ما الذي يصل الميت بعد موته من أعماله الصالحة؟
إنَّ ما يَصل للميت من أعمالٍ صالحةٍ قد تكون من عمله أو من عمل غيره، أمّا ما يَحصل عليه من أجرٍ عَمِله بنفسه، كقوله -تعالى-: (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) فهو له، ولا تناقض مع قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- الذي أخبر فيه بوصول أجر الصدقة الجاريّة للميت، والعلم الذي يُنتفعُ به، والولد الصالح الذي يدعو له، فالصدقة من عمله، والعلم من سَعيه، والولد ثمرة تأديبه وتربيته.
وفيما يأتي بيانٌ للأعمال التي تلحق الميت بعد موته، ويَصلهُ أجرُها وثوابُها:
ما هو العلم النافع
يُعدُّ العلم النافع الذي يتركُه الإنسان في حياته من الأعمال التي تلحقهُ بعد موته، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّ مِمَّا يلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِه بعدَ موتِه عِلمًا علَّمَه ونشرَه)، ويُضافُ إلى ذلك تعليم الناس الخير، ونشره بينهم، ودعوتهم إليه، وأخبر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنَّ هداية الناس خيرٌ من حُمُر النَّعم؛ وهي الإِبِل النفيسة، وقد أثنى الله -تعالى- على المؤمن الذي يستغفر لمن سبقهُ من المؤمنين، لِقولهِ -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)، ومما يدُلُّ على انتفاعه بذلك؛ ما جاءت به السُنّة من مشروعية الدُعاء في صلاة الجنازة.
ويدخُل في باب العلم النافع: تأليف الكُتب التي تنفع الناس في دُنياهُم وأُخراهم، أو إلقاءِ الدُروس والمُحاضرات، وكذلك الابتكارات التي تُسهّل على الناس حياتهم، إن كان يُقصد بذلك وجه الله -تعالى-. فالعلمُ يبقى ثوابه ما دام الناس ينتفعون به؛ كالعلم الذي تركه الإمام البُخاريّ، ومُسلم، وغيرهم من أئمة الحديث والفقه، كُلٌّ بحسب نفعه للناس، يقولُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (فواللهِ لأنْ يهْدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أنْ يكونَ لك حُمرِ النعمِ).
ثواب الصدقة الجارية
تُعدُّ الصدقات الجارية من الأعمال التي يَنتفعُ بها الإنسان بعد موته، وأمثلةُ الصدقة الجارية كثيرة ومُتنوّعة؛ كبناء المساجد التي تُقامُ بها الشعائرُ الدينيّة ودُروس العلم، أو بناء البيوت للغريب والمُسافر، ولمن لا بيتَ له ولا مأوى، أو حفر الآبار، أو زراعة الأشجار التي يستظلّ الناس بِظلّها، وينتفعون من ثِمارها، أو توريث مُصحفٍ للقراءة فيه، أو وقف المصاحف في أماكن العبادة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).
ويشتركُ في الأجر كُلُّ من شارك أو ساهم بهذه الصدقة، فقد جاء عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- قوله: (سبعٌ يَجري للعبدِ أجرُهُنَّ، وهوَ في قَبرِه بعدَ موتِه: مَن علَّمَ علمًا، أو أجرَى نهرًا، أو حفَر بِئرًا، أوغرَسَ نخلًا، أو بنَى مسجِدًا، أو ورَّثَ مُصحفًا، أو ترَكَ ولدًا يستغفِرُ لهُ بعد موتِه). وقد وعدَ الله -تعالى- صاحبَ الصدقات بالأجرِ الكبير والعظيم في الدُنيا والآخرة، لِقوله -تعالى-: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
مزايا الولد الصالح
الولد الصالح: هو الولد الذي عَرَف ربَّه، وحقّ والديه، فيدعو لهُما بالمغفرة والرحمة، أو يقوم بأعمالٍ تنفعهُما بعد موتهما؛ كالتصدُّق والحجِّ عنهُما، ويَهب ثواب ما عمل لهُما،فيَتَّبع المسلم ما علّمه والداهُ له من الأعمال الصالحة، حيثُ إنّهما سببًا في تعليمه وتأديبه على طاعة الله، ونهيه عن معصيته، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)، والولد قد يكون ذكرًا أو أُنثى، لأنّهما من كسبه، وهما امتدادٌ لوالديهما، وخصَّ الحديث الأبناء بالذّكر مع أنّ ثواب الدُعاء يصل لهم من غيرهم من الناس، لأنّهم الأقرب والأولى بوالديهما.
وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنّ الأعمال الصالحة لا تتبع الإنسان بعد موته جميعها، وإنّما حدّدها في العديد من الأحاديث التي تمّ ذكرها خلال المقال؛ كالعلم، والولد الصالح، والصدقة بجميعِ أنواعها، والسُّنّة الحسنة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ له مِثْلُ أَجْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عليه مِثْلُ وِزْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ).