كواليس معركة "ردع روسيا" بسلاح "الناتو".. أمريكا تديرها من "خلف الستار"
«إغلاق مكاتب.. طرد أعضاء فى البعثات.. واتهامات بالتجسس».. تطورات متسارعة شهدتها العلاقة بين دول شمال الأطلسى «الناتو»، وروسيا، تشير جميعها إلى أن الأمور فى طريقها لمزيد من «التأزم»، وما زاد الأمور سوءا، التصريحات، أو الاتهامات، التى تبادلها ينس ستولتنبرج، الأمين العام لـ«الناتو» و«الخارجية» الروسية، التى اتهمت «ستولتنبرج»، بلعب دور كبير فيما وصفته بـ«التدمير المنهجي» لعلاقات الحلف مع روسيا، ولم يقف التصعيد عند هذا الحد، حيث سارعت «موسكو»، بالإعلان عن تعليق عمل بعثتها لدى الحلف وإغلاق مكاتبه لديها ردًّا على طرد «الناتو» 8 من أعضاء البعثة الروسية بتهمة التجسس، رغم تأكيد الأمين العام للحلف أن سياسته تجاه روسيا تبقى قائمة على «الردع ومحاولة الحوار».
الناتو
ورغم الاتهامات المتبادلة بين «الناتو» و«موسكو»، نفت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية الاتهامات الموجهة لأعضاء بعثتها فى حلف الناتو بالتجسس، والتى أطلقت موجة جديدة من التوتر بين موسكو والحلف، مؤكدة أنه لا أساس لهذه الاتهامات، وأن أعضاء البعثة الذين طردوا من بروكسل مطلع أكتوبر الجارى لم يثبت تورطهم فى أي نشاطات خبيثة كما يزعم البعض، وأن ما يقوم به الحلف خطوة لتدمير العلاقات مع روسيا بشكل منهجى من خلال التعامل بمنطق الحرب الباردة.
وردا على التحركات الروسية، أعرب الأمين العام للحلف ينس ستولنبرج، عن أسفه لقرار «موسكو» بإغلاق مكاتب «الناتو»، وإيقاف نشاط بعثتها الدبلوماسية فى مقر الحلف، واضطرارهم لطرد الدبلوماسيين الروس الثمانية من البعثة الروسية لدى الحلف مطلع الشهر الجارى، بعد ظهور معلومات استخباراتية تؤكد تجسسهم وعدم التزامهم بمهامهم الأساسية، ما وضع العلاقات بين الطرفين فى أدنى مستوى.
وبشأن سيناريوهات المستقبل والمواجهة بين حلف شمال الأطلسى (الناتو، وروسيا)، وتصاعد حدة الحرب الكلامية بينهما، قال الدكتور محمد فراج، الخبير فى الشأن الروسى: علينا أن ندرك أولا أنه هناك أساس جذرى كبير للخلاف بين «الناتو» و«موسكو»، والذى يتمثل فى محاولة توسع حلف الناتو باتجاه الشرق وفى الجمهوريات السوفييتية السابقة المحيطة بروسيا، وهو ما تعتبره الأخيرة بمنزلة حصار هدفه إضعافها طوال الوقت، لذا فإن «موسكو» ترفض تلك السياسة باعتبارها خطرا على أمنها القومى.
وأضاف: محاولات الناتو المستمرة للتوسع والتى وصلت عام 2008، لقيام الناتو بمحاولة جورجيا من خلال تشجيعها على سياسة عدوانية تجاه روسيا، وبالفعل نجحت جورجيا فى ضرب عدة مدن روسية جنوب القوقاز، الأمر الذى دفع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لحشد قواته والوصول بها إلى قرب العاصمة جورجيا واحتلال أجزاء منها وإحباط خطة توسع الناتو هناك، لكن بعد ذلك جاء الخلاف حول أوكرانيا، وذلك من خلال مساعى «الناتو» المستمرة لتحقيق أهدافه من خلال أوكرانيا المجاورة لروسيا بنحو 1500 كيلومتر، والتى تلاصق الكتلة المركزية الصناعية والسكانية الروسية، وبالتالى فإن وجود قوات الناتو على هذه الحدود يعنى وجود قوات معادية بوجه قلب روسيا وهذا يتناقض مع العديد من الاتفاقيات المنعقدة، والتى من بينها الحد من الأسلحة النووية والتقليدية وانتشار القوات على الحدود وما إلى ذلك.
