الطريق إلى نصر أكتوبر
فرقة الأرض.. وأغانى الثأر والعودة!
كابتن غزالى أو فرقة “أولاد الأرض “ كانت الأولى فى مدن القناة، ومن السويس حيث كون كابتن غزال فرقة “أولاد الأرض“ ثم فرقة “الصامدين” فى الاسماعيلية، و"أولاد البحر" فى بورسعيد، كانت هذه الفرق الثلاثة أشبه بثلاثة كتائب تقف فى مواجهة العدو الصهيونى، ترفع معنويات أبناء العمال والفلاحين والصعايدة الذين يحملون السلاح فى مواجهة العدو، كانت هذه الفرق الثلاثة تحقق كل يوم نجاحا في رفع معنويات المدنيين الذين رفضوا مغادرة بيوتهم، كانت كتائب ملحمية نادرة فى عطائها لمصر وجميعهم من بسطاء وفقراء الوطن.
نموذج نضعه جميعا وساما على صدر مصر "الكابتن غزالى"، كان موظفًا بمديرية الصحة فى السويس، وشاعرا، ورساما، ورياضيا فهو المصارع القوى، كما أنه انضم للفدائيين، وكتب أغلب أغانى فرقته، وحافظ على تراث السمسمية فى السويس رفض التهجير، وساعد فى تجميع الجنود المشتتين، وتطبيب الجرحى منهم، وتوصيل الذخائر إلى المقاتلين، وتطوع فى المقاومة الشعبية للدفاع عن مدينته، ووسط هذا كله أقام أمسيات ثقافية وفنية لتوعية الناس، وتشجيع الجنود على العودة إلى سيناء لتحريرها. ومن هنا جاءته فكرة فرقة «أولاد الأرض» من مثقفى وشباب العمال بالسويس، وسميت فى البداية “البطانية“ لافتراشهم بطانية ميرى على الأرض وهم يعزفون ويغنون، ويطبلون على الجراكن.
افتتاح الحفلات
وضمَّت فرقة «أولاد الأرض» نخبة رائعة من الفنانين، وابتدعوا تيمة إفتتاح الحفلات بسقفة الكف السويسية مع لازمة إشتهروا بها:
إحنا ولاد الأرض
ولاد مصر العظيمة
تارنا هانخده بحرب
للنصر غناوينا
شباب ثوار
مايسبش التار
إحنا ولاد الأرض
وقاد كابتن غزالى فرقته الفدائية إلى أماكن التهجير وأقام حفلات لأبناء مدن القناة، ليؤنسهم، ويذهب عنهم مرارة الغربة بكلمات شجية تضرب الأجساد بقشعريرة الأمل:
والله والله والله
والله هترجع لبيتك ولغيطك يا خال
وها تلقى الرملة خضرة على طول القنال
والله والله والله
والله هترجع تانى لبيتك وبنصرك تتخايل
وتحمل من غيطانك وترد الجمايل
رفع الروح المعنوية
وبالتوازى ظهرت فرقة "الصامدين“ الأولى فى الإسماعيلية على يد الفنان«عبده العثمللى» الذى هاجر إلى الزقازيق وكوَّن هناك فرقة سمسمية من أبناء الاسماعيلية، وبعض فنانى الزقازيق، وضمت لاحقا مجموعة من أمهر فنانى الاسماعيلية. وأقامت الفرقة أولى حفلاتها فى قرية المعتمدية بالمحلة الكبرى 1968، ثم حفلا فى الزقازيق، ثم ذهبت الفرقة إلى أسوان عام 1968، وبعدها أقامت حفلات لإسبوع فى طنطا، وتوالت حفلاتها فى أنحاء مصر، لبث الحماس فى نفوس المصريين.
