رئيس التحرير
عصام كامل

«البوب» الدكتور محمد البرادعى

فيتو

"يا عم ده عميل بتاع أمريكا.. يا مولانا أمريكا باعته الراجل ده عشان ينشر الانحلال والفسق والفجور.. عاوز يطبق اللى شافه فى أمريكا.. ده أخد نوبل عشان خلى العراق خرااااابة".. " البرادعى ده البوب.. حلم الثورة اتولد على إيديه.. لو واحد مكانه كان اختار أهدى مكان فى العالم وكمل حياته هناك.. أمريكا عاقبته لأنه رفض يقول إن فيه نووى فى العراق".


السيناريو السابق لا تمر ساعات قليلة إلا ويتداوله المصريون فيما بينهم، فدم الدكتور محمد البرادعى مؤسس حزب الدستور وأحد أبرز قيادات ورموز الثورة المصرية وجبهة الإنقاذ الوطنى تفرق بين القبائل، البعض يتعامل معه كونه "عميل" جاء لمصر مصطحبا معه أجندة أمريكية خالصة لتدمير المجتمع المصرى تحت غطاء الثورة، والغالبية تتعامل معه كونه "مفجر الثورة" ضد نظام الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وما بين الرأى الأول والثانى لا تزال سيرة ومسيرة الــــ"بوب" –كما يناديه شباب الثورة- مصدرا ثريا للنقاش الثورى.

لا تستمع لـــ"البرادعى" لكن حاول أن تفهمه من نظراته.. غضبه الدبلوماسى، طرحه ورؤيته السياسية التى تثبت دائما أنه يمتلك عقلا سياسيا قلما يتواجد شبيه له فى الوسط السياسى المصرى، يرفع شعار "اختلف معك فى الرأى.. لكنى مستعد للتضحية بحياتى دفاعا عن رأيك".

مسيرة "البرادعى" والثورة ممتدة منذ سنوات حكم الرئيس السابق حتى الرئيس الحالى، حاول أن يبعث لــــ"مبارك" برسالة مفادها "أترك الحكم الآن وستدخل التاريخ من أوسع أبوابه.. لتدع المصريين يصنعون منه زعيما فى زمن عقمت فيه النساء عن ولادة الزعماء"، ولأنه قادم بثقافة جديدة على الساسة المصريين، لم يكن غريبا أن يصبح "فى غمضة عين" واحدا من المغضوب عليهم من جانب رجال وحرس النظام السابق، وهنا كانت الجولة الأولى مع الثورة، فسرعان ما تلقفته أيدى جماعة الإخوان المسلمين، تحدثوا معه عن الحلم الثورى، التغيير الأفضل لمصر، فما كان منه إلا أن استجاب للدعوة "الإخوانية" والتقى بهم لأكثر من مرة فى عقر دارهم"، قالوا عنه "ما لم يقله قيس فى ليلى" غزلا، جعلوا منه مخلصا لمصر من حقبة نظام مبارك.

الغريب فى الأمر أن شهر عسل "الإخوان – البرادعى" لم يستمر طويلا، فسرعان ما اتضح للرجل القادم من رحلة عمل ممتدة لسنوات عديدة أن جائزة "نوبل للسلام" لم تجعله خبيرا بألاعيب السياسة، وعلى دراية بأبجديات العمل السياسى فى مصر المحروسة، فسرعان ما انتحت منه الجماعة ركنا قصيا، ودخلت فى مقامرة سياسية –شهد بها اللواء الراحل عمر سليمان- مقابل قطعة من "مصر الثورة".

الخلاف حول الطريقة الأمثل لإدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية كانت "القشة التى قصمت ظهر البعير" فــــ"البرادعى" واحد من المطالبين بالديمقراطية التى تجمع ولا تفرق، فى الوقت الذى كانت عناصر جماعة الإخوان المسلمين تقف على "ناصية" ميدان التحرير منتظرين إشارة من الطرف الغالب ليكملوا معه مسيرة الصفقة، وبالفعل انتفض "البرادعى" غضبا عندما بدأت يد "التفريق" تعبث فى الميدان، أعلن رفضه الجلوس للحديث عن بقاء الرئيس السابق، وقال "لمصر شعب يحميها"، فى الوقت ذاته كانت جماعة الإخوان المسلمين تجلس مع نائب الرئيس السابق اللواء الراحل عمر سليمان لتتفق معه على سيناريوهات استكمال المرحلة الانتقالية تحت رئاسته.

غضب "البرادعى" و"مساومات الجماعة" جاءت التحركات السريعة والمتتالية لشباب الثورة لتضع لهما حدا، فقد رجحت كفة "رحيل مبارك ونظامه"، "البوب" نزل يومها للميدان ودعا الجيش –ممثلا فى المجلس العسكري- لإعداد دستور للبلاد، والتوافق على تشكيل حكومة "إنقاذ وطنى" تخرج البلد من مأزق السنوات الثلاثين التى حكم فيها "مبارك ورجاله".

فى البداية كانت "أذن العسكرى" تستمع بتأن وتنصت لنصائح "البرادعى" لكن سرعان ما عادت الأمور لسابق عهدها، بعدما تعالت نبرة الهجوم من جانب جماعة الإخوان المسلمين وبقية قوى التيار الإسلامى ضد الدكتور "البرادعى" متهمة إياه بالرغبة فى إقحام الدول الخارجية –وتحديدا أمريكا- فى الشأن الداخلى المصرى، وقد استمرت تلك الحملات لعدة أشهر، وهو ما دفعه –وقتها- لإعلانه الرحيل عن مصر واعتزال العمل السياسى، لكن تحت ضغط شباب الثورة وعدد من رموز المعارضة التى رفضت الانضمام للتحالف "العسكرى – الإخوانى" ضد مكتسبات الثورة، تراجع "البوب" عن قراره وأعلن تأسيس حزب "الدستور".

إعلان "البوب" دخوله اللعبة السياسية بـ"الدستور" قطع "شعرة معاوية" التى كانت تربطه وجماعة الإخوان المسلمين، وجاء وصول الدكتور "محمد مرسى" ابن الجماعة وأحد رموزها لكرسى الحكم بمثابة إعلان حرب من الجانبين، فـــ"البرادعى" كان دائما منحازًا لصف الشارع المصرى، حاول فى البداية التأكيد على أن الرئيس الإخوانى "الهوى والهوية" سيكون رئيسًا لكل المصريين، وما هى إلا أسابيع قليلة وأصبح لديه يقين –شبه كامل- بأن أحلامه فى صناعة "مصر الجديدة.. مصر الثورة" لا يتعدى كونه "حلم ليلة صيف" لن يرى النور تحت راية "مرسى وإخوانه"، فما كان منه إلا أن يعلى صوت "الثورة" من جديد، وينفخ فى روحها، ولاقت دعوته لإحياء "ما أتلفه الهوى الإخوانى" قبول الغالبية المصرية –سياسية كانت أو شعبية- وبدأت مسيرته الرافضة لطريقة إدارة الرئيس محمد مرسى وجماعته لمصر الثورة.

"البرادعى" كشف خلال الأيام القليلة الماضية فى مقال نُشر بصحيفة الـ"فورن بوليسى" الأمريكية أن مصر بعد عامين من إسقاط ديكتاتورية الرئيس السابق محمد حسنى مبارك أصبحت دولة فاشلة، وتشهد تآكل الدولة التى من المفترض أن توفر الأمن والعدالة، مشيرًا إلى أن البلاد حاليا – تحت حكم الإخوان- أصبحت تعانى من غياب كامل لأدنى معدلات النمو والأمن والقانون.

"البرادعى" أكمل – فى المقال ذاته- قائلًا: "إننا فى المعارضة نحث الرئيس محمد مرسى طيلة أشهر، على حاجة مصر إلى حكومة تكون مخلصة ومحايدة، على الأقل من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أننا بحاجة إلى لجنة ذات تنوع واسع لتعديل الدستور المصرى، الذى يتفق الجميع تقريبا على أنه لا يرقى إلى ضمان توازن مناسب من السلطة وضمان الحقوق والحريات الأساسية".
الجريدة الرسمية