ما يصل الميت من أعمال غيره الصالحة
أجمعُ أهلُ العِلم على وصول أجر الدُعاء، والصدقة، والهدي للميت، لما ورد في الأحاديث السابقة، ومن الأعمال التي يَصل ثوابها للميت من أعمالِ غيره ما يأتي:
قراءة القرآن
تعدّدت آراء الفقهاء في وصول أجر قراءة القرآن للميّت؛ فذهب الحنفيّةُ والحنابلة إلى القول بجواز قراءة القُرآن للميت، ثُمّ إهداء ثوابها له، ويرى المُتقدّمون من المالكيّة إلى القول بكراهة قراءة القُرآن للميت، وعدم وصول ثوابها له، وأمّا المُتأخّرون فيرون عدم البأس في ذلك، ويرى الشافعيّة بعدم وصول ثواب القِراءة للميت، وقال بعضهم يصل، وقال كثيرٌ من أهل العلم بجواز قراءة القُرآن للميت وإهداء ثوابها له، ووصولها إليه، ودليل ذلك ما ثبت عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بجواز الصدقة عن الميت، أو الصومِ أو الحجِ عنه.
الصدقة
ثبت في العديد من الأحاديث الشريفة وصول أجر الصدقة من الأحياء إلى الأموات، لما جاء عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وأُرَاهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا)، ومعنى افتلتت - ماتت فجأة- من غير إنذارٍ لها، ولم توصي بشيء، فيُسنُ الصدقة عن الميت، وقد أجمع أهلُ العِلم على جواز التصدُّقِ عن الميت، ووصول ذلك له، والانتفاعِ بها.
الدعاء
دلّت الأحاديث الصحيحة على انتفاع الميت بالدُعاء، ولكنّ الدُعاء من الأمور المُتّفقِ على وُصول ثوابها للميّت؛ ومن ذلك الاستغفار له، ومن الأدلّة على ذلك قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا صلَّيْتُم على الميِّتِ، فأخْلِصوا له الدُّعاءَ)، كما يُسنّ للمسلم الوقوف عند قبر الميت بعد دفنه، والدُعاءُ له، والاستغفار له، وسؤال الله -تعالى- له بالثبات، ونقل الإمام النوويّ الإجماع على أنَّ الدُعاء للميت ينفعهُ ويَصلُ إليه، كما اتفق العُلماء أيضًا على وُصول ثواب الاستغفار للميت، وذلك لِما ورد عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من وُقوفه على قبر الميت بعد دفنه، وطلبه من الحاضرين الاستغفار له، والدُعاء له بالثبات عند سؤال الملكين له.
الحج والعمرة
إنّ للفقهاء رأيين في حكم الحجّ والعمرة عن الميّت ووصول ثوابها للميّت، وبيان ذلك فيما يأتي:
ذهب الجُمهور إلى جواز الحجّ أو العُمرةِ عن الميت، واستدلّوا بعدة أدلّة منها قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ فَهلْ يَقْضِي عنْه أنْ أحُجَّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ).
يرى المالكيّة عدم جواز الحج أو العمرة عن الغير، سواءً كان حيًا أو ميتًا، معذورًا أو غير معذور، والأفضل الهدي أو التصدُّق عنه، أو الدُعاء له، واستدلّوا بقولهِ -تعالى- عن الحجِّ: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)؛ فلا يجبُ الحجّ على غير المُستطيع، كما أنّها من العبادات التي لا تجوز النيابةُ فيها عندهم.