رئيس التحرير
عصام كامل

كربلاء.. ذكرى انتهاء معركة يدفع ثمنها المسلمون حتى الآن

مقام الإمام الحسين
مقام الإمام الحسين

تحل اليوم الموافق 12 أكتوبر، ذكرى انتهاء معركة كربلاء أكثر المعارك جدلا فى التاريخ الإسلامى، والتى انتهت فى مثل هذا اليوم من العام 61 هجرية، باستشهاد الإمام الحسين بن على حفيد رسول الله.

معركة كربلاء وتسمى أيضًا "واقعة الطف" كانت بين الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت النبي عليه الصلاة والسلام، الذي بات يطلق عليه بعدها إلى يوما هذا لقب "سيد الشهداء" بعد انتهاء كربلاء، وخاضها معه أهل بيته ورفاقه، ضد جيش تابع ليزيد بن معاوية.

معركة كربلاء

تعد كربلاء من أكثر المعارك جدلًا في التاريخ الإسلامي فقد حملت نتائجها آثار سياسية ونفسية وعقائدية لا تزال موضع جدل إلى تاريخنا المعاصر، حيث تعتبر هذه المعركة أبرز حادثة من بين سلسلة من الوقائع التي كان لها دور محوري في صياغة طبيعة العلاقة بين السنة والشيعة عبر التاريخ وأصبحت معركة كربلاء وتفاصيلها الدقيقة رمزا للشيعة ومن أهم مرتكزاتهم الثقافية وأصبح يوم 10 محرم أو يوم عاشوراء، يوم وقوع المعركة، رمزًا من قبل الشيعة "لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف".

من الناحية العسكرية رغم قلة أهمية المعركة، لكنها تركت آثارًا سياسية وفكرية ودينية هامة. حيث أصبح شعار "يا لثارات الحسين" عاملًا مركزيًا في تبلور الثقافة الشيعية وأصبحت كربلاء وتفاصيلها ونتائجها تمثل قيمة روحانية ذات معاني كبيرة لدى أهل المذهب الشيعى، الذين يعتبرون معركة كربلاء ثورة سياسية ضد الظلم، وأصبح مدفن الحسـين في كربلاء مكانًا مقدسًا لدى الشيعة، كما أدى مقتل حفيد الرسول إلى نشوء سلسلة من المؤلفات الدينية والخطب والوعظ والأدعية الخاصة التي لها علاقة بحادثة مقتله وألفت عشرات المؤلفات لوصف حادثة مقتله.

الثورة الإيرانية

وكان لرموز هذه الواقعة حسب الشيعة دور في الثورة الإيرانية وتعبئة الشعب الإيراني بروح التصدي لنظام الشاه، وخاصة في المظاهرات المليونية التي خرجت في طهران والمدن الإيرانية المختلفة أيام عاشوراء والتي أجبرت الشاه السابق محمد رضا بهلوي على الفرار من طهران، ومهدت السبيل أمام إقامة النظام الإسلامي في إيران، لتدخل المنطقة منذ حينها فى صراع سنى شيعى يلقى بظلاله على الشرق الأوسط حتى الان.

في اليوم التالي من اندلاع المعركة يوم 10 أكتوبر، عبأ عمر بن سعد رجاله وفرسانه فوضع على ميمنة الجيش عمر بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وكانت قوات الحسين تتألف من 32 فارسا و40 راجلا من المشاة وأعطى رايته أخاه العباس بن علي وقبل أن تبدأ المعركة لجأ جيش ابن زياد إلى منع الماء عن الحسين وصحبه، فلبثوا أيامًا يعانون العطش.

ميدان كربلاء

بدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه بوابل من السهام وأصيب الكثير من أصحاب الحسين ثم اشتد القتال ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء الميدان واستمر القتال ساعة من النهار ولما انجلت الغبرة كان هناك خمسين قتيلا من أصحاب الحسين واستمرت الحرب تدور في ميدان كربلاء، وأصحاب الحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين وأحاطوا بهم من جهات متعددة وتم حرق الخيام فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون جيش عمر بن سعد ويتساقطون الواحد تلو الآخر، ومنهم: ولده علي الأكبر، أخوته، عبد الله، عثمان، جعفر، محمد، أبناء أخيه الحسن أبو بكر، والقاسم، والحسن المثنى، ابن أخته زينب، عون بن عبد الله بن جعفر الطيار، آل عقيل: عبد الله بن مسلم، عبد الرحمن بن عقيل، جعفر بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل، عبد الله بن عقيل.

جواد الحسين

حلت اللحظة الأخيرة من المعركة عندما ركب الإمام الحسين جواده يتقدمه أخوه العباس بن علي بن أبي طالب حامل اللواء. إلا أن العباس ذهب إلى بحر العلقمي وهو جزء من نهر الفرات ليأخذ الماء إلى الحسين وأصحابه ولكن العباس لم يستطع ان يشرب شربة ماء واحدة إثارًا لأخوه الحسين وسرعان ما وقع صريعا من جنود العدو ولم يبق في الميدان سوى الحسين الذي أصيب بسهم فاستقر السهم في نحره، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسده. 

وحسب رواية الشيعة فإن شمر بن ذي جوشن قام بفصل رأس الحسين عن جسده بضربة سيف كما وانهم جعلو خيلا تسمى بخيل الاعوجي تمشي وتسير فوق جسد الحسين بن علي وكان ذلك في يوم الجمعة من عاشوراء في المحرم سنة 61 هجريا، وتوفى عن عمر ناهز  56 عاما، ولم ينج من القتل إلا علي بن الحسين، فحفظ نسل أبيه من بعده.

وحسب الروايات التاريخية، ارتكب المعسكر الأموي خلال كربلاء جرائم وانتهكت الحرمات وسقط الحسين عليه السلام وجميع صحبه وأهل بيته شهداء وسيقت النساء والأطفال أسرى إلى يزيد بن معاوية في الشام ومع رءُوس الشهداء مرفوعة على أسنة السيوف.

وبالرغم من فيض الروايات عن المعركة، هناك الكثير من التضارب حول تفاصيله الدقيقة، وماحدث بعد المعركة ولايوجد مصادر محايدة يمكن الاعتماد عليها ولكن هناك إجماع على أن رأس الحسين قد قطع وتم إرساله مع نساء أهل بيت الحسين إلى الشام إلى بلاط يزيد بن معاوية، فبعض المصادر تشير إلى أنه أهان نساء آل بيت النبي وأنهن أخذن إلى الشام وأُهِنّ هناك.

تعليمات يزيد بن معاوية

 ولكن هناك مصادر أخرى على لسان ابن تيمية تقول نصا: "إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم نسائ بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم" وهذه الرواية يرفضها الشيعة وبعض من أهل السنة.

الجدل الأزلي حول معركة كربلاء، هو من كان المسئول عن قتل الحسين، ففي نظر الشيعة والذي يوافق بعض المؤرخين من أهل السنة مثل "ابن كثير" في البداية والنهاية، وابن الأثير في الكامل، وابن خلدون في العبر والإمام الذهبي في تاريخ الإسلام فإن يزيد لم يكن ملتزما بمبادئ الدين الإسلام في طريقة حياته وحكمه وكان هو المسئول الأول عن مقتل الحسين.

أما موقف يزيد المعادي لآل البيت، فيذكر الطبري أن يزيدا أرسل رسالة إلى عبيد الله بن زياد قائلا "بلغني أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فضع المناظر "العيون أو المراقبون" والمسالح "جيوش تحمي الطرقات" واحترس على الظن وخذ على التهمة غير لا تقتل إلا من قاتلك". وقيل أيضا أنه اهتم بأهل بيت الحسين وحزن على استشهاده.

أما موقف آخر يعتبره البعض دلالة على أن یزید أمر بقتل الحسین في البدایة، حین کتب رسالة إلى ولید بن عتبة قال فيها: "أما بعد فخذ حسينًا وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام".

وتابع فى  كتاب آخر: "أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل على بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي".

وفاة معاوية بن أبي سفيان

ودارت المعركة التي غيرت التاريخ أنصار الحسين، وجيش يزيد بن معاوية، نتيجة لوفاة معاوية بن أبي سفيان، فقد أرسل ابنه يزيد بن معاوية واليه على المدينة، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، إلى الإمام الحسين ليأخذ منه بيعة ليزيد بن أبي سفيان، خليفة للمسلمين، ورفض وقتها الحسين وأصر على أن تكون البيعة عامة ولا تقتصر عليه وحده، وترك الحسين المدينة وانتقل هو وأهله إلي مكة ليكون بعيدًا من أجواء التوتر.

 فى تلك الأثناء رفض أهل الكوفة أن يتولى يزيد الخلافة خلفًا لوالده معاوية بن أبي سفيان، وأرسلوا إلى الحسين بن علي يريدون أن يبايعوه ليكون خليفة المسلمين، وقدر عدد المتشيعين للحسين بحوالي 12 ألفًا، وقيل 30 ألفًا.

وبعد مقتل الحسين فى المعركة وفصل رأسه، اتفقت الأقوال على مكان دفن جسده، وتضاربت حول موطن الرأس الشريف، فمنها: أن الرأس قد أعيد بعد فترة إلى كربلاء فدفن مع الجسد فيها، ومنها: أنه أرسل إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي يزيد على المدينة، فدفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة الزهراء، وهناك رواية أخري تقول: أنه وجد بخزانة تخص يزيد بن معاوية بعد موته، فدفن بدمشق عند باب الفراديس، ومنها: أنه كان قد طيف به فى البلاد حتى وصل إلى عسقلان، فدفنه أميرها هناك، وبقى بها حتى استولى عليها الإفرنج فى الحروب الصليبية؛ فبذل لهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمصر ثلاثين ألف درهم على أن ينقله إلى القاهرة حيث دفن فى مقامه الشهير وسط العاصمة المصرية.

الجريدة الرسمية