رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الناصر في الهند

تاريخ التضامن الأفروآسيوي ( 9 )

للزعيم الراحل جمال عبد الناصر خطب وكلمات تاريخية بحق التضامن الأفروآسيوي، ومما يشهد على اعتزازه بالكيان الكبير الذي أنشأه في مصر، اهتمامه بالحضور في فعاليات منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، المقامة بمصر أو خارجها، وإلقاء كلمة في كل حدث. ومن بين أهم الخطب تلك؛ كلمته فى الاحتفال الذى أقامته منظمة التضامن الإفريقى الآسيوي، في الهند، في 26 أكتوبر 1966.

كفاح الشعب الهندي

 

قال عبد الناصر: "يسعدنى أن أحضر مرة أخرى فى هذه المدينة الجميلة المجيدة مهرجانًا من مهرجانات التضامن الآسيوى - الإفريقى. لقد كان لى الحظ أن أحضر معكم هذه المهرجانات كل مرة زرت فيها الهند من قبل، لقد حضرت معكم سنة ١٩٥٥ فى الهند أول مرة على الطريق إلى باندونج؛ حيث صنعت شعوبنا هذا الانطلاق الصلب والثابت للتضامن الآسيوى - الإفريقى. وحضرت معكم سنة ١٩٦٠ حين كان لى الشرف أن أبقى هنا قرابة الأسبوعين أطوف فيها مختلف ولايات الهند، وأتعرف على شعبها عن قرب وأتصل اتصالًا واسعًا بالشعب فى مجالات كفاحه المتعددة.

 

 

وفى كل مرة -بما فيها هذه المرة- كان حرصى على حضور مهرجانات التضامن الآسيوى الإفريقى نابعًا من رغبة الشعب المصرى فى التأكيد على الأهمية القصوى التى يعلقها على ذلك التضامن، باعتباره حقيقة تاريخية إلى جانب كونه ضرورة حيوية.

 

إن الأمة العربية هى أمة آسيوية - إفريقية، وإن شعوبها هى بوتقة الانصهار التاريخية والحضارية، بل إن الشعب العربى المصرى يكاد بنفسه أن يكون جسرًا للقاء بين القارتين العظيمتين. فى زماننا المعاصر -أيها الإخوة- فإن الصداقة الآسيوية الإفريقية لا تؤكد صلة تاريخية وحضارية فحسب، وإنما تصنع من التاريخ والحضارة تفاعلًا مع نظام الحاضر وآمال المستقبل دورًا آسيويًا - إفريقيًا مجيدًا، يناضل من أجل السلام العالمى، ويطالب بتحرير الإنسانية من كل مظالم الاستعمار والاستغلال، ويسعى لبناء مجتمع جديد تكون فيه الحرية لكل الأوطان، ولكل إنسان حرية حقيقية ذاتية واقتصادية وثقافية.

 

التضامن الآسيوى الإفريقى

إن التضامن الآسيوى الإفريقى أثبت أصالته بصموده لتحديات السنوات الأخيرة؛ التى حاول فيها الاستعمار الجديد شن غارات غادرة بكل أسلحة الحرب السياسية والاقتصادية والنفسية والعسكرية فى بعض الأحيان، ضد شعوبنا المناضلة المصممة على حريتها الشاملة.

 

إن الاستعمار بكل محاولاته لن يستطيع أن يحطم قيمة التضامن الآسيوى - الإفريقى أو معناه برغم كل ما حاوله من الأساليب، وأقول لكم ذلك من تجربة حية عشناها. وبعد ثلاثة أيام من هذا اليوم قبل عشر سنوات بدأت ضد وطننا تلك المؤامرة الثلاثية التى تعرفونها، وأريد بها إخضاع مصر وإعادتها أرضًا وشعبًا إلى إطار السيطرة الاستعمارية. ولقد وقفنا -أيها الإخوة- ولكننا لم نقف وحدنا، وانتصرنا ضد عدوان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولكن انتصارنا فى جزء كبير منه يرجع إلى وحدة الشعوب الإفريقية - الآسيوية معنا.

 

 

 منظمة الوحدة الإفريقية

فى تلك التجربة التى عاشها التضامن الآسيوى - الإفريقى وعاشت فيه لم يكن التضامن الآسيوى الإفريقى مجرد طاقة معنوية مع أن ذلك يكفيه؛ وإنما فى تلك التجربة وفى تجارب أخرى عديدة تحول التضامن الآسيوى  الإفريقى إلى قوة إيجابية فعالة وقادرة.

 

ربما لم تكن صدفة أن أحضر هذا المهرجان للتضامن الآسيوى الإفريقى هنا فى عاصمة الهند؛ التى قامت بدور طليعى فى تحقيق هذا التضامن والتمكين له، بينما أستعد لعودتى إلى وطنى غدًا، أبقى فيه تسعة أيام ثم أواصل السفر إلى أديس أبابا لحضور مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية.

 

وهناك فإن القضايا التى تسبق غيرها فى اهتمامنا هى نفس القضايا التى دارت من حولها محادثات دلهى خلال الأيام الأخيرة، والمحادثات الثلاثية التى اشتركت فيها يوجوسلافيا مع الهند والجمهورية العربية المتحدة، أو المحادثات الثنائية التى تجرى الآن بين الهند والجمهورية العربية المتحدة. هنا وهناك فإن القضايا متشابكة، والنضال مشترك، والنصر لنا جميعًا، وللمبادئ العظيمة التى تقف شعوبنا تحت رايتها وتكافح بشرف نضالًا عنها".

الجريدة الرسمية