كان عزف السمسمية للوزيرى من خلال الإذاعة سببا فى انتشار «فرقة الصامدين»، فأصبحت فقرة أساسية فى حفلات «أضواء المدينة» التى كان يقدمها جلال معوض "أولاد الأرض"، و“الصامدين“ وكانت الحفلات سببا فى انتشار الفرقتين.. وشاركت “الصامدين“ فى تأبين الشهيد عبد المنعم رياض فى بأغنية “يا رياض يا رمز الوطنية“ كلمات حافظ الصادق ولحن «عبده العثمللى»، وأقاموا إحتفالا بمناسبة تدمير المدمرة “إيلات“ الإسرائيلية.
فى نهاية 1969 تأسست فرقة “شباب النصر“ وجمعت من بقى فى بورسعيد من فنانى السمسمية، وجميع أعضائها كانوا من متطوعى الدفاع المدنى والشعبى والعاملين بالمجهود الحربى فى ترسانة بور فؤاد، ولعبوا دورا فى رفع الروح المعنوية للشعب، وقاموا بزيارات للبلاد التى هاجر إليها أبناء بور سعيد، حتى زالت الغُمّة بنصر أكتوبر 1973، كان مؤسسها كامل عيد مؤلف وملحن أغلب أغانيها، إضافة لتلحينه أغان لمؤلفين آخرين، وسجل أكثرية أغانى الفرقة للتلفزيون والإذاعة.
كلمات ألهبت الحماس
الشهداء الذين استشهدوا فى سيناء، والشهداء الذين يسقطون كل يوم على الجبهة، وكل فرق السمسية فى مدن القناة الثلاثة، جميعهم من البسطاء والفقراء أبناء الشعب ملح الارض، هم الأمل وهم المستقبل، وهنا أستعين بجزء من دراسة للدكتورة نيفين مسعد أستاذ الإقتصاد والعلوم السياسية: الكابتن محمد غزالى رحمه الله بطل المقاومة الشعبية الأشهر فى مدينة السويس، تشبث بأرضه فلم يلتحق غزالى بقوافل المهاجرين من مدن القناة فى أعقاب النكسة بل ظل فى السويس حتى فارقها لمكان أفضل. بين كل أغانى فرقة «أولاد الأرض» التى شكلها الكابتن غزالى عام 1967 أحدثت أغنيتها «فات الكتير يا بلدنا» دويا شعبيا هائلا، ومن بين كل أبيات هذه الأغنية الرائعة كان البيت الذى يقول:
فات الكتير يا بلدنا
وعضم ولادنا نلمه نلمه
نسنه نسنه
ونعمل منه مدافع وندافع
ونجيب النصر هدية لمصر
وعن عبقرية فى التعبير عن إرادة المقاومة تقول د. نيفين مسعد: أغمض عينيك قليلا وتخيل المشهد الذى يرسمه هذا البيت الشعرى الفذ، عظام الشهداء المعطرة برائحة بطولاتهم الزكية تتحول إلى حراب مسنونة تصيب المحتل فى مقتل، ومن ذَا الذى يصنع تلك الحراب؟ نحن.. فأى شجاعة وأى صبر وأى إيمان هذا الذى يتلبس أرواحنا ونحن نجمع رفات أهلينا الإخوة والأبناء وأولاد العم لنحارب بها طلبا للنصر. عندما يفقد أى منا عزيزا لديه تراه يترفق به كل الرفق.. يلمسه برفق.. يتشمم رائحته برفق.. يقبله برفق كأنه حى أو كأن تعبيراتنا التلقائية المملوءة حبا وعرفانا وشوقا سوف تخدشه أو سوف تؤلمه، فما بالك وأنت تتخلى عن حذرك هذا لا بل تجمد مشاعرك تماما لتصنع من هؤلاء الأحبة سهاما ورماحا من أجل الوطن؟
لم يسهم فقط هذا البيت الفريد فى شحذ همة المقاومة عند أهالى السويس ولا مدن القناة كلها ولا مختلف أنحاء مصر فى السنوات الفاصلة ما بين الهزيمة والنصر، لكنه تحول إلى أيقونة فى كل حراك جماهيرى وكل غضبة شعبية.