وأضاف «فراج»: هذا الإصرار على ضم أوكرانيا دفع «الناتو» لتشكيل ثورة مضادة فى كييف، والإطاحة برئيس منتخب وإعلان إنهاء خدمة القواعد الروسية الرئيسية فى القرم، وبالتالى كان يجب على روسيا سرعة التحرك، فالسلطة التى أطاحت بالرئيس المنتخب فى ذلك الوقت، وتحديدا عام 2014 منعوا الروس من استخدام لغتهم الأم فى المناطق التى سكانها من أصول روسية سواء فى المدارس أو البرامج التليفزيونية، وهو ما دفع الروس للتمرد وإعلان الرغبة فى استقلالها عن أوكرانيا ومحاولتها لضم شبة جزيرة القرم والتى أرضها فى الأصل كانت روسية، نظرا لأن السلطات الأوكرانية كانت تعتزم وبشكل معلن طرد القادة الروس من قواعدها ومنح القواعد للناتو وهذا يعنى خنق روسيا، لكنها لم تمكنهم من ذلك الحلم المستحيل.
وتابع: بالعودة إلى عام 2014، فإن «الناتو» قرر تعليق التعاون العملى مع روسيا، ردًا على التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، وشكلت تلك القضية نقطة تحول دراماتيكية فى العلاقة مع الحلف، ورغم ذلك بقيت قنوات الاتصال السياسية والعسكرية مفتوحة، كما تداول الحديث بأن «الناتو» خطط لبناء قاعدة سفن وصواريخ فى شبه جزيرة القرم، لكن الحلف نفى ذلك، مؤكدا أن علاقة روسيا بالغرب تدهورت منذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم فى 2014 من أوكرانيا، ودعمها للانفصاليين الموالين لروسيا فى شرقى البلاد، فيما اتهمت موسكو من جانبها الغرب بـ«التدخل فى انتخاباتها ودعم القوى المناهضة للكرملين فى دول مثل أوكرانيا وجورجيا، التى تعتبرها روسيا جزءًا من مجال نفوذها التقليدي».
بايدن
«د.فراج» أضاف: لذا بسبب الخطوات الأخيرة والمستمرة منذ وقت طويل من قبل حلف شمال الأطلسى، أعلنت روسيا أنه بحلول أوائل الشهر المقبل، ستوقف روسيا أنشطة مكتبها التمثيلى فى مقر «الناتو» فى بروكسل، وستسحب أوراق الاعتماد الدبلوماسية من مبعوثى الحلف العاملين فى موسكو، بعد أن أقام الحلف نظامًا مانعًا للدبلوماسيين الروس فى بروكسل بمنعهم من دخول مقره الرئيسى. وبدون زيارة المبنى، لا يمكنهم الحفاظ على العلاقات مع مسئولى التحالف.
بدوره.. قال الدكتور أشرف كمال، مدير مركز الدراسات الروسية بالقاهرة: أجواء التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسى «الناتو» لم تكد تتلاشى حتى تعود من جديد، وطرد الحلف عدد من الدبلوماسيين الروس بذريعة القيام بأعمال استخباراتية، استدعى خروج وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، بتصريح شديد اللهجة واعتبار ما يقوم به الحلف ليس مجرد حملة بسيطة تتطلب المعاملة بالمثل، وأعلن قرار موسكو بإغلاق أو تعليق عمل البعثة الدبلوماسية الروسية المعتمدة لدى الحلف، واستدعاء جميع الدبلوماسيين الروس، كما أعلن «لافروف» إغلاق بعثة الاتصال العسكرية لحلف شمال الأطلسى فى موسكو، الملحقة بوزارة الدفاع الروسية، ومكتب الإعلام فى موسكو التابع لحلف شمال الأطلسى، بداية من الأول من نوفمبر المقبل، وأنه يتعين على جميع أفراد البعثة مغادرة موسكو بحلول نوفمبر المقبل، إضافة إلى الإعلان عن أن السفارة الروسية فى بلجيكا ستتولى إدارة أي عمل محتمل بالناتو، وعرض على الغرب تعيين إحدى سفارات الدول الأعضاء فى الناتو فى موسكو للتعامل مع القضايا المتعلقة بالحلف.
