الدور الصهيوني في سد النهضة
لا شك أن التلميحات الصريحة والمدوية التى أطلقها الأمين العام لجامعة الدول العربية، حول دور إسرائيل في دعم وإنشاء سد النهضة، قد أعادت الجدل من جديد حول حقيقة الدور الخفى للكيان الصهيوني فى تلك القضية الحياتية، ومدى انعكاس هذا الدور -إن صