رئيس التحرير
عصام كامل

سيف الإسلام خلط الأوراق بزلزال المثالثة

بدا سيف الإسلام القذافي، في ظهوره العام الأول منذ عشر سنوات، مرتبكا يتفادى الكاميرا والتصوير، خلال تقديم أوراقه مرشحًا لرئاسة ليبيا، لكنه حرص على ارتداء العباءة والعمامة مثل والده معمر القذافي تماما، في رسالة تلقفها الخصوم والمؤيدون، فهو أكد انتماءه العشائري باختياره الترشح في مدينة سبها الجنوبية معقل قبيلة القذاذفة، والموقع الذي تتمتع فيه العائلة بقاعدة شعبية كبيرة وحماية واسعة، وعبر الملابس الليبية اقتربت ملامح سيف الإسلام كثيرا من والده الراحل، الذي أنهى الملكية وحول ليبيا إلى جمهورية وظل رئيسا لها 42 عاما. 

 

ارتباك سيف الإسلام القذافي، لم يمنعه من إرباك الجميع وإحداث زلزالًا خلط جميع الأوراق والحسابات السياسية في ليبيا وخارجها، إذ بمجرد ترشحه للرئاسة توالت الأصداء بين مؤيد ومعارض، وكل طرف ينطلق من حساباته وانتماءه وتأثير العودة المفاجئة لنجل الزعيم الراحل معمر القذافي.

زلزال الترشح

 

داخليًا، يخشى من اعتقلوا سيف الإسلام القذافي ومن يمولهم، من عودته للانتقام من التنكيل بوالده وإخوانه وتشريد بقية الأسرة، خصوصا أنهم قطعوا إصبعين من يده اليمنى حين هدد المتظاهرين ضد حكم والده في 2011، وقال في تصريح إعلامي "نقاتل هنا في ليبيا وسنموت فيها". لكن فات هؤلاء أن سيف الإسلام القذافي ليس بهذه السذاجة، ويدرك أن الشعب لن يتحمل ذلك، خصوصا في ظل الإرهاب وسوء الأحوال المعيشية والانقسام الكبير طيلة عشر سنوات.

 

في غرب ليبيا، حيث تسيطر المليشيات المسلحة ويتمركز قادة الإخوان والممولين، رفضوا ترشح نجل القذافي وحملوا المفوضية العليا للانتخابات مسؤولية ما سيترتب عن قبولها أوراقه، وهددوا بغلق المراكز الانتخابية، لأن عودته السياسية ستعيد ليبيا إلى الدائرة الأولى وتستعر معها الحرب الأهلية.

 

ميدانيا، قامت مليشيات في مدينتي الزاوية والزنتان باستعراض عسكري بالأسلحة الثقيلة والصواريخ في الشوارع ما أثار القلق من إمكانية عودة العنف والحرب. بينما رفض مجلس حكماء وأعيان مدينة مصراتة ترشح سيف الإسلام القذافي، وحمل مسؤولية "انهيار الانتخابات لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح والأعضاء الذين شرعوا لترشح المجرمين". وواكب الاعتراض على ترشح سيف الإسلام القذافي، إغلاق بعض مراكز مفوضية الانتخابات، التي أعلنت إلغاء ترشّح سيف الإسلام القذافي بسبب الاحتجاجات، وبعد دقائق حذفت المفوضية الخبر، موضحة أن موقعها الإلكتروني تم اختراقه.

خيبة أمل وتأييد

ومن تركيا، دعا مفتي ليبيا الإخواني المعزول، صادق الغرياني، المليشيات المسلحة للخروج إلى الساحات، لمنع الانتخابات باستخدام السلاح. كما حرض على المسؤولين في شرق ليبيا وعلى رأسهم قائد الجيش خليفة حفتر ونواب البرلمان، مطالبا بمنعهم من دخول الانتخابات بأي طريقة، خصوصا أن المشير حفتر تقدم أيضا بأوراق ترشحه للرئاسة، وتردد أن هناك مفاوضات مع رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقبيلته العبيدات إحدى أكبر قبائل الشرق الليبي، كي لا يترشح ويفسح المجال للمشير حفتر ويدعمه مع قبيلته، حتى لا تتشتت أصوات إقليم برقة ويخسر حفتر.

 

خارجيًا، كان لافتا الضجة التي واكبت تغريدة عبر "تويتر" نشرتها رغد صدام حسين، تأييدا لسيف الإسلام القذافي، قالت فيها "أخي الغالي سيف الإسلام القذافي نترقب باهتمام كبير أنا وكل محبيك للمرحلة القادمة، دعائي لكم بأن تعود إلى المكانة التي تليق بكم وتخدم ليبيا وتعيدها لموقعها الحقيقي". وسارعت "هيومن رايتس ووتش" بدعوة الحكومة الليبية إلى تسليم سيف الإسلام القذافي، إلى المحكمة الدولية، لأنه مطلوبًا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وقمع المنتفضين ضد حكم والده في 2011.

 

بينما اعتبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنّ ترشح سيف الإسلام  القذافي للرئاسة، أشبه بزلزال ليبي، خصوصا أنه يمثل أحد الألغاز الأكثر ضبابية والذي تم إخراجه بذكاء خلال العقد الأخير، وأنه لفت أنظار الخارج نهاية يوليو الماضي، حين التقاه روبرت وورث، مراسل نيويورك تايمز، في فيلا فاخرة مزينة بالثريات الكريستالية، بمكان منعزل في مدينة الزنتان. ورأت الصحيفة أن الانتخابات محفوفة بالمخاطر، لكنه ربما يستفيد من "إحباط وخيبة أمل الشعب بعد عقد من الحرب وفوضى الميليشيات والانهيار الاقتصادي، وحنينه إلى الأمان والاستقرار قبل 2011".

 

 

يبقى أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يعارضان ترشح نجل القذافي، لأن لهما اليد الطولى في إنهاء حكم والده، بينما ستكون روسيا والصين الأكثر إفادة في حال فاز سيف الإسلام بالرئاسة. أخيرا يجب الإشارة إلى أن ترشح سيف الإسلام القذافي، أدخل البلد المنقسم في مثالثة خطيرة، فهو يتحصن في الجنوب الليبي، بينما يتواجد قائد الجيش خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح في الشرق، ويسيطر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ومعه الإسلام السياسي على الغرب، وفي حال فوز أي طرف من الثلاثة في إنتخابات الرئاسة لا أحد يعرف رد فعل الطرفين الآخرين، ما يجعل الوضع الليبي متفجرا خصوصا في ظل التمويل المتعدد والمتشعب من الخارج لأطراف عدة.

الجريدة الرسمية