الجمهورية الجديدة(3).. إزالة كوليسترول العاصمة
شقت سيارة الإسعاف طريقها بصعوبة وسط زحام مرورى أصبح جزءا من حياتنا اليومية، وصل فريق الإسعاف إلى المستشفى بأعجوبة، وأسرة المريض تلهث حتى لحظة الوصول إلى الطوارئ.. بعد إجراءات عاجلة وتحركات متسارعة من فريق الأطباء والمساعدين تم حمل المريض إلى غرفة العمليات.. في عجالة يقول الطبيب الجراح إن المريض بحاجة إلى تركيب دعامات فورا وإلا فقدناه.
بعد ساعات قليلة يخرج المريض بعد الإفاقة وهو يترنح بين لحظات ما قبل الموت ولحظات ما بعد الميلاد الجديد..عاد الرجل إلى طريق الحياة من جديد.. هكذا كانت مدننا وهكذا كانت القاهرة الكبرى، مدينة مترامية الأطراف تحمل بين أحشائها ملايين البشر وتستقبل يوميا مثل عدد سكانها، كانت شرايين القاهرة نموذجا حادا لتراكم الكوليسترول الضار.
وظلت القاهرة تتحمل تلك التجاعيد المرعبة من ممارسات أنظمة فقدت الإحساس بالحياة والجمال حتى أضحت عجوزا غير قادرة على الإستمرار كمدينة لها تاريخ يزيد على الألف عام.
على الطرف الآخر كان الخبراء يطلون بدراساتهم بين الحين والحين دون إرادة حقيقية للوصول إلى دعامات تعيد للقاهرة أصلها وفصلها وجمالها وحيويتها.
انتقل الرئيس السيسي بمشروعه من تفريعة قناة السويس إلى حزمة هائلة من الطرق الرئيسية كبناء شاهق في البنية التحتية التي ستحتاجها البلاد خلال السنوات الخمسين القادمة، ولم يلبث أن تنبه إلى أمراض تهدد حياة العاصمة العتيقة.
بجرأة تلفت حوله وقرر دخول المعركة وبدا واضحا أن هناك حلولا يمكنها أن تعيد الكثير من الأمل إلى حياة سكانها وإلى جسدها المتعب بكل صنوف الفوضى والإهمال والعشوائية.
طرق سحرية
ومن الطريق الأوسطى ذلك الساحر العجيب وناقل الحركة من المدن إلى مساحات أكثر رحابة، كان للقاهرة نصيب كبير من الحلول العلمية التي نقلت دماءها في سهولة ويسر إلى مركز العقل، ومراكز الحركة والحيوية التي تلقي بك في دقائق معدودة إلى حيثما تريد.
ومن مسارات ترسا إلى إبتكارات طريق متحف الحضارة إلى تطوير أوردة وشرايين مصر الجديدة إلى شق الطرق السحرية بين لحم القاهرة المتخم والمزدحم بكل صنوف الزحمة.. في كل زاوية ضيقة بالمدينة المترهلة ستجد منفذا جديدا ينقلك دون معاناة ودون أن تفقد ثلث حياتك مصلوبا بين إشارتين على مقربة من مقصدك دون القدرة على الوصول.
في الطريق لإزالة كوليسترول شرايين القاهرة كان لابد وأن يكون لذلك ضحايا.. بيوت هدمت وتم تعويض أصحابها.. مناطق تغير فيها مفهوم السكن فاختلط ما هو تجارى بما هو سكن وهدوء وتفاصيل أخرى لا يمكن أن ننفيها.
في ميدان الرماية بالهرم وفي الطريق إلى الفيوم كان هناك ولسنوات عمرنا الذي عشناه كان هناك ناد للقوات المسلحة.. لم يعد هناك ناد.. على حساب النادى تم توسيع الميدان والطريق.
هذا المشهد تكرر كثيرا.. كل ما يمكنه أن يساهم في خلق منافذ وقنوات لحياة مختلفة تم التضحية به من أجل الأجيال القادمة، يستوى في ذلك ما هو مدنى وما هو عسكرى.. لا يزال الطريق طويلا لإزالة إهمال نصف قرن من الزمان على الأقل، وفي الطريق إلى الحل لابد وأن تكون هناك أخطاء مثلما حدث في بعض مناطق مصر الجديدة، غير أن الواقع يتغير وشرايين العاصمة تتأهل لنموذج من الحياة الطبيعية الأكثر جمالا وسيولة وحيوية.
غدا.. نماذج مبهرة وانتكاسات مزعجة (٤)