فيروس كوفيد -19 على حاضر العالم بشكل جوهري، إذ أدى إلى تغير السلوكيات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية لأكثر من سبعة مليارات نسمة.
ومثلما أثر على الحاضر، يبدو كوفيد -19 مؤثرا على المستقبل كذلك، إذ أن العلماء يتوقعون أن يبقى الفيروس موجودا بشكل "متوطن"، فيما ستستمر تأثيرات تداعياته الاقتصادية والاجتماعية لسنوات طويلة مقبلة.
مستقبل الفيروس
بالإضافة إلى أربع فيروسات تاجية أخرى، يمثل Covid – 19 الحلقة الخامسة من الفيروسات "المتوطنة" التي يبدو أن على البشر تعلم التعايش معها إلى الأبد، بحسب عدد من العلماء آخرهم عالم الأحياء التطوري، جيسي بلوم، الباحث في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في ولاية واشنطن الأميركية.
خارطة طريق
ونقل موقع Nature العلمي المتخصص نتائج دراسة لبلوم، حاول فيها أن يوفر "خارطة طريق" لمستقبل الفيروس والبشرية، بالاستناد إلى دراسة "زملائه" من الفيروسات التاجية الأخرى.
ودرس بلوم، بحسب موقع نيتشر، الطريقة التي تفاعل بها البشر والفيروسات طوال عقود، من خلال دراسة فيروس تاجي يسمى 229E ويسبب نزلات برد خفيفة نسبيا لدى المصابين به.
المناعة البشرية
وتقول الدراسة إن هذا الفيروس يصيب الناس بشكل متكرر طوال حياتهم منذ عقود، لكن نسخ الفيروس تقاوم المناعة البشرية بتحوير نفسها "مما يشير إلى أن الفيروس يتطور للتهرب من المناعة".
ومؤخرا، وجدت دراسة جديدة أن متحور أوميكرون من فيروس كورونا المستجد قد يكون اختلط بمادة وراثية من فيروس آخر يسبب البرد الموسمي المعتاد، ما قد يفسر سرعة انتشاره مقارنة بالمتحورات الأخرى، ويفسر أيضا أنه لا يصيب البشر بأعراض خطيرة، وفق ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست".
سلالة أوميكرون
وحلل باحثون من "نفرنس" وهي شركة مقرها كامبريدج، ماساتشوستس، بيانات التسلل الجيني لسلالة أوميكرون، حيث عثروا على أجزاء من الشفرة الوراثية في المتغير الجديد لفيروس آخر يسبب الزكام.
وتوصل بلوم إلى هذه النتيجة بعد دراسة المضادات المناعية الموجودة في دماء المصابين في الفيروس منذ 1980 وحتى اليوم.
ويقول إن "الناس لديهم مناعة ضد الفيروسات من الماضي القريب، ولكن ليس ضد تلك الموجودة في المستقبل"، ويضيف "الآن بعد أن كان لدينا ما يقرب من عامين لنرى كيف يتطور فيروس كوفيد أعتقد أن هناك أوجه تشابه واضحة مع 229E".
وتحمل متغيرات مثل أوميكرون ودلتا طفرات تحد من قوة الأجسام المضادة التي تحارب "نسخ" الفيروس، مما يعني أن الفيروس يسابق المناعة التي يحصل عليها البشر سواء من خلال العدوى أو التطعيم، بتحوير نفسه "لتفادي الحصانة البشرية".
ويقول الموقع إن كيفية تطور فيروس كوفيد خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة ستحدد شكل النهاية لقصة هذا الفيروس، سواء تحول الفيروس إلى مسبب لنزلات البرد الخفيفة، أو إلى التسبب بأعراض أكثر خطورة.
جرع التطعيم العالمية
وينقل عن الدراسة "أعطت جرع التطعيم العالمية التي قدمت ما يقرب من 8 مليارات جرعة دفعة لتغيير المشهد التطوري، وليس من الواضح كيف سيواجه الفيروس هذا التحدي"، مضيفة "وفي الوقت نفسه، ومع رفع بعض البلدان القيود المفروضة على مكافحة الانتشار الفيروسي، تزداد الفرص أمام الفيروس لتحقيق قفزات تطورية كبيرة".
ويبحث العلماء الذين يتتبعون تطور كوفيد عن فئتين واسعتين من التغييرات فى الفيروس، واحد منها يجعلها معدية أكثر، والآخر يمكنه من التغلب على الاستجابة المناعية للمضيف.
انتشرت المتغيرات الثلاثة في جميع أنحاء العالم، ولا سيما ألفا، والتي أشعلت موجات جديدة من COVID-19 عندما أصبحت تهيمن في أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط وخارجها (انظر
ويقول، تريفور بيدفورد، عالم الأحياء التطوري، إن الفيروس يجب أن يوازن بين قدرته على التكاثر بمستويات عالية في الشعب الهوائية للإنسان، والحفاظ على صحة المصاب بقدر يكفي لإصابة مضيفين جدد.
ويضيف "الفيروس لا يريد أن يضع شخصا ما في السرير ويجعله مريضا لدرجة منعه من أن يقابل أناسا آخرين".
ويقول بيدفورد "إحدى طرق الفيروس للوصول إلى هذه النتيجة هو النمو لمستويات أقل داخل الشعب الهوائية، لكن بزيادة مدة الإصابة".
وإذا تطور الفيروس بهذه الطريقة، فقد يصبح أقل حدة، لكن، بحسب بيدفورد "لا توجد ضمانات أكيدة".
