عاطف فاروق يكتب: الفساد في شركات البترول "عائلي" والاستيلاء على الملايين بالقانون
عُدِل قانون الخدمة المدنية الجزاء المُقرر للمتهمين الذين انتهت خدمتهم لتصبح غرامة لا تجاوز عشرة أضعاف الأجر الوظيفى الذي كان يتقاضاه الموظف في الشهر عند انتهاء الخدمة، ويتكشف لنا أن المُشرِع قد فطن إلى ضآلة الجزاء المُقرر بنظام العاملين المدنيين بالدولة، وهو ذات ما تقرر للعاملين بالقطاع العام، فشُدِدَت العقوبة في قانون الخدمة المدنية، دون قانون العاملين بالقطاع العام، وذلك يُحدِثُ إخلالَا غير مبرر بمباديء المساواة التي نص عليها الدستور، بعد خمسين عامًا من المساواة في المركز القانوني للمتهمين من كلا الجانبين
ولا مراء في أن مخالفات العاملين بالقطاع العام بصفة عامة وشركات البترول بصفة خاصة، والخاضعين لقانون القطاع العام أكثر خطورة من العاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، ومن ثم كان هو الأولى بتشديد العقوبات، وهو ما يدعونا لأن نهمس في أذن السلطة التشريعية لسرعة التحرك للمساواة بين قطاعين ظلا متماثلين لأكثر من نصف قرن، ولمنح المحاكم التاديبية مجالًا أوسع لإنزال العقوبة المستحقة لمرتكبي المخالفات المالية الجسيمة، لا سيما وأن بعضها لا يُحال إلى المحكمة المختصة جنائيًا، وقد يُفلت المجرم من العقاب الرادع، وتكون قد تداركت قصور التنظيم التشريعي
والنموذج التطبيقي لما سلف بيانه، هو ما كشفت عنه أوراق قضية تضمنت أن المتهم ماجد صالح رجب، مدير إدارة صيانة بمنطقة القناة بشركة التعاون للبترول منح توصيات للمختصين بمكتب مبيعات الإسماعيلية بإجراء تسهيلات لزوجته فاطمة علي فراج بشأن محطة الروضة مما ترتب عليه صرفها لمنتجات بترولية من مكتب مبيعات الإسماعيلية رغم تبعيتها لمكتب مبيعات العريش، وسهل لها الاستيلاء على المال العام مما مكنها من الحصول على منتجات بترولية مدعمة بدون وجه حق وتحمل الشركة خسائر تزيد عن مائة مليون جنيه.
التعاون للبترول
وتبين أن المتهم طارق ياقوت محمد، مدير عام منطقة القناة بشركة التعاون للبترول تعامل مع المتعهدة فاطمة علي فراج، ووافق على الطلب المقدم منها بشأن استمرار تعاملها مع مكتب بيع الإسماعيلية، ووافق المتهم على التعاقد الثلاثي بمكتب بيع الإسماعيلية مما يثير الشبهات في التسهيلات الممنوحة لزوجة المتهم الأول، وتعامل معها بمكتب الإسماعيلية رغم تبعية محطة الروضة لمكتب العريش، وتقاعس عن اتخاذ إجراءات حيال عدم وجود حساب جار لشركة ترافكو والتأكد من صحة وضعه القانوني
ولم يلتزم المتهم بتنفيذ ما جاء بنص خطاب مدير عام تسويق المواد البترولية من إجراءات قبل التعاقد الثلاثي بين الشركة وشركة ترافكو والمتعهدة، كما تأخر في مخاطبة مسئولي التسويق بالقاهرة بشأن رغبة شركة ترافكو في التعاقد من خلال المتعهدة لإمدادها بالمواد البترولية والشحن قبل التعاقد وتحرير العقد الثلاثي بينها وشركة ترافكو والتعاون للبترول وإمداد شركة ترافكو بالمنتجات البترولية قبل التعاقد، وتقاعس عن إتخاذ الإجراءات القانونية حيال انخفاض قيمة التأمين النقدي للمتعهدة زوجة المتهم الأول عن نسبة 30% ومنحها فترات إئتمان كبيرة بالمخالفة للائحة التسويق رغم إخطاره بهذه المخالفات بمعرفة مدير عام الحسابات
