مصر أكبر من أفلام الدنيا كلها
هذه المرة التقط صحفي مجموعة من الفنانين خرجوا أثناء عرض فيلم ريش فى مهرجان الجونة وأول تعليق على أسباب تركهم العرض قاله فى غضب شريف منير وهو أنه فيلم مسيئ لمصر! وانتشر القول وقامت التعليقات من كل صنف ولون من يدافع بأن الأفلام بشكل عام وجهات نظر.. أما إن يعجبك أو لا يعجبك بالمرة.. وهو كلام بالطبع معقول ومقبول!
وعلي الجانب الآخر ثارت بشكل غير طبيعي التعليقات التي تتهم الفيلم بالإساءة وتشويه صورة مصر في عزف نشاز للحن قديم بعازفين جدد ورثوا صكوك الوطنية من سلفهم الراحلين.
خاصة وأن أهم أفلام السينما المصرية كالجوع وبداية ونهاية والزوجة الثانية وسواق الأتوبيس وثرثرة فوق النيل كلها أفلام تصنف كأفلام واقع ولم تحدث تلك الضجة وبعد نشر ملخص بسيط عن فيلم ريش تبين أنه على حد وصف البعض هو مصنف فانتازيا..
وبدا أن التجارة بالوطنية مهنة قديمة مغموسة بالنفاق والجهل ولو تفكروا قليلا لاستخدموا الفيلم كدليل علي النهضة الخرافية التي تمت خلال أربع سنوات بين وقت إعداد الفيلم وعرضه.
ومن يتصورون إن فيلما أو مشهدا يمكن أن يسيئ لمصر سذاجة لامثيل لها، فمصر أكبر من كل الأفلام بلا مبالغة، لكننا اعتدنا ألا نرى سوى ما هو تحت أقدامنا فقط بينما الشارع يمتلئ بالجميل والقبيح، ومن حقنا أن نتخذ موقفا ولكن ليس من حقنا إدانة من يختلف معنا، ولا يوجد شىء يضر بسمعة مصر سوى واقعها السيىء..
تحسين صورة مصر
كما أن السينما المصرية لا يشاهدها سوى المصريين والعرب فى العالم كله، فهى ليست مرئية بالدرجة الكافية لتؤثر بالسلب على سمعة مصر، ولم يتوقف أحد عند حقيقة أن مصر تأتى فى قائمة «الدول الأكثر تحرشا بالنساء»، وإذا أردنا فعلا تحسين صورة مصر فى الخارج، فعلينا أن نبدأ أولا من الداخل، وعندئذ فقط تتحسن صورة مصر فى الخارج. وليس فقط من أجل ملف حقوق الإنسان، ولكن أيضا من أجل تشجيع السياحة والإستثمار الأجنبى لأن بناء الصورة الذهنية «العلامة التجارية للدول» هى إستراتيجية لتعظيم سمعة دولة ما..
وهذه الإستراتيجية يقاس نجاحها من عدمه بالصادرات والإستثمار المباشر والسياحة، وهى عملية يشارك فيها الجميع، والمقصود بالصورة العامة لأى دولة هو الإنطباع العام الذى يتكون عن هذه الدولة أو تلك. ولنضرب مثلا بالصين التى كان الإنطباع العام عنها قبل الثورة الشيوعية فى عام ١٩٤٩، أنها دولة متخلفة لا يفيق شعبها من تدخين الأفيون. إختلفت الصورة الآن بعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية صاعدة، واختفت صورة الصينى الذى يدخن الأفيون لتحل محلها صور ناطحات السحاب بالمدن الصينية، مثلها مثل نيويورك ولندن وطوكيو..
دعم السينما
فالصورة العامة مثلا عن دبى أو الدول الأسيوية الصاعدة، هى سهولة وسرعة الإجراءات البيروقراطية لديها مقارنة بدول أخرى، ناهيك عن مكانة المواطن المحلى فى هذه الدول وكيف تتعامل الدولة معه. فلابد أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية على هذه الدول ولا تذهب إلى دول أخرى. فكيف نصل بمصر إلى تلك الصورة الإيجابية حتى تتدفق السياحة والإستثمارات علينا؟
وإذا طلبت الدولة أن تقدم السينما بشكل معين فعليها أن تدفع مقابل ذلك، ولا يكون الأمر مجرد توجيهات فقط، فإذا أرادت الدولة الحديث عن الأشياء الجميلة فى مصر فيجب أن تدعم السينما، ولكن ما نراه على النقيض من ذلك، فالدولة لا تدفع شيئا للسينما بل وتزيد من الضرائب المفروضة عليها، وتزيد من أسعار تذاكرها وتطلب مئات الألآف للتصوير في الأماكن الأثرية، بالإضافة للعديد من المعوقات العديدة الأخرى التى تواجه السينمائيين وبإختصار فإن مصر بلد كبير قوي وأكبر من كل أفلام الدنيا، وعيب جدا القول بأن هناك فيلم يسئ لها.