ما حكم إنفاق العمة الموسرة على ابن أخيها العاجز المحتاج؟.. دار الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “قد أصبتُ في حادث فصرت عاجزًا عن الكسب مع فقري وحاجتي، وليس لي أقارب إلا عمي وعمتي، وعمي فقير لا يستطيع تحمل نفقتي وعمتي غنية موسرة. فهل يجب عليها نفقتي؟
وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي: إن الله عز وجل قد تفضَّل على الإنسان بما لا يُحصَى من النعم وأمره بشكرها، ومن جملة هذه النعم نعمةُ المال الذي شرع الله له إنفاقه في طاعته وفتح له أبوابًا عدة؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7]، وقال: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 254]؛ فمن ذلك إنفاقه في الزكاة المفروضة التي هي أحد أركان الإسلام، ومن ذلك أن ينفقه على نفسه؛ فإنها صدقة يُثاب عليها لأنه مأمور بحفظ نفسه، ومن ذلك إنفاقه على زوجته وأولاده؛ فإن الإنفاق عليهم طاعة لله وبر وأجر؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم لهند لما اشتكت بخل زوجها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» أخرجه الشيخان.
أحكام نفقة الأبناء
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]؛ فأوجب نفقة الابن على الأب، وقال عز وجل: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: 83]، ومن الإحسان الإنفاق عليهما؛ ولذلك اتفق الفقهاء على وجوب نفقة الأبوين المعسرَيْن على ابنهما الموسر، واختلفوا في غيرهما من الأقارب؛ فاقتصر المالكية في نفقة الأقارب الواجبة على نفقة أولاد الصلب والأبوين المعسرين حتى الموت أو حدوث يسار ولا يتوسع في ذلك حتى يشمل الفروع والأصول؛ قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في "رسالته بشرحها الفواكه الدواني" (2/ 67، ط. دار الفكر): [ولا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة، وعلى أبويه الفقيرين، وعلى صغار ولده الذين لا مال لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا زمانة بهم وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن، ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقارب] اهـ.
وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى استحقاق الأصول كالأجداد والجدات وإن علوا النفقة في مال ولدهم الموسر؛ لدخولهم في اسم الوالدين؛ كما قال الله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: 78]، وكذلك يستحق الفروع كالأبناء وأبنائهم وإن نزلوا في مال أصولهم الموسرين؛ حيث سمانا الله تعالى أبناءً لآدم وهو جدٌّ غير مباشر في قوله عز وجل: ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾ [الأعراف: 26]، وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق الإمام الحسن رضي الله عنه فيما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: أَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ رضي الله عنه فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»؛ فأوجبوا نفقة عمودي النسب، وهم الوالدان وإن علوا؛ أي الأجداد والجدات، والولد وولده وإن سفل، سواء كانوا وارثين أو غير وارثين.
قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية بشرحها العناية للبابرتي" (4/ 415، ط. دار الفكر): [وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه] اهـ.
وقال العلامة الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (3/ 158، ط. دار الكتب العلمية): [والقرابة التي تستحق بها النفقة قرابة الوالدين وإن علوا، وقرابة الأولاد وإن سفلوا] اهـ.
وقال العلامة الحجاوي الحنبلي في "زاد المستقنع" (ص: 204، ط. دار الوطن) في باب نفقة الأقارب: [تجب -أو تتمتها- لأبويه وإن علوا، ولولده وإن سفل، حتى ذوي الأرحام منهم] اهـ.
واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: 233] بعد قوله عز وجل: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]؛ حيث أوجب على الوارث إن كان له مال الاشتراك في تحمل أجرة رضاع الصبي خاصة بعد إعسار الأب، وقد قرأها ابن مسعود رضي الله عنه: (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك)، ومن هنا وجبت نفقة المعسر العاجز عن الكسب على ذي رحمه المحرم، وهو القريب الذي حرم نكاحه أبدًا؛ نحو: أولاده وإخوته وأولادهم وإن سفلوا وآبائه وأجداده وجداته وإن علوا، وأول بطن من بطون الأجداد والجدات، يعني: الأعمام والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم.