أكدت المحكمة التأديبية عبر أسباب حكمها صدور حكم محكمة جنايات السويس بمعاقبة المتهمين وزوجة المتهم الأول بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات وتغريمهم مبلغًا مقداره أربعة وثمانين مليون جنيه وستمائة وستة وستين جنيها، وألزمتهم برد مبلغٍ مساوٍ لمبلغ الغرامة على سند من ثبوت ما نُسب إليهما من أنهم سهَّلوا للمتهمة المتعهدة فاطمة علي محمد فراج الاستيلاء على كميات من المواد البترولية بلغت أربعة ملايين وثمانمائة وثمانية آلاف لتر سولار وثمانمائة ومائتي ألف لتر بنزين (80) وستين ألف لتر كيروسين بفارق دعم (سبعة وعشرون مليونا وستمائة وواحد ألف جنيه) مملوكة لجهة عملهم
ربح ومنفعة
وسهَّلا لها الاستيلاء على كميات من الوقود بلغت (أربعة عشر مليونا وثلاثمائة وتسعة وتسعون ألفا وخمسمائة لتر سولار) مملوكة لجهة عملهم بفارق دعم مقداره (سبعة وخمسون مليونا وثلاثمائة وخمسة وتسعون ألف جنيه) بأن وافقوا على توريد تلك الكميات جميعها بالمخالفة للإجراءات المقررة مع علمهم بذلك، وحصلوا للمذكورة على ربح ومنفعة من عمل من أعمال وظيفتهم بأن منحوها كميات من المنتجات البترولية المدعمة، وأضرا عمدًا بأموال جهة عملهما وخسارة في أموالها
والوقائع المنسوبة إلى المتهمين في الشق التأديبي هي ذات ما صدر بشأنها حكم محكمة جنايات السويس بإدانتهما بشأنها، ومنها ما يعد سببا يفضي إلى الاتهامات الثابتة في حقهما بالضرورة، مرتبط بها ارتباطا وثيقا مما لا يجوز معه إعادة بحث مدى ثبوتها في حقهما إعلاء لحجية الحكم الجنائي، إذ ثبتت في حقهما تلك المخالفات بما ينعكس على سمعتهما وكرامتهما، إذ مثَّلَت خروجا على ما يتعين توافره في الإنسان من أمانة، وهو ما يتعين بالأحرى توافره لدى الموظف العام بحسبان أن حفظ أموال جهة عمله هو من مقتضيات وظيفتهما ومتطلباتها
ونطقت الأوراق بأن المتهمين إنتهكا حرمة المال العام وذَلَّلا جميع السبل للإستيلاء عليه والتربح من فارق السعر في المواد البترولية بين سعر السوق والسعر المُدعم بأموال الدولة، فكان ما إقترفاه تلاعبًا بالمقدرات المالية للبلاد، فحق عليهما القول بتجردهما من أدنى سمات الموظف العام التي تناسَيَا مقتضياتها وواجباتها في حماية المال العام والذود عنه، فصار حقا وعدلا مجازاتهما بأقصى جزاء أتاح القانون توقيعه عليهما
خمسة جنيهات
وإذ نصت المادة (91) من قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 بأنه يجوز توقيع الجزاء على من إنتهت خدمته بغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تجاوز الأجر الإجمالي الذي كان يتقاضاه العامل في الشهر عند تركه الخدمة، وهو ذات ما نصت عليه المادة (113) من لائحة نظام العاملين بالهيئة المصرية العامة للبترول التي ينضوي المحالَين تحت لواء أحكامها، فإنه لا مناص أمام المحكمة التأديبية من توقيع تلك العقوبة القصوى المقررة قانونًا، وهو ما تقضي به في شأنهما، دون الالتفات عن الإشارة إلى أنه يتعين على سلطة توقيع الجزاء التقيد بالنص التشريعي الحاكم
ورغم ما هو ثابت يقينًا في حق المتهمين من اقتراف إهدار المال العام والتمكين من الاستيلاء عليه وإهدار الدعم المقرر للمواد البترولية وإتيانهما انتهاك حقُّ من قُرِّر الدعم في الأصل لرعايتهم من المواطنين، إلا أن المحكمة التزمت المقرر قانونًا ولائحيًا في شأنهما، وهي أقصى ما قرره القانون واللائحة المنظمة لعملهما، ولهذه الأسبـــاب قضت المحكمة التأديبية بمجازاة المحالَين ماجد صالح عبد الله وطارق ياقوت محمد، بغرامة تعادل الأجر الوظيفي الذي كان يتقاضاه كل منهما في الشهر عند انتهاء خدمته