رئيس التحرير
عصام كامل

«المصرى» جورج إسحق

فيتو

"عم الشباب".. تجاوز العقد السابع من عمره، ولم يزده ذلك إلا هيبة ووقارا، شعره الأبيض تعبير عن "قديس" مترفع عن الصغائر، تزيده الأيام شبابا فلا يترك محفلا لهم إلا وتجده في الصفوف الأولي، يجيد لغة الشباب، ويؤكد دائما أنهم المستقبل وهذا ليس غريبا على مربي أجيال، فهو أستاذ للتاريخ ومدير لعدة مدارس خاصة، وكونه "قبطيا" لم يمنعه قبل الثورة من الدفاع عن حق الإخوان المسلمين في ممارسة السياسة، وبعد الثورة وقف في مظاهرة تدافع عن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ضد الهجوم الشرس عليه من جانب الجماعة بسبب تسمم طلاب المدينة الجامعية.

"جورج إسحق" ليس ممن أصبحوا نجوما ومناضلين بعد ثورة 25 يناير، فاستحق أن يكون كما قال عنه الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور "سيبقي رمزا للوطنية"، فقد تربي على النضال منذ ولادته بالمدينة الباسلة "بورسعيد" عام 1938، وكان ساعدا للفدائيين في مقاومة الاحتلال، وأحد أشهر مقاومى العدوان الثلاثي، وهذه التربية الفدائية كانت كفيلة لبلورة شخصية سياسية دفعته للانضمام لحزب العمل 1969.
حبه لوطنه وشجاعته ترجمتها مواقف كثيرة وبطولات بدأت منذ عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، في وقت كان الجميع يخشي أن يتحدث، واستمر حتى الآن محاربا لظلم واعتداء النظام الإخوانى.

" كفاية".. تعتبر محطة تغيير في اسم "إسحق"، فمنذ تأسيس الحركة عام 2004 التي كان أول منسق لها، رفع مجموعة من المثقفين والسياسيين من كافة الأفراد شعار "كفاية" في وجه النظام السابق وطافوا بها الشوارع مطالبين في وثيقة تأسيسية بتغيير سياسي حقيقى في البلاد، وإنهاء الظلم بكافة أشكاله، وكان "إسحق" في الصفوف الأولى لمظاهرات الحركة التي أحدثت بشكل غير عادى رواجا سياسيا في الشارع المصرى، مرددا شعار "كفاية 24 سنة مبارك"، ليحول مناهضة التوريث للعلن في المظاهرات لأول مرة، فتحملوا في مقابل ذلك الضرب والاعتقال والإهانات لإخراج الشعب المصري عن صمته، وتنجح فعلا في أن تتحول من حركة "نخبوية" تضم مجموعة من المثقفين إلى حركة في أغلب محافظات الجمهورية تضم عشرات الآلاف من المؤيدين لها، ليكون أيضا في أوائل من دفع ثمن لكلمة "كفاية" بالاعتقال للمرة الأولى في حياته.

ولأنه دائما ينادي بمبدأ تداول السلطة، كان "إسحق" أول من طبقه على نفسه داخل حركة "كفاية"، حينما رشح الدكتور عبدالوهاب المسيري منسقا عاما للحركة خلفا له.

وفتحت "كفاية" الباب أمام الجميع لتأسيس الحركات السياسية، منها حركة 6 إبريل، والتي شاركها "إسحق" نشاطها من البداية حينما دعت للإضراب عام 2008 لينتهى باعتقاله، في تجربة قال عنها "سيئة للغاية وغير إنسانية"، تحدث عنها قائلا: فوجئت بمن يطرق باب بيتي قرابة السادسة والنصف مساء طرقا عنيفا، مما أثار فزعي خاصة أني كنت نائما، وعندما فتحت الباب رأيت مجموعة كبيرة من رجال أمن الدولة يطالبونني بعدم التحرك من مكاني وبدأوا في تفتيش بيتي وأخذ أوراق من مكتبي، دون إذن تفتيش، كما أنهم رفضوا أن أدخل إلى غرفة نومي لتغيير ملابسي إلا مع أحدهم، وكأني إرهابي أو سفاح يخشون من خطره، وبعد نصف ساعة من التفتيش في أرجاء البيت اصطحبوني معهم في سيارة ملاكي، وسط ذهول مني وانزعاج، لأن أحدا من أسرتي لا يعرف وجهتي"، ووجهت لى مجموعة من التهم وهى التحريض على التخريب والحرق والسرقة وتعطيل المرور والاعتداء على رجال الأمن.

وكانت "الجمعية الوطنية للتغيير".. نوعا من تطوير النشاط السياسي وتوسيعه لـ"إسحق"، فحينما بدأ يعلو صوت الدكتور محمد البرادعى نهاية 2009 بالحديث عن ضرورة التغيير في مصر، وأن المشكلة في النظام وعلى رأسه "مبارك"، أصبح "البرادعي" رمزا لكل النشطاء في مصر وكان في مقدمتهم "إسحق"، فاستقبلوه في المطار حينما قرر العودة للبلاد عام 2010، معلنين تأسيس "الجمعية الوطنية للتغيير"، لتجمع كل الأصوات المطالبة بالتغيير في مصر من مختلف التيارات بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، والتفوا جميعا خلف الدكتور "البرادعي" وبدأوا في جمع التوقيعات المطالبة بالتغيير، تحمل خلالها كل من شارك المجموعة الإهانات والاضطهاد من رموز النظام السابق وكان منهم "إسحق".

" ثورة يناير".. جاءت دعوات النزول للتظاهر يوم 25 يناير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون "جورج اسحق" من أوائل الملبين للنداء، متقدما المسيرات، هاتفا "عيش- حرية- عدالة اجتماعية"، دون أن يمنعه بطش عصا جنود الأمن المركزى من أن يكمل الـ18 يوما بجوار الشباب حتى تنحي الرئيس السابق.

وبعد نجاح الثورة وتولى المجلس العسكري، بدأ "إسحق" مرحلة مختلفة في حياته وهى عضويته للمجلس القومى لحقوق الإنسان، رصد فيها انتهاكات "العسكري" وطالب بحقوق الشهداء، وقال "لا" لاستفتاء مارس الذي أجراه المجلس العسكري، وأطلق لحيته في تلك الفترة ضد محاولات تحويل البلاد لدولة "دينية"، كتعبير عن عدم وجود اختلاف بين المصريين طالما تظلهم سماء هذه الدولة.

ثم خاض "إسحق" انتخابات مجلس الشعب الماضية في محافظته بـ"بورسعيد" ضد القيادي الإخواني أكرم الشاعر، وخسر الانتخابات في معركة "ضارية" حسمت لصالح القيادي الإخواني بدعاية "الزيت والسكر"، ليكتب عنه الدكتور محمد البرادعي على حسابه على "تويتر" تعليقا على خسارته للانتخابات "ستبقي دائما رمزا للشجاعة والوطنية وإنكار الذات والثورة مدينة لك بالكثير".

وحينما انتهت أول انتخابات رئاسية حقيقية في مصر إلى جولة إعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق أعلن "إسحق" أنه لن يعطي أيا منهما ومقاطعة الانتخابات، لأنه لن يعطي صوته لإعادة نظام شارك في إسقاطه، ولن يصوت للإخوان.

وكعادته في الوقوف بجوار الشباب ودعمهم كان أول من لبي نداء "تمرد" داعيا للنزول في مظاهرات 30 يونيو، ومطالبا الرئيس مرسي بالتنازل عن الحكم حقنا للدماء وحفظا لكرامة منصب رئيس الجمهورية الذي أكد أنه "أُهين في فترة مرسي".
الجريدة الرسمية