دروس مستفادة
مصر تسلم الصين مؤتمر التنوع البيولوجي (4)
منذ فترة طويلة، تبذل الصين جهودا مضنية في مجال حماية التنوع البيولوجي ليس فحسب على المستوى المحلي، وإنما أيضا على المستوى الدولي، ويمكن التعرف على بعض الإجراءات الإبداعية التي تشكل نمطا جديدا للحفاظ على التنوع البيولوجي، من خلال ما تضمّنه الكتاب الأبيض الذي أصدرته في أكتوبر الجاري تحت عنوان "الحفاظ على التنوع البيولوجي في الصين"، والذي أشار إلى أن الصين تتمسّك بفلسفة التعايش المتناغم بين البشرية والطبيعة في معالجة فقدان التنوع البيولوجي وتدهور النظام البيئي، وإعطاء الأولوية للحفاظ على التنوع البيولوجي والسعي لتحقيق التنمية الخضراء..
حماية التنوع البيولوجي
كانت الصين قد طرحت ونفّذت مجموعة من الإجراءات لزيادة كفاءة الحفاظ على التنوع البيولوجي، بما في ذلك بناء نظام الحدائق الوطنية، ووضع خطوط حمراء للحفاظ على البيئة الإيكولوجية وتعزيز الحماية في الموقع وخارجه، وكجزء من الجهود المبذولة لتحسين إدارة التنوع البيولوجي، رفعت الصين الحفاظ على التنوع البيولوجي إلى استراتيجية وطنية وأدرجته في الخطط المتوسطة والطويلة الأجل لجميع المناطق والمجالات، وبدأت في العمل على إنتاج الطاقة من خلال وسائل إنتاج الطاقة النظيفة كالرياح، المياه، الطاقة الشمسية وغيرها..
ومنها على سبيل المثال الإعلان عن بناء محطة للطاقة الشمسية عبر الملح المصهور بقدرة 100 ميجاوات في مدينة "دونهوانغ" بمقاطعة "قانسو" شمال غربي الصين، والتي تُعد المحطة الأكبر من نوعها في العالم توفر 390 مليون كيلووات / ساعة من الكهرباء سنويا، وتقلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بـ 350 ألف طن كل عام.. هذا بجانب ممارسة التعددية بحزم والتعاون الدولي بشكل نشط في الحفاظ على التنوع البيولوجي، من خلال مشاورات مكثّفة لبناء توافق في الآراء، والمساهمة في الحلول للحفاظ على التنوع البيولوجي العالمي.
وتقوم الصين بمساعدة الدول النامية في الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال قنوات متعددة الأطراف، من بينها "مبادرة الحزام والطريق" و"التعاون الجنوبي الجنوبي" فقد أسّست الصين التحالف الدولي للتنمية الخضراء لمبادرة الحزام والطريق، وأطلقت منصة خدمات البيانات الضخمة للحزام والطريق بشأن الحماية الإيكولوجية والبيئية، بالإضافة إلى تعهُدها العام الماضي بأنها ستسعى جاهدة للوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل 2030، والوصول إلى تحييد الكربون قبل 2060، كما أعلنت تقديم المزيد من الدعم لدول نامية أخرى لتطوير طاقة خضراء ومنخفضة الكربون، وتعهدت بعدم بناء المزيد من مشاريع الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج.
ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى ما تضمنته وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية الصادرة في يناير 2016، حيث أكّدت على مواجھة التغير المناخي والتعاون في حماية البيئة والغابات والعمل بقوة على التواصل والتنسيق بين الصين والدول العربية في إطار "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ" و"اتفاقية التنوع البيولوجي" و"اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر" وغيرھا من الآليات.
الإيكولوجية وعملية التنمية
تُعد الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، حيث بلغ عدد سكانها بنهاية عام 2020 نحو 1411.78 مليون نسمة، وإذا كان النظام الإيكولوجي يعاني من مشاكل كبيرة، فإنه سيؤثر بدوره بشكل أو بآخر على موارد المياه والتربة والهواء والحياة البرية والزراعية المتنوعة التي يعتمد عليها السكان، مما يؤدي إلى الفوضى والاضطرابات، بل وقد يصل إلى انهيار الأمة، وعليه تصبح التنمية الوطنية حديثًا فارغًا، إذن لابد من العمل على إيجاد نظام إيكولوجي مآن ومستقر لضمان بقاء أية دولة..
وهو ما فطنت إليه الصين وقيادتها، فقام الرئيس شى جين بينغ بصياغة خطة متكاملة من خمسة محاور لدمج البناء الإيكولوجي في العملية الأوسع للتنمية السياسية، الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية، ودعا إلى حماية البيئة الإيكولوجية "مثل حماية أعيننا"، ما يدل على حكمة الرئيس الصيني ورؤيته البعيدة بشأن التنمية الخضراء، والتأكيد على التزام الحكومة الصينية بمبدأ احترام البيئة الطبيعية وحمايتها والتكيف معها.
وقامت الصين بدمج الحضارة الإيكولوجية في سياستها التنموية الوطنية وأدرجتها في دستورها، وأنقذت عددا من الكائنات المهددة بالانقراض، لا شك أن الصين لديها رؤية كبيرة فيما يتعلق بحماية التنوع البيولوجي وتستطيع بكين أن تقود العالم نحو سياسات خاصة في هذا الصدد.
الإيكولوجية مسئولية العالم
يحتاج تحقيق الحضارة الإيكولوجية العالمية إلى ضرورة تحمل مسئولية المصير المشترك من مختلف الدول، ولا شك أن تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع البشري يحتاج إلى جهود مشتركة من مختلف دول العالم في البناء المشترك للحضارة الإيكولوجية والتمتع ببيئة إيكولوجية جيدة، وهو المعنى الذي أكد عليه الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في كلمته أمام المؤتمر، بدعوته المجتمع الدولي إلى تعزيز التعاون وبناء توافق الآراء وتضافر القوى بشأن بناء مجتمع لجميع أشكال الحياة على الأرض..
وكذلك أكد عليه إعلان "كونمينغ" الصادر في ختام المؤتمر، والذي عكس وجود إرادة سياسية واسعة إزاء قضايا التنوع البيولوجي على المستوى العالمي، وبصفة عامة يمكن القول إن المؤتمر ينطوي على رسالة في غاية الأهمية مفادها استعداد الصين للعمل مع باقي دول العالم بهدف بناء مجتمع مشترك يضم جميع أشكال الحياة على الأرض، بما يعكس فلسفتها الرائدة في مجال الحضارة الإيكولوجية.