رئيس التحرير
عصام كامل

وباء الكتابة علي الجدران

علي أيامنا في الثمانينيات كلها تقريبا امتلأت جدران شوارع كثيرة جدا ومحطات المترو بخطوط عريضة ضخمة بألوان قبيحة تعلن عن أديب الشباب محمود عبد الرازق عفيفي.. لا أعرف إن كان لايزال شابا أو عجوزا أو علي قيد الحياة!

 ما نعرفه أنك أينما نظرت وجدت أديب الشباب هذا يطاردك. ماذا كتب؟ لا شيء يذكر. لكنه استباح جدران المباني والشوارع وجدران محطات المترو ليشهر نفسه. 

لم يختف محمود عبد الرازق عفيفي هذا، ظهر له أبناء وأحفاد، تحتل إعلاناتهم الجدران والشوارع والطرق العامة والفواصل الخرسانية الجديدة، علي المحاور..

 

 

ما بضاعة هؤلاء؟ خذ عندك ولا تتعجب إنها إرادة الفوضى وغياب المتابعة.. الشيخ عبد القوى عبد القوى عبد القوى، مثلا لكنه فعلا يقول إنه شيخ، يعالج بالقرآن الكريم.. تليفون رقم، ورقم، ورقم. تتصل بالشيخ ترد عليك سكرتيرة محتشمة الصوت، تطلب الشيخ تقول لك: متى تحب أن يراك مولانا؟ متلهف أنت: اليوم. تقول لك: كشف مستعجل ١٥٠جنيها.. هو بالكشف؟ نعم يا افندم. كشف عادي وكشف مستعجل.

 

وآخر يبيع الإعلان عن براعته في العلاج بالحجامة.. وتليفونه يخرم عين الجن.. أما إعلانات أساتذة التعليم والثانوية العامة فإليك قاهر الفيزياء، ضامن النجاح والتفوق الأستاذ جهبذ الجهابذ بن إينشتاين رأسا! 

وإعلان عن محطة كوكب الكيمياء الذي لا يبارى المعلم القدير كيماوى السمادوني كب ألف أربعة! وفي الجغرافيا يعلن ابن بطوطة عن المسالك والممالك وبأسعار متهاودة.. وكل هؤلاء سجلوا عناوين وتليفونات..

 

عقوبة تشويه الممتلكات

 

ماذا هناك أيضا؟ البشعة وما أدراك ما البشعة.. الطريقة البدوية تغزو القاهرة.. اتصل لتعرف من كذب ومن سرق.. بلسع اللسان بسيخ ملتهب. ولماذا نذهب بعيدا.. باب اللوق والعمارات المغطاة تماما تقريبا بلوحات تحمل أسماء الأطباء الكبير منهم والصغير، الميت والحى. في أي عاصمة متحضرة هناك إلزام بحجم ومحتوى اللافتة. في المنصورة، مدينتي الحبيبة، تمشي في السكة الجديدة وفي شارع صيام تجد لافتات ولافتات ولافتات لأطباء شكلها فج وقبيح!

 

كل من كتب على الجدران العامة والخاصة على النحو التافه الوضيع هو مرتكب لجريمة وفقا لقانون العقوبات، ووفقا لقانون الإعلانات علي الطرق والجدران. وهو مجرم معترف بجريمته ومتلبس بها بالفعل لأنه أقر بها وترك تليفونه. فلماذا لا يستدعيه الحكم المحلي ويلزمه بإزالة هذا القبح والقذى من فوق الجدران..

 

من أجل هذا نؤيد بقوة طلب الإحاطة للنائب هشام سعيد الجاهل، لإنزال العقاب بكل من يشوه الوجه الحضارى للممتلكات العامة الجديدة والقديمة وجدران الممتلكات الخاصة.. نشيد بهذه الأداة النيابية الاستفهامية اللطيفة، ونستنكر قبول المحليات هذا القبح العام المتفشي والسكوت عليه، من أيام عفيفي لأيام الشيخ عفروت.. احسبها كم سنة حتى جاء النائب هشام سعيد الجاهل وطلب إنزال العقاب بالمعلن الوبائي!

 

وأزيد علي هذا الطلب بإنزال العقاب، بعد الحساب، علي المحليات الواقع في نطاقها الإدارى كل من أعلن عن نفسه كاتبا أو شيخا يبطل أعمال الجن ويجلب الحبيب والحليب والمطلقة، أو مدرسا يقهر الفيزياء، ويغزو الأفلاك في السناتر بعناوينها وتليفوناتها..

نتمنى من بقية النواب النظر إلى الداخل للتخلص من العشوائيين المنتشرين، بيننا، يعبثون بالذوق العام، حتى هبط وتدنى.. من الجدران إلي الحناجر إلى الأسماع!

الجريدة الرسمية