في ذكرى وفاة مؤسس أول جريدة يومية.. جريمة الصحافة في حياة علي يوسف
توفي، في مثل هذا اليوم، علي يوسف الشيخ الذي سلك طريق الصحافة وتمكن منه، وأسس أول جريدة مصرية يومية، ولكن هذا الطريق كان سببا في انهيار حياته الزوجية، لأن الزوج فقير ويعمل بالصحافة، تلك القصة التي رواها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين في كتابه «أيام لها تاريخ».
ميلاد علي يوسف
ولد الشيخ علي يوسف في قرية بلصفورة بسوهاج، وسافر للقاهرة لاستكمال تعليمه في الأزهر الشريف ليتلقى العلم لعله يصبح فقيهًا أو معلمًا، وإن فشل يتكسب الرزق بقراءة القرآن على المقابر، وبمرور الوقت أصبحت أعماله مختلفة كثيرا عن ذلك.
بعدما انتهي علي يوسف من دراسته في الأزهر، كتب بعض الرسائل العلمية والمقالات وإرسالها للصحف، ثم أغرته الصحافة فدخل ميدانها وعمل في مجلة «القاهرة الحرة»، ثم أصدر مجلة «الآداب».
أول جريدة يومية
وبمرور الوقت، كان علي يوسف أول من يصمم جريدة مصرية يومية وهي المؤيد، وكتب فيها كبار الشخصيات من بينهم قاسم أمين، وسعد زغلول، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ومصطفى كامل.
استطاع يوسف على توثيق علاقته بكبار رجال الدولة، وزادت علاقته بالخديوي حلمي الثاني، ثم بالخليفة التركي في القسطنطينية، وازدان صدره بأرفع أوسمة الدولة ونياشينها، وأصبح رجلًا مرموقًا مرغوبًا، إلى جانب كونه صاحب قلم جبار يغرس كل صباح في صدور الإنجليز.
وفي ذلك الوقت، طرق على ذهن علي يوسف أن يتزوج زوجة ثانية ذات حسب ونسب تليق بمكانته الجديدة، وخاصة أن زوجته الأولي تليق بكونه كان فقيرا، هداه البحث إلى بيت السيد «السادات»، فهو بيت ثراء وعراقة من وقت بعيد، وهم أشراف من سلالة الحسين وأحفاد النبي (ص).
واستقر على صفية الابنة الصغرى للسادات أحد أعيان الدولة، التي كانت تتميز بأنها بيضاء اللون، جميلة الوجه، بدينة جدًا، ولم يرض السيد السادات بسهولة إلا بعد أن توسط لـ«العريس» الوسطاء من الوزراء والأمراء والكبار.
وافق السادات واستمرت الخطوبة ما يقرب من 4 أعوام، وكلما يسأله يوسف عن موعد الزفاف كان يماطله في الرد ويخلق العراقيل، حتى ضاق «يوسف» بالأمر، ورأى أن الوضع أصبح مهينًا لكرامته، كما ضاقت العروس مثله.
زواج علي يوسف
واتفق يوسف مع العروس على أن تخرج من بيت أبوها لبيت السيد البكري الذي كان من أقارب أسرة السادات، وهناك كان المأذون في الانتظار، وعقد القرآن وانطلقت الزغاريد، واستيقظ السادات على خبر منشور في جريدة المقطم بزواج ابنته من علي يوسف، فقرر مقاضاته أمام النيابة العامة لأنها غرر بابنته.
معارضة السادات
وأظهرت التحريات أن السيدة صفية بلغت الرشد ومن حقها شرعًا أن تزوج نفسها، وقد حضر القران عدد كبير من أقارب العروس، فليست هناك أية شبهة يمكن أن يستنتج منها أن «يوسف» غرر بها، وحفظت النيابة البلاغ.
لم يسكت «السادات» على هذا القرار، فرفع دعوى أمام المحكمة الشرعية يطالب فيها الحكم بإبطال الزواج استنادا إلى أن الشريعة تشترط لصحة الزواج وجود تكافؤ بين الزوجين في الإسلام والنسب والمال والحرفة، والشيخ يوسف غير متكافئ مع نسب السادات الرفيع، كما أنه يعمل في مهنة الجرائد التي هي – كما قال في صحيفة دعواه- «أحقر الحرف.. وعار وشنار عليه»، وحددت جلسة للنظر في القضية.
وفي اليوم الموعود كان القضية هو الشيخ أبو خطوة المعروف عنه بتزمته الشديد، ففي الجلسة الأولى حكم – مبدئيًا – بتسليم «صفية» إلى أبيها لمنع المخالطة الزوجية حتى يفصل نهائيًا،
وافق «يوسف» ولكن زوجته رفضت ذلك، وأعلنت أنها إذا عادت فستتعرض لأذى شديد، واهتدى الزوج إلى حل فاتفق معها على أن تترك بيت الزوجية وتذهب إلى بيت رجل محايد مؤتمن، وهو بيت العالم الجليل الشيخ الرافعي المعروف بحسن السمعة، وانتقلت فعلا إلى بيته وأرسلت إلى المحكمة خطابًا بذلك.
وفي الجلسة الثانية رفض الشيخ أبو خطوة هذا الحل، وأعلن أنه لا يعتبره تنفيذًا لقرار المحكمة، وقرر إيقاف القضية وإضرابه عن نظر الدعوى أو أي قضية أخرى في المحكمة حتى ينفذ حكمه بإرسال «صفية» إلى بيت أبيها ولو بالقوة، فأرسل يوسف إلي زوجته خطاب يحاول إقناعها بالإذعان لحكم المحكمة، لكنها رفضت وأعلنت أنها لن تذهب إلا على أسنة الرماح.
توالت الاجتماعات في وزارة الحقانية بين الوزير وكبار رجال القضاء الشرعي، واحتاج الأمر إلى ضغط كبير حتى عدل «أبو خطوة» عن إضرابه ومضي في نظر القضية.
فسخ عقد الزواج
وعقدت الجلسة الثانية مرة أخرى وتبارى دفاع كل طرف في الدفاع عن موكله، بعدها اعتكف «أبو خطوة» 15 يومًا في مكان لا يعرفه أحد لدراسة القضية، أخيرًا أصدر حكمه بفسخ عقد الزواج، وإذ به يؤيد ما ذهب إليه «السادات» وفي لهجة قاسية، بل إنه أضاف شيئًا آخر أنه رأى أن ثراء علي يوسف الحالي لا يمحو عنه وصمة أنه كان فقيرًا ذات يوم، ولجأ علي يوسف إلى محكمة الاستئناف لكنها أيدت الحكم الأول.
عودة الزوجين
بعد أن صدر الحكم على هذا النحو، وشعر «السادات» بأن كرامته ردت إليه، وتوسط له الكثير لعودة الزوجين حتى رضي السادات بأن تتزوج ابنته من «يوسف» بعقد جديد، والغريب أنه بعد كل هذه الحرب التي دافع فيها الزوجان عن زواجهما لم يكن «يوسف» موفقًا أبدًا في حياته الزوجية مع «صفية»، وكان يرابط في مكتبه بالجريدة 20 ساعة متوالية في اليوم، فرارًا من البيت.
ولما مات سنة 1913، كانت زوجته لا تزال شابة، فعاشت بعده 30 سنة وأحبت الممثل المعروف وقتئذ زكي عكاشة وتزوجته.