وأثارت وثيقة أعدتها مجموعة استشارية علمية حكومية بريطانية في يوليو الجدل بشأن إمكانية أن يصبح كوفيد-19 أكثر حدة أو قابلية على التطور إلى فيروس تاجي مختلف بشكل كبير، من خلال إصابة حيوانات مثل فأر المنك أو غزال الذيل الأبيض.
كما إن موجة فعالة جدا من التطعيم، بحسب الموقع، يمكن أن تحد قابليات الفيروس للتحور، وربما تمحوه تماما.
مستقبل الاقتصاد
نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن، ريان كالو، المدير المؤسس لمختبر سياسة التكنولوجيا بجامعة واشنطن قوله إن " الوباء كشف عن هشاشة البنية التحتية الأميركية، بما في ذلك بنية التكنولوجيا".
وبحسب كالو، فإن "عليك أن تعالج المشاكل، وليس الآنية فحسب، ولكن تلك المتوقع حدوثها خلال العشر السنوات المقبلة أو نحو ذلك".
حتى الآن، خصصت الحكومة الفيدرالية 4.52 تريليون دولار استجابة لـ Covid-19 – وهو رقهم هائل يتجاوز الميزانية الفيدرالية لعام 2019 بأكملها.
تم تخصيص أكثر من تريليون دولار من المساعدات المباشرة للأميركيين المحتاجين اقتصاديًا، بما في ذلك 464 مليار دولار لإعانات البطالة الإضافية و695 مليار دولار لحزم التحفيز، كما خصصت ما يقرب من 428 مليار دولار لبرامج لمساعدة الشركات الصغيرة.
كل هذه الأموال التي دخلت في الدورة الاقتصادية، حفزت تغييرات جوهرية في الاقتصاد الأميركي، بحسب الصحيفة.
وتم منح نحو 600 مليار أخرى لتحسين الرعاية الطبية والبحوث الطبية، وخاصة تلك المتعلقة بالفيروسات، بالإضافة إلى خطة طموحة للبنية التحتية بأكثر من ترليون دولار، وقعها الرئيس بايدن مؤخرا.
كل هذه الأموال الهائلة سيكون لها تأثيرات -إيجابية على الأغلب – بحسب الصحيفة على الاقتصاد الأمريكي، والاقتصاد العالمي الذي خصصت دوله مبالغا متفاوتة هي الأخرى لتحسين اقتصاداتها وبناها التحتية وخططها الطبية بعد الفيروس.
وأدت المشاكل في قطاع التوريدات، وسلاسل الشحن والمنتجات، إلى دفع دول مثل الولايات المتحدة للتفكير جديا بزيادة الاعتماد على نفسها في قطاع التكنولوجيا، بدلا من الاعتماد على الاستيراد من دول أخرى.
سياسات العمل والمجتمع
ومثلما غير كورونا سياسات الدول، غير أيضا في سياسات الشركات التي تلجأ بشكل أكبر إلى التوظيف عن بعد، مما يطرح مشاكل بشأن خصوصية الموظفين وأوقات العمل والفصل بين العمل والحياة الخاصة.
والاثنين، أثار قيام أحد الشركات بفصل 900 من موظفيها باجتماع عبر تطبيق Zoom الكثير من الجدل.
وقال موقع Business Insider الأميركي إن الرئيس التنفيذي لشركة Better العقارية قام بفصل مئات الموظفين بمكالمة جماعية، مما أثار الكثير من الامتعاض، خاصة أن الفصل كان عبر تطبيق إلكتروني، وجاء قبل فترة قليلة من موسم الأعياد.
وبعد الإعلان عن الفصل، سربت رسائل بريد إلكتروني من الشركة تتحدث عن امتعاض المدير، فيشال جارج، من "سرقة" نحو 250 موظفا لوقت الشركة من خلال العمل ساعتين فقط في اليوم.
ويعمل الكثير من هؤلاء الموظفين عن بعد.
قال الموقع إن بيانات عمل الموظفين تم جمعها من خلال مراجعة سجلات هواتفهم وحواسبهم التي يستخدمونها، لكن الكثير منهم اعترض بقوله إن الكثير من العمل تمت تأديته بعيدا عن الحواسيب والهواتف.
ويجعل مثل هذا التحدي ضرورة لتشريع قوانين عمل تتماشى مع التحديات الجديدة التي يفرضها كورونا.
وبالإضافة إلى هذا، دفع الفيروس الكثير من الناس لتغيير طريقة احتفالاتهم وتواصلهم مع الناس الآخرين.
ودفع المتغير الجديد وزيادة الحالات دول أوروبية عدة لإعادة فرض القيود الصارمة لمكافحة تفشي الوباء، قبل أسابيع من أعياد الميلاد وسط مخاوف من شتاء أكثر صعوبة تغرق فيها المستشفيات بحالات كوفيد.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين بشأن تأثير متحور أوميكرون على مسار الوباء، إلا أن دولا أوروبية تتجه لفرض قيود أكثر صرامة خلال احتفالات أعياد الميلاد، بعد أن باتت القارة بؤرة تفشي الفيروس التاجي خلال الأسابيع الأخيرة، وفقا للصحيفة الأمريكية.
ومع ذلك، كانت بعض الحكومات الأوروبية مترددة في فرض قيود محلية شاملة جديدة قبل فترة ذروة السفر والتجمعات الكبيرة، لا سيما وأن أوروبا فرضت إغلاقا شاملا في ذات الوقت من العام الماضي. ولجأت كثير من دول أوروبا إلى تقييد السفر وطلب مزيد من الفحوصات على المسافرين القادمين إليها.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن هذا التغير "قد يستمر إلى الأبد، أو إلى فترة طويلة للغاية".