على من تجب مصاريف البنت ونفقتها.. الافتاء تحسم الأمر
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "على من تجب مصاريف البنت ونفقتها؛ على الأب أم على الأم؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
لا خلاف بين الفقهاء في أن نفقة الأولاد الصغار -ذكورًا كانوا أو إناثًا- واجبة على آبائهم، قال الإمام الماوردي في "الحاوي" (11/ 447، ط. دار الكتب العلمية): [نفقة الأولاد على الآباء، بدليل الكتاب والسنة والإجماع والعبرة: فأما الكتاب فقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].. فدلت هذه الآية على وجوب نفقة الأولاد على الآباء دون الأمهات] اهـ بتصرف.
نفقة الأولاد الصغار
وقال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 163، ط. دار عالم الكتب): [وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه، وسماه الله سبحانه للأم؛ لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع، كما قال: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: 6]؛ لأن الغذاء لا يصل إلا بسببها.
على من تكون نفقة الأولاد
وأجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم. وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ إلا ما أخذتُ من مال بغير علمه، فهل علي في ذلك جناح، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإن نفقة البنت واجبة على الأب لا على الأم، ويجب عليه القيام بجميع ما يحتاج إليه أولاده من نفقة طعام وكسوة وغير ذلك بحسب العرف لأمثالهم على مثله.
حرمان الابن العاق من الميراث
وفي سياق متصل ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، يقول فيه صاحبه: "رزقني الله بعدد من الأولاد، لكن أحدهم عاق لي، فهل يجوز لي حرمانه من الميراث؟".
ومن جانبها، أوضحت اللجنة أنه من أبرز صفات المسلم البرَّ بالوالدين والإحسان إليهما، فقد رفع الله مقام الوالدين إلى مرتبة لم تعرفها البشرية في غير هذا الدين، إذ جعل الإحسان إليهما والبر بهما في مرتبة تلي مرتبة الإيمان بالله والعبودية، فقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}.. وقال عز وجل: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا}.. بل إن القرآن يضع منهجًا في كيفية معاملة الأبوين عندما يبلغان مرحلة الهِرَم والشيخوخة فقال تعالى: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما....}.
وإذا لا حظنا قول الله جيدًا لوجدناه يقول: {يبلغن عندك}، أي في رعايتك وحمايتك وحفظك فاحذر أن يصدر منك كلمة تَذمُّر أو تململ أو ضيق: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما}، بل عليك أن تفكر طويلا في كلمة طيبة حتى يطيبا بها نفسًا ويقرّا عينًا: {وقل لهما قولا كريمًا}.. ولتكن وقفتك بين أيديهما وقفة الاحترام والتقدير: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}.. ولينطق لسانك لاهجًا بالدعاء لهما على ما قدماه لك حال صغرك: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}.. وقد جاءت السنة مؤكدة لهذا المعنى القرآني، فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".. فقد وضع رسولنا المربي العظيم بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها، والجهاد في سبيل الله.
وفي الصحيحين: "أن رجلا جاء فاستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال: "أحي والداك؟"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد".. وفي الحديث الصحيح: "هل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور".
وأكدت أنه لا يجوز للأب أن يحرم ولده العاق من الميراث لأن الله قد قرر نصيب كل وارث من الورثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله أعطى كل ذي حق حقه}، فلا بد من العدل بين الأولاد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم".. ولم يجعل الشارع الحكيم العقوق سببًا للحرمان من الميراث.
وشددت على أنه على الأب أن يتضرع إلى الله عز وجل سائلًا إياه هداية ولده وعودته إلى رشده وصوابه، وأن يقوم بكل وسيلة ممكنة تعيد هذا الولد إلى البر به وبوالدته، وأن يلحظ في هذا ما يؤثر على ولده ليعيده إليه مرة أخرى، ولا يدعو عليه لقوله: "ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن، دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم".. ولا يستعجل بحرمانه من الميراث، فإن هذا الولد لو أصر على ما هو عليه من عقوق فإن ما ينتظره من حساب على عقوقه بوالديه أكبر بكثير من حرمانه من الميراث؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "اثنان يعجلهما الله في الدنيا، البغي وعقوق الوالدين".