وتابع «د.أشرف»: رغم الاتفاق الذى تم توقيعه بين موسكو والحلف عام 1998 بهدف زيادة الثقة والشفافية والتعاون، والتفاهمات التى جرت بين الجانبين عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 فى محاربة الإرهاب وفى عام 2002 إنشاء مجلس (روسيا الناتو) لكن كل هذه الجهود أصبحت من الماضى فى ظل ممارسات وسياسات حلف شمال الأطلسى تجاه «روسيا بوتين» تأتي مدفوعة بأجواء الحرب الباردة، فى إطار إستراتيجية غربية تقودها الولايات المتحدة، تستهدف الحد من دور روسيا على الساحة الدولية، كأحد القوى المؤثرة. يتبنى الحلف عقيدة عسكرية تعتبر روسيا «تهديدا وخصم عسكري» بينما يرى الكرملين فى سلوك الحلف الأطلسى والغرب بقيادة الولايات المتحدة، محاولات مستمرة لخلق دوائر من الخطر اللامتناهى على مصالح روسيا الإقليمية والدولية.
مدير مركز الدراسات الروسية، أضاف: تأكيدا على عدم تخلى الحلف وحلفاء واشنطن عن مبدأ «المواجهة مع روسيا»، أقر وزراء دفاع الدول الأعضاء خلال الاجتماع فى بروكسل الخميس الماضى الموافق 21 من أكتوبر الجارى، خطة جديدة لما قالو عنه «ردع روسيا» رغم اعتراف الدول الأعضاء بعدم وجود أي مؤشر على قيام روسيا بالاستعداد لهجوم عسكرى وشيك، وفى موسكو تحدث وزير الدفاع الروسى، سيرجى شويجو فى اجتماع مشترك لكبار الضباط الروس والبيلاروسيين عن الحشد المستمر لقوات الناتو على حدود روسيا وحلفائها، والمناورات العسكرية المستمرة للحلف، حيث أعلن شويجو عن خطط للموافقة على عقيدة عسكرية مشتركة لدولة الاتحاد (روسيا وبيلاروس)، وأشار إلى أن الإدارات العسكرية فى البلدين تحولت إلى التخطيط للتعاون العسكرى الثنائى على أساس برنامج شراكة إستراتيجية تم تطويره لمدة خمس سنوات يتوسع نطاق تدريب القوات ووكالات القيادة والسيطرة.
وأوضح أنه «بشكل عام، تؤكد الإستراتيجية الجديدة للأمن القومى الروسى، والتى أعلنها الكرملين مؤخرا، على تصاعد التهديد باستخدام القوة العسكرية، وتزايد خطر النزاعات المسلحة إقليميا ودوليا، واستمرار محاولات استخدام الفضاء الخارجى وفضاء تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، لتنفيذ عمليات عسكرية، فضلا عن تمسك حلف شمال الأطلسى (الناتو) بالتوسع شرقا بالقرب من الحدود الروسية، وتكثيف الأنشطة الاستخباراتية، واستخدام تشكيلات عسكرية كبيرة فى منطقة الجوار الروسى، وكذا إضعاف قواعد ومبادئ القانون الدولى، والمؤسسات القانونية الدولية القائمة، واستمرار تفكيك نظام المعاهدات والاتفاقيات فى مجال منع الانتشار والحد من التسليح ومنع الانتشار النووى، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة التوتر العسكرى والسياسى، إلى جانب الرغبة لدى الغرب فى عزل روسيا وممارسة المعايير المزدوجة وعرقلة التعاون متعدد الأطراف.
«د.أشرف» فى سياق حديثه أشار إلى أن حلف شمال الأطلسى جزء من إستراتيجية أمريكية تعمل على تطوير عمليات عسكرية مختلفة فى أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع استمرار تصاعد التوترات فى فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان، الأمر الذى يؤدى إلى ضعف النظم الأمنية العالمية والإقليمية.
وتابع: من أجل كل ذلك، لن تقف موسكو مكتوفة الأيدى ومن الطبيعى أن يأتى رد فعل الكرملين مناسب للتهديدات، باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة، للحفاظ على سيادة الدولة ومن خلال سياسة خارجية مستقلة، وتعزيز قدرات الدولة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، والإستراتيجية الروسية وصفت المشهد الراهن على الساحة الدولية بـ«المتوتر» و«غير المستقر» والمرشح إلى اندلاع مواجهات عسكرية، ما يجعل العالم يقف على أعتاب سيناريوهات مختلفة وأحداث كثيرة محتملة وردود أفعال منها المتوقع وغير المتوقع، كما أن اعتبار روسيا شريك دولى فى تسوية النزاعات والتعاطى مع موسكو على أساس الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة من شأنه تغيير المعادلة من المواجهة إلى الحوار الإيجابى.
نقلًا عن العدد الورقي…،