مثقفون في حب إبراهيم عبد المجيد.. السروي: مؤرخ اجتماعي وإنساني.. وحمودة: راهن على بلورة لغة خاصة
على مدار مسيرة امتدت نصف قرن، استطاع إبراهيم عبد المجيد أن يسطر اسمه بين كبار الأدباء والكتاب المصريين والعرب، بما قدَّمه من أعمال مهمة أثرت المكتبة الأدبية، وما اتخذه من مسلك مغاير في تجسيد الواقعية الاجتماعية والتغيرات التي حدثت للمجتمع المصري في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما تلاها من أحداث مثيرة حتى نكسة ٦٧.
سخَّر عبد المجيد قلمه في تسليط الضوء على هموم المواطن البسيط، والذي اعتبر في روايات وقصص عبد المجيد بطل الحكاية الذي يؤثر ويتأثر بما يفرضه عليه الواقع، كما أرَّخ لتغيُّر الحالة الاجتماعية للمجتمع المصري على مدار عصور متعاقبة.
مؤرخ إنساني
الدكتور صلاح السروي أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن بكلية الآداب في جامعة حلوان أكد أن "عبد المجيد" يعد واحدًا من الكتاب المصريين العظماء وامتدادًا لنجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقي، موضحًا أنه خطى طريقًا في الكتابة ارتبط بإبراز الواقع المحلي والتحول السياسي والاجتماعي العام.
استعرض السروي مسيرة الكاتب الأدبية قائلًا: "عندما كتب لا أحد ينام في الإسكندرية نجده دوَّن وأرَّخ لما كان عليه حال الناس والمواطنين في تلك المحافظة إبان الحرب العالمية الثانية"، مشيرًا إلى أنه أبرز هذا الواقع مستندًا على طبيعة الشخوص المحليين العاديين للغاية، موضحًا تصوراتهم ورؤاهم عن العالم.
"على قدر ما تتضمنه من إبداع فني وأدبي هائل فهي تمثل نوعًا مميزًا من دراسة الوعي والفكر لدى هذه الجماعة البشرية"، يؤكد "السروي" أن إبراهيم عبد المجيد نجح في مزج ثنائية الإبداع والدراسة للوعي في فترة من فترات تاريخ مصر الحديث، مشيرًا إلى أن "عبد المجيد" -كما جسد الواقع المجتمعي- تطرق أيضًا إلى حال الشباب المصري من الطبقة الوسطى والدنيا إبان حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية مرورًا بحرب ٥٦ وعصر عبد الناصر وصولًا إلى نكسة ٦٧ وذلك من خلال روايته "طيور العنبر" والتي تناول فيها علاقة الشباب من تلك الطبقات بالواقع المصري السياسي والاجتماعي خلال تلك الفترة.
وتابع: "مصائر الأبطال عند إبراهيم عبد المجيد تحكمها العلاقة الجدلية بين الإنسان الفرد البسيط كطرف والواقع الاجتماعي التاريخي كطرف آخر.. همه الأول دائمًا الإنسانُ البسيط اليومي والتحولات الاجتماعية الفوقية التي تؤثر فيه".
مضيفًا: "عبد المجيد لم يغفل في كتاباته من رصد ما حدث في أعقاب نكسة ٦٧ حيث أبرز "في روايته الشهيرة صيف ٦٧ كيف أثَّرت هزيمة يونيو التي جاءت كالصاعقة على نفسية المواطن المصري وحلمه.. ومدى الفرق بين الحلم والواقع وهو ما زاد من حجم الفاجعة وما كان ينتظره الناس والآمال التي عقدت على هذه الفترة".
وأردف: "إبراهيم عبد المجيد قدَّم بانوراما كلية عن الأحداث الكبرى التي مر المجتمع المصري وتأثيرها عليه وتأثير المجتمع في طريقة تناوله وتلقيه لها، ويعد من مؤرخي الحياة الاجتماعية والإنسانية للمجتمع؛ فهو مؤرخ اجتماعي وإنساني يتخذ من الأحداث السياسية مَدخلًا لدراسة الحالة النفسية والثقافية والروحية للإنسان البسيط".
واختتم صلاح السروي قائلًا: الكاتب الكبير وضع بصمتَه المهمة والغائرة في تاريخ الرواية والثقافة المصرية، وكان بمثابة منصة هامة انطلق منها عدد كبير من الأقلام، كما طبع الرواية المصرية بطبعه ورؤيته الخاصة انتصر فيها للتقدم والحرية والعلم والعقلانية، ويعتبر واحدًا من أهم ركائز الرواية المصرية والحديثة.
لغة خاصة
الناقد الأدبي حسين حمودة أكد أن تجربة إبراهيم عبد المجيد الإبداعية والثقافية أيضًا تعد تجربة غنية ومتنوعة، قائلًا: "شهدت نتاجه الروائي الغزير المتعدد، كما أن أعمال إبراهيم عبد المجيد القصصية متفردة للغاية ومنها (مشاهد صغيرة حول سور كبير) و(إغلاق النوافذ) و(سفن قديمة)، فضلً عن كتبه مثل (غواية الإسكندرية) و(الأيام الحلوة فقط).
"عالم ينهض على مجموعة من القيم الكبيرة" يضيف حسين حمودة عن الجانب والمذهب الإبداعي لإبراهيم عبد المجيد قائلا: "قيمة المغامرة المتحررة لإبراهيم عبد المجيد قادته للذهاب إلى أبعد ما يمكن الذهاب إليه في وجهات شتى، على مستوى اكتشاف واستكشاف العوالم الخام التي شيّد بها وعليها كتاباته".
وتابع: أما على مستوى "التخييل" أو "التأمل" القصصي والروائي فإنه يعيد تشكيل هذه العوالم، ويصوغها في خلق جديد، على مستوى الطرائق والأساليب الفنية التي اعتمدها، وعلى مستوى التنوع فيما بين كتابة نصوص مفردة كل واحد منها يمثل وحدة مستقلة بذاتها، وكتابة نصوص أخرى مترابطة وممتدة عبر أكثر من عمل واحد.
وأردف الناقد الأدبي: كما يعيد تشكيل عالمه الأدبي على مستوى القضايا التي جسدتها أعماله كلها من خلال تناولات أدبية خالصة ومخلصة لجماليات الأدب، وإن كانت تعيد النظر في كثير من الأعراف الأدبية الشائعة، وتحرص على تقديم إضافات مهمة لها.
وأضاف حسين حمودة أنه تأسيسا على هذه المغامرة المتصلة، فإن أعمال إبراهيم عبد المجيد تجاوزت معالم كثيرة لا تتجاوز عادة.
وهي: الوقائع المرجعية التاريخية، المستعادة خلال الذاكرة أو المستندة إلى مصادر موثقة، مع التأملات التي لا تقف عند حدود، مع الانتقالات المكانية والزمنية الرحبة، مع التجارب الشخصية المؤلمة والمريرة والقاسية أحيانًا، والمبهجة أحيانًا أخرى، وأوضح "حمودة": صاغ إبراهيم عبد المجيد كتاباته من خلال روح المغامرة نفسها وراهن على بلورة لغة خاصة متفردة، متجددة ومؤسسة دائمًا على جهد ومعاناة رغم بساطتها الظاهرية وقدرتها التوصيلية، مؤكدًا أنه استند على قدرة بنائية هائلة، متباينة المعالم من عمل لآخر، واحتفى بنوع من "التجريب" الفنّي الخفيّ اللطيف، الذي يتقبّله المتلقي.
واختتم حسين حمودة: انطلق إبراهيم عبد المجيد من "روح سردية" متدفقة تصل بيسر واضح إلى القارئ، من غير مسافات أو وقفات قاطعة، فيظهر لهذا القارئ أنه هو صائغها وليس مستقبلها فحسب.
الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة الأسبق، أكد أنه منذ قرائته لأولى أعمال الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد في بداياته تكشف له أنه يتميز بأسلوب وطريقة مغايرة في الكتابة عن أبناء جيله في ذلك الوقت قائلًا: "طريقته في الكتابة لا تعرف التصنع أو الادعاء"، وأضاف أنور مغيث: تابعت بعد ذلك رؤيته وتناوله المدهش للتاريخ وذلك من خلال رصده لكل تفاصيل الواقع ومن خلال كتاباته نجح في أنه يحول الأشياء البسيطة لأمور وقضايا عميقة ذات دلالة كبيرة.
وأشار "مغيث" إلى أن إبراهيم عبد المجيد منذ بداياته كان يتميز بنوع من الالتزام السياسي تجاه المجتمع باعتباره كاتبًا وأديبًا، كما يعد أيضًا مناضلًا لما مر به خلال مسيرته، موضحًا أن ذلك أكسب كتاباته وطريقة سرده بعد ما مر به بُعدًا يمثل الجمهور ويمسه بشكل مباشر وغير مباشر مما جعله يسلط الضوء على المواطنين البسطاء وهمومهم في كتاباته، وأكد أن إبراهيم عبد المجيد تفرد بكونه كاتب شعبي متعدد جمهوره، وذلك في زمن غلب عليه التنصيف الأيديولوجي للكتاب بين اليسار واليمين إلا أن "عبد المجيد" تجاوز جمهوره تلك التصنيفات فأحبه اليساريين واليمينيين وكل الأطياف السياسية قائلًا: "نجح في أن يكون كاتبًا شعبيًّا تظل أعماله دائمًا ممتعةً ويستقبلها الجمهور بشغف وترحاب شديد".
نقلًا عن العدد الورقي…