أول مصري ينقب عن الآثار.. سليم حسن الأثري الذي تحالفت عليه فرنسا وبريطانيا رغم خلافهما
أتاح اكتشاف فرنسا حجرَ رشيد أثناء الحملة الفرنسية أن يظل رؤساء مصلحة الآثار فرنسيين، وقد نصَّت اتفاقية 1904 المعروفة بالاتفاق الودي الذي عُقد بين بريطانيا وفرنسا لتسوية خلافاتهما في مصر على أن منصب رئيس المصلحة من حق فرنسا إلا أنه عام 1914 عمل سليم حسن بمصلحة الآثار حتى وصل إلى منصب مدير عام مصلحة الآثار.
والدكتور سليم حسن ـ رحل في مثل هذا اليوم عام 1961 ـ درس علم الآثار في مدرسة المعلمين العليا قسم تاريخ، وحاول بعد التخرج الالتحاق بالعمل في المتحف المصرى، إلا أنه وفقًا للاتفاقيات مع الأجانب فإن وظائف الآثار والمتاحف حكر على الأجانب.
وبعد ثلاث سنوات وبضغط من الحكومة ومن أحمد شفيق باشا وزير الأشغال عين سليم حسن في المتحف المصرى، ومنه سافر إلى أوروبا لحضور الاحتفال بمئوية شامبليون، ثم زار متاحف فرنسا وإنجلترا وألمانيا، وتعرَّف على الآثار المصرية المسروقة والمعروضة هناك.
التنقيب عن الآثار
وعاد سليم حسن ليكتب العديد من المقالات عن الإهمال والسرقة التي تتعرَّض لها الآثار المصرية، ووصف ما حدث لرأس نفرتيتي في برلين نموذجًا، وسافر في بعثات لدراسة الآثار واللغات الشرقية، وعاد ليعمل أمينًا مساعدًا بالمتحف المصرى، وقام بتدريس علم الآثار بكلية الآداب، ثم حصل على الدكتوراة في علم الآثار من جامعة فيينا.
كان سليم حسن هو أول مصري يقوم بالتنقيب عن الآثار فاكتشف أكثر من 200 مقبرة فرعونية في منطقة الجيزة والهرم وسقارة.
تدبير الاتهام بالسرقة
عُين سليم حسن مديرًا عامًّا لمصلحة الآثار كأول مصري يتولى هذا المنصب فوضع قواعد لتقسيم ما تسفر عنه الحفريات الأثرية في مصر التي تقوم بها بعثات أجنبية والتي كانوا يأخذون منها نصيب الأسد في مقابل نصيب مصر الضئيل، وذلك لأن مندوب مصلحة الآثار في عملية التقسيم كان مصريًا، فضاعت على المكتشفين الأجانب فرص النهب والسلب باسم العلم.
تحقيقات النيابة
فحقد الأثريون الأجانب بالمصلحة على سليم حسن حتى اتهموه باختلاس مبالغ ضخمة من ميزانية اعتمادات حفريات الهرم التي كان يديرها.
وبدأت النيابة المصرية تحقق مع سليم حسن وأخذ مدير المصلحة العام المسيو دريتون يدبِّر لحملة كبرى ضد سليم حسن، وكان دريتون صديقًا للملك فاروق فانحاز الملك بكل ثقله مع الاتهام الموجَّه لسليم حسن، واهتز ميزان العدالة في هذه القضية.
وانحاز السياسيون لسليم حسن ومنهم أحمد ماهر عن الحزب السعدي، ومحمد محمود عن الدستورى، الدكتور محمد حسين هيكل وزير المعارف، وأحمد حسين وزير العدل والنائب العمومى يكن باشا أحمد، ولهذا استحال ذهاب سليم حسن إلى المحكمة لحماية هؤلاء له بالرغم من أن الملك ورئيس الديوان ضده.
حفظ الدعوى
استمر الشد والجذب بين الفريقين حتى سقطت الوزارة لكن جاء وزير العدل مصطفى الشوربجى وكان من زعماء الحزب الوطنى فأمر في الحال بحفظ الدعوى، ووثق ذلك على ماهر باشا رئيس الوزراء الجديد الذي كان يناصر سليم، وحُسمت القضية في النهاية لمصلحة مصر ومصلحة سليم حسن.
وعندما جاءت الثورة استعان به الرئيس جمال عبد الناصر عام 1960 في قياس مدى تأثير السد العالى على آثار النوبة ليرحل سليم حسن بعدها بعام واحد.