رحيل فيلسوف مصري في صمت
مهما بلغت العلوم مرتقي من التقدم والضبط والكشف والتنبؤ والاختراعات فلابد لكل ذلك من إطار للتفسير والفهم والشرح، ورغم كون الفلسفة أم العلوم لكن التخصصات التي استقلت عنها كالعلوم الرياضية والطبيعية والإنسانية أخذت لنفسها قدرا من روحها وهي تغادرها، لذا فإن الفلسفة علم التأويل والشرح والتفسير وبناء النماذج وأدوات الفهم والتحليل والتعريف للقيم والإنسان ومناقشة الوجود ومحاولة فهمه وفهم الألوهية والخلق والكون وفهم المجتمعات وهويتها وتعريفها لذاتها وعلاقتها بغيرها من الأمم في السلم والحرب والدولة وطبيعتها ونظم الحكم فيها والدين ومؤسساته والجدل والمادة والروح والنبوات والغيب.. والمناسبة رحيل الدكتور حسن حنفي الذي اجتهد وأخطأ وأصاب في مجال الفلسفة، وانطبقت عليه مقولة: (ويل لمن سبق فكره عصره) ويعتبر حسن حنفي أحد منظّري تيار اليسار الإسلامي، وتيار علم الاستغراب، وأحد المفكرين المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية.
ركز حسن حنفي طيلة حياته على قضية تجديد التراث الديني وكان له مشروعه الخاص الذي ركز فيه على تحويل القضية إلى ثقافة شعبية وسياسية، كانت له أقوال بارزة تعبر عن فكره مثل "العلمانية روح الإسلام"، و"التراث ابن عصره"، و"التجديد ينشأ من الثقافة الشعبية للناس".. تعرض الدكتور حسن حنفي كثيرا للهجوم وتم اتهامه كتيرا لأنه دعا لإعمال العقل بدل النقل..
اجتهاد حسن حنفي
ولكن الشطط أصاب اجتهاداته وخاصة في محاولاته لتجديد اللغة، فقد تطرق لكل الثوابت حتي لفظ الله تعالي بل راح الرجل ينزل كل الصفات الإنسانية علي الخالق، بينما كان يري أن الناصرية موجودة في قلوب الناس وكأنها حلم حياتهم المعرض في الماضي.. فالمستقبل للناصرية الشعبية التي هي استرداد للناصرية القديمة وكان مؤمنا بمشروعه (من العقيدة إلى الثورة) الذى صاغه فى خمسة مجلدات ليتبعه بعدة مشاريع أخرى تمثل قراءة جديدة لإعادة صياغة عددا من العلوم فى ثقافتنا وتراثنا الإسلامى، وحسب روايته أنه قال للشيخ محمد الغزالى رحمه الله: نحن نقول أى (الغزالى وحسن حنفى) نفس الشيء لكن بلغة مختلفة نحن فى خندق واحد ونسعى لهدف واحد.
وقد تابع أبناء جيلي حواراته مع محمد عابد الجابري ثم حوارات جورج طرابيشي مع الجابري حول المشرق والمغرب، وكتاباته في مجلة اليسار الإسلامي ودعوته لتيار تقدمي يجمع بين قيم العدالة والحرية وبين قيم الإسلام، ولكن لم يقدر له النجاح وباعتباره فيلسوفا مشتغلا بالفلسفة فإنه دخل في دهاليزها وآفاقها حتى تاه في سراديبها، ومن ثم سيظل علامة من علامتها، ولكنه سيظل أيضا موضوعا للاختلاف والتنازع وربما الشقاق مع الذين ينظرون للفلسفة على أنها عمل من أعمال الشقاق مع علوم الدين..
واجه الدكتور حسن حنفي معارك عاتية ضده على صفحات جريدة الشعب كان يشنها عليه الدكتور يحي إسماعيل حبلوش ويوصمه وقتها بالردة، وقد استرحت حين نعاه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقال بأنه «قضى عمره في محراب الفكر والفلسفة»، وأن «المكتبات العربية والعالمية زخرت بمؤلفاته وتحقيقاته». ولم ينس شيخ الازهر له مطالبته الغربَ والمستشرقين بإنصاف الشرق والحضارة الشرقية والقيم الإنسانية النبيلة.
كما أصدر الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، بيانًا نعي فيه الدكتور حسن حنفي وقال فيه ان الفيلسوف حسن حفني كانت له جهود عظيمة في إثراء الثقافة والفكر والمكتبات، في عالمنا العربي فحسب، والعالم الغربي كذلك.
أي أن أعلي قامات دينية نعت الرجل، والمعني أنه مجتهد كبير بلا ريب وللمجتهد أجر إن أخطأ وأجران إن أصاب، والله حسيبه وهو وليه يتولاه بلطفه ورحمته وعفوه.