رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع مبارك الجزء 3


كانت نبرة صوته المميزة هي أول من استقبلتني على الباب، ابتسمت رغما عني وأنا أغلق الباب خلفي، فلقد تعودت على نبرته مدة ثلاثين عاما، كان جالسا على كرسي أمامه شاشة تلفاز كبيرة بجواره منضدة متوسطة الحجم عليها جهاز كمبيوتر محمول، بالغرفة أيضا أجهزة قياس الضغط والقلب وغيرهما بالإضافة إلى سرير ودولاب ضخم وثلاجة صغيرة.
استدرت لأطالع ملامحه لأول مرة على الطبيعة بعدما رأيته على الشاشات خلف القضبان، مازالت ملامحه فتية برغم أعوامه الثمانين ونيف نظراته مليئة بالذكاء والتوجس والريبة، سلمت عليه، يده لا تخفي تغضنات الزمن، رعشة خفيفة والكثير من الضعف والوهن، أجلس قبالته على كرسي آخر. 
" ازيك يا فندم "
بنبرة شديدة القوة 
" قوللي يا ريس " 
ابتسم 
" أزيك ياريس.. أخبار صحتك "
" جاي علشان تسأل على صحتي "
" لأ طبعا يا ريس جاي علشان... "
مقاطعا قال مبارك 
" جاي علشان تعمل معايا حوار ينفع يبقي مذاكرات " 
أكاد افتح فمي لأرد عليه ولكنه يبادرني 
" مين اللى بعتك يا بني "
الموقف يتوتر، ومبارك في حالة عصبية لا تخفي على عين، ويده تزداد ارتعاشا، أحاول أن ألطف حدة الموقف وأهدئ من روع الرجل الذي أصبح يشك في كل الناس 
" كل المسألة إني عاوز أعمل حاجة للتاريخ.. علشان الناس تعرف مالك وما عليك "
" التاريخ هيقول إني كنت كويس "
" التاريخ يا ريس بيتكتب بعد خمسين سنة يعني لازم الجيل الحالي يفهم كل حاجة علشان هو إلى بيحرك التاريخ دلوقتي.. وماحدش باعتني ياريس. أنا جاي من نفسي " 
نظر إلى مبارك نظرة توجس شديدة، ثم أشار بيده 
" قوم افتح التلاجة وهات لنا عصير " 
بدا الجو المتوتر يذوب شيئا خفيفا، فتحت علبة عصير لمبارك وصببتها في كوب ثم أخرجت جهاز تسجيل صغيرا وأوراقا وقلما، وقلت لمبارك 
" نبدأ " 
" تحب منين " 
" من البداية " 
" كفر المصيلحة 4 مايو 1928 " 
سألت مبارك 
" دايما مش بتتكلم عن حياتك قبل الليلة الحربية والجوية " 
" مالكش دعوة ماتسألش " 
" نفس الرد على مفيد فوزي " 
" يهمك في إية علاقتي بأهلي " 
" ضرورة ياريس علشان استكمال الصورة " 
" برضه مالكش دعوة نبدأ من الحياة العسكرية " 
" معروف ياريس أنك اتخرجت من الكلية الحربية سنة 1949 وبعدها التحقت بسلاح المشاه " 
قال مبارك وعينيه تسبح في الذكريات 
" فعلا أنا اتخرجت بعد نهاية حرب فلسطين واشتغلت في اللواء الثاني الميكانيكي مشاة.. كانت حرب 48 لسة في بال كل الضباط وخصوصا اللي رجعوا من الحرب واتكوا بنار الأسلحة الفاسدة " 
" حضرتك كنت من الضباط الأحرار ؟ " 
ابتسم وهو يقول 
" تقريبا " 
كنت بالفعل قد قرأت اسم محمد حسني كأحد ضباط الطيران في حركة الضباط الأحرار وذكره بالاسم الكاتب أحمد حمروش في كتابه قصة ثورة 23 يوليو، ابتسامته تؤكد أنه من الضباط الأحرار. 

الجريدة الرسمية