قال العلامة شمس الدين السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 224، ط. دار المعرفة): [والمعنى فيه: أنَّ القرابة القريبة يُفترض وصلها ويحرم قطعها؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم -وأصله عند الإمام البيهقي في "شعب الإيمان"-: «ثَلَاثٌ مُعَلَّقَاتٌ بِالْعَرْشِ: النِّعْمَةُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالرَّحِمُ. تَقُولُ النِّعْمَةُ: كُفِرْتُ وَلَمْ أُشْكَرْ، وَتَقُولُ الْأَمَانَةُ: خُوِّنْتُ وَلَمْ أُرَدَّ، وَيَقُولُ الرَّحِمُ: قُطِعْتُ وَلَمْ أُوصَلْ».
وقد جعل الله تعالى قطيعة الرحم من الملاعن بقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ﴾ [محمد: 23]، ومنع النفقة مع يسار المنفق وصدق حاجة المُنفَق عليه يؤدي إلى قطيعة الرحم، ولهذا اختص به دون الرحم؛ لأن القرابة إذا بعُدَت لا يُفرض وصلها؛ ولهذا لا تثبت المحرمية بها، وكذلك المرأة الموسرة تُجبَر على ما يُجبر عليه الرجل من نفقة الأقارب؛ لأن هذا الاستحقاق بطريق الصلة، فيستوي فيه الرجال والنساء] اهـ.
أحكام نفقة المعسر العاجر
فعُلم من ذلك أن نفقة المعسر العاجز عن الكسب تجب على أصوله وفروعه ما داموا موسرين؛ فإن لم يوجد منهم أحد أو لم يتحصل لأيهم يسار وجبت على ذوي رحمه المحرم، وتوزع عليهم بحسب أنصبتهم من الميراث مع مراعاة القرب والجزئية كما هو ظاهر المذهب عند الحنفية، وذلك بشرطين:
الأول: فقر مَن تجب نفقته وعجزه عن الكسب؛ لأن النفقة هنا تجب على سبيل المواساة فلا تُستحق مع الغنى عنها.
والثاني: أن يكون للمنفِق ما يفضل عن نفقة نفسه وزوجته ومَن يعول؛ لما أخرج مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا».
قال العلامة الكمال ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (4/ 411، ط. دار الفكر): [وإذا لم يَفِ كسبه بحاجتهم أو لم يكتسب لعدم تيسُّر الكسب أنفق عليهم القريب ورجع على الأب إذا أيسر.
وفي "جوامع الفقه": إذا لم يكن للأب مال والجدُّ أو الأمُّ أو الخالُ أو العمُّ موسر يُجبَر على نفقة الصغير ويرجع بها على الأب إذا أيسر، وكذا يُجبَر الأبعد إذا غاب الأقرب ثم يرجع عليه، فإن كان له أم موسرة فنفقته عليها، وكذا إذا لم يكن له أب إلا أنها ترجع في الأول، وما نقل ابن قدامة عن الأئمة الأربعة من عدم الرجوع فيه نظر، وإن كان له جد وأم موسران فنفقته عليهما على قدر ميراثهما في ظاهر المذهب] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (3/ 239-240، ط. دار الكتب العلمية): [ويُشترط لوجوب الإنفاق على القريب ثلاثة شروط: أحدها: فقر مَن تجب نفقته. فإن استغنى بمال، أو كسب، لم تجب نفقته؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تستحق مع الغنى عنها، كالزكاة، وإن قدر على الكسب من غير حرفة، ففيه روايتان... الثاني: أن يكون للمُنفِق ما يُنفِق عليهم فاضلًا عن نفقة نفسه وزوجته، لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول»] اهـ.
وأضاف بعض الفقهاء شرطًا ثالثًا هو اتفاقهما في الدين، قال العلامة ابن قدامة المقدسي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (3/ 240): [الثالث: اتفاقهما في الدين والحرية، فلا يجب على الإنسان الإنفاق على مَن ليس على دينه؛ لأنه لا ولاية بينهما، ولا يرث أحدهما صاحبه؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والصلة، فلم تجب له مع اختلاف الدين، كالزكاة] اهـ.
وعن الإمام أحمد رواية بوجوب النفقة لعمودَيِ النسب مع اختلاف الدين؛ قال في المرجع السابق نفسه: [وعنه في عمودَيِ النسب: أنها تجب مع اختلاف الدين؛ لأنهم يعتقون عليه. فينفق عليهم، كما لو اتفق دينهما] اهـ.
على من تجب نفقة المعسر
ولكن لا يجوز للمعسر أن يأخذ شيئًا من مال مَن تجب عليه نفقته إلا برضاه أو بأن يرفع أمره إلى القاضي ليحكم بما يثبت عنده؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (3/ 627، ط. دار الفكر): [نفقة قرابة غير الولاد وجوبها لا يثبت إلا بالقضاء أو الرضا، حتى لو ظفر أحدهم بجنس حقه قبل القضاء أو الرضا ليس له الأخذ] اهـ.
أما عند الشافعية فلا يلحق سائر الأقارب بالأصول والفروع؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (9/ 83، ط. المكتب الإسلامي): [ولا يلحق بالأصول والفروع سائر الأقارب؛ كالأخ والأخت، والعم والخال، والعمة والخالة وغيرهم] اهـ.
وذهب الحنابلة إلى أن نفقة المعسر إن لم يوجد له أصول أو فروع تجب على كل وارث بفرض أو تعصيب على قدر إرث كُلٍّ؛ قال الإمام الحجاوي الحنبلي في "زاد المستقنع" (ص: 204، ط. دار الوطن) -في باب نفقة الأقارب-: [تجب -أو تتمتها- لأبويه وإن علوا ولولده وإن سفل حتى ذوي الأرحام منهم؛ حجبه معسر أو لا، وكل من يرثه بفرض أو تعصيب لا برحم سوى عمودي نسبه سواء ورثه الآخر كأخ أو لا، كعمة وعتيق، بمعروف مع فقرِ مَن تجب له وعجزِه عن تكسُّبٍ إذا فضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومَه وليلتَه وكسوةٍ وسُكنى من حاصل أو متحصل، لا من رأس مالٍ وثمن ملكٍ وآلة صنعةٍ] اهـ.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: 233]؛ فإنه قد شمل جميع الوارثين بفرض أو تعصيب، وأجاب الحنفية بأنه جاء في قراءة ابن مسعود: (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك)، وبأن المراد بالوارث في الآية مَن هو أهل للميراث لا كونه وارثًا حقيقة؛ إذ لا يتحقق ذلك إلا بعد الموت.
فتحصَّل من ذلك أن نفقة الأقارب عند الإعسار تجب على الأب الموسر اتفاقًا؛ فإن لم يكن له مال أو لم يف كسبه بحاجة من تلزمه نفقتهم، انتقل استحقاقهم في النفقة إلى من بعده من الورثة أصولًا وفروعًا وحواشي ما داموا موسرين بحسب ميراث كل ومراعاة القرب والجزئية كما في ظاهر المذهب عند الحنفية، ومراعاة الإرث فرضًا أو تعصيبًا ومقدار كل وارث عند الحنابلة.
لكن يقتصر ذلك على الأصول وإن علوا وعلى الفروع وإن نزلوا دون سائر الأقارب عند الشافعية، وعند المالكية ينحصر الوجوب في الأبوين وأولاد الصلب.
كما أنَّ الفقهاء قد اختلفوا في حد اليسار والإعسار الذي ينبني عليه وجوب نفقة المعسر على قريبه الموسر:فالأرجح عند فقهاء الحنفية هو أن يكون متحققًا بيسار الفطرة؛ أي أنه يملك ما يحرم عليه به أن يأخذ الزكاة، وهو نصاب الزكاة ومقداره خمسة وثمانون جرامًا من الذهب عيار 21، ولو كان هذا النصاب غير نامٍ، شريطة أن يكون هذا المال فاضلًا عن قوته وقوت من يعول وحوائجهم الضرورية؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته المسماة "رد المحتار على الدر المختار" (3/ 621، ط. دار الفكر): [(قوله يسار الفطرة على الأرجح)، أي: بأن يملك ما يحرم به أخذ الزكاة وهو نصاب ولو غير نام فاضل عن حوائجه الأصلية، وهذا قول أبي يوسف. وفي "الهداية": وعليه الفتوى، وصححه في "الذخيرة"، ومشى عليه في "متن الملتقى"، وفي "البحر" أنه الأرجح، وفي "الخلاصة" أنه نصاب الزكاة وبه يفتى، واختاره الولوالجي)] اهـ.
لكن الإمام محمد بن الحسن الشيباني فرَّق بين من كان من أهل الغلة وبين أهل الحرف وأهل الكسب كالراتب الشهري أو الأجر اليومي؛ قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (5/ 708، ط. دار الكتب العلمية) مع شرحه "البناية" للعيني: [وعن محمد رحمه الله أنه قدره بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرًا، أو بما يفضل على ذلك من كسبه الدائم كل يوم؛ لأن المعتبر في حقوق العباد، إنما هو القدرة دون النصاب، فإنه للتيسير] اهـ.
وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن من يملك ما يزيد عن قوته وقوت من يعولهم يومًا وليلةً يجب عليه أن ينفق على قريبه المعسر المحتاج؛ قال العلامة ابن جزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 148، بدون طبعة): [إنما يجب على الإنسان نفقة أبويه وأولاده بعد أن يكون له مقدار نفقة نفسه، ولا يباع عليه عبده ولا عقاره في ذلك إذا لم يكن فيهما فضل عن حاجته، ولا يلزمه الكسب لأجل نفقتهم] اهـ.
وقال العلامة العمراني الشافعي في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (11/ 252، ط. دار المنهاج): [نفقة القريب تجب فيما فضل عن قوت المنفق في يومه وليلته] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (3/ 239-240): [ويشترط لوجوب الإنفاق على القريب ثلاثة شروط:... الثاني: أن يكون للمُنفِق ما ينفق عليهم فاضلًا عن نفقة نفسه وزوجته؛ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول» قال الترمذي: هذا حديث صحيح، ولأن نفقة القريب مواساة، فيجب أن تكون في الفاضل عن الحاجة الأصلية، ونفقة نفسه من الحاجة الأصلية، وكذلك نفقة زوجته؛ لأنها تجب لحاجته، فأشبهت نفقة نفسه، وكذلك نفقة خادمه الذي لا يستغني عن خدمته] اهـ.
كما أنه إذا كان الأقرب مِمَّن وجبت عليه نفقة قريبه المعسر غير قادر على النفقة، ينتقل وجوب النفقة إلى الأبعد ثم مَن يليه وهكذا؛ قال العلامة السرخسي في "المبسوط" (5/ 227، ط. دار المعرفة): [والحاصل أن مَن يكون محتاجًا يُجعل في حكم المعدوم فتكون النفقة بعده على مَن يكون وارثًا بحسب ميراثه] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته المسماة "رد المحتار على الدر المختار" (5/ 365، ط. دار عالم الكتب): [الأصل أنه إذا اجتمع في قرابةٍ مَن تجب له النفقة موسر ومعسر، ينظر إلى المعسر، فإن كان يحرز كل الميراث يجعل كالمعدوم، ثم ينظر إلى ورثة مَن تجب له النفقة فتُجعل النفقة عليهم على قدر مواريثهم، وإن كان المعسر لا يُحرز كل الميراث تقسم النفقة عليه وعلى من يرث معه، فيُعتبر المعسر؛ لإظهار قدر ما يجب على الموسرين، ثم يجعل كل النفقة على الموسرين على اعتبار ذلك] اهـ.
وعلى مذهب الحنفية جرت الأحكام القضائية في المحاكم المصرية بشأن استحقاق الأقارب النفقة في مال أصولهم وفروعهم وحواشيهم الموسرين. ينظر: حكم محكمة الزقازيق الجزئية الشرعية بتاريخ 8/ 4/ 1935م في الدعوى رقم 755 لسنة 1934م، وحكم محكمة النقض المصرية، دائرة الأحوال الشخصية، في الطعن رقم 29 لسنة 46ق من تاريخ الجلسة 7/ 3/ 1979م، معللة حكمها بأن النفقة الواجبة بالقرابة هي: سد حاجة القريب ومنعه من السؤال؛ لقرابة الرحم المحرمية مع الأهلية للميراث.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه تجب نفقة السائل على عمته الموسرة إن كان الحال كما ذُكر، لكن لا يجوز له أن يأخذ شيئًا من مالها إلا بإذنها، وله أن يرفع أمره إلى القضاء بما له من سلطة الاستدلال وسلطة إنزال القانون على الوقائع حتى يتبين إعسار السائل ويسار عمته وعدم مَن يُقدَّم عليه في استحقاق النفقة وغير ذلك مما يراه القاضي المختص.