صائدو الذباب
من الصعب نسبة بعض البشر، في الإعلام، إلى فعل تافه اسمه اصطياد الذباب، لأن مطاردة ذبابة يمكن أن تتم برشة قاتلة من بخاخ، أو لطمة ساحقة بمضرب بلاستيك، وليس عقيرة ومايك مذيع!
المفزع ليس النزول إلي الحفر وإلى العفن في قاع المجتمع، بل المخيف أن القائم بالإعلام، في برامج توك شوز..shoes، يتكلمون باسم أكبر.. اسم أرقى.. اسم أنقى وأعظم من أن يتلفظوا كاذبين أو مزايدين بأنهم يدافعون عن اسم مصر وسمعتها وشرفها. حين هبطت إلى الحضيض مخاطبا الدود والجرذان، فقد رخصت نفسك، وكل ما تنطق به غثاء.
مهمة الإعلام
في الآونة الأخيرة، فتح إعلاميون مواسير حناجرهم، لمساءلة ما يطلق عليهم- أقول ما وليس من- مهرجو المهرجانات، ويجرى الحوار بين هابط.. وهابط.. وقضية هابطة.
المحتوى ذاته لا يجوز طرحه، لا باسم مصر ولا باسم الترند.. ولا باسم المحطة. مهمتك كإعلامي ألا تلقي بنا معك في غرزة من السافلين. نزلت إليها بدعوى إضاءة حياتنا وتنويرنا وتعريفنا بكائنات هي علامة انحدار في تاريخ الغناء المصرى.
هم يقدمون الغثاء، وجمهورهم هم صنعوه.. لم يرتقوا به، ولا يستطيعون، لأنهم يخاطبون الأسافل.. الكلمات سافلة، والأداء سافل.. والظرف المحبط المحيط يغرى بالإبر الغنائية التى يضربها هؤلاء المنحطون فنيا في جسد المجتمع. أمثال هؤلاء لا يجوز معهم إلا الحظر التام والتجاهل التام.. والغلق التام.
التداول توسيع لدوائر الإصابة. دعه يجف. دعه يذوي. دعه يسقط كورقة من أوراق الخريف. حين تجادلهم وتفسح لهم، فتحت مجالا للمظلومية. ناس تتعاطف معهم وتكرهك. ناس تكرههم وترفضك لأنك فتحت لهم مجال التبرير والتمرير.
ليست مهمة الإعلام استضافة ذئب عقر آدميا مسالما. هات المعقور يحكي ويشرح ويتعظ الناس ويأخذون حذرهم لكن لا تأت بالذئب. سيعقرك وسيبكي! أين النجوم الساطعة من العلماء، وكبار الفنانين، أين أساتذة الجامعات.. أين القدوة. ما لنا نحن ومهرج يجعر متغنيا بالمخدرات والحليب والتمور.. مالنا وهذه البثور التى ضربت الجسد كالصدفية.
هنالك حد فاصل شفيف بين ما يقبله العقل وتستسيغه الفطرة السوية، وبين غمزات ولمزات النفوس المتهافتة، سيقت إلي الشاشات بفعل رؤية قاصرة، غائبة، أو مغيبة، فظنت أنها موهوبة وهى معطوبة، تجرأت على قلب قيم المجتمع باستضافة الهوام.. ومناقشتهم كأنهم رموز الفكر والفن.. أو حتى مساءلتهم في بضاعة هي الحشيش!
كل تافه، أو تافهة، او خفيف العقل، بات يجد نفسه محور الكون علي شاشات في الإعلام المصرى. ليسوا مذنبين بقدر ذنب المضيف. أرأيت عقلا راجحا، عالما، مثقفا، يحاور جحشا يغني؟ تلك هي المصيبة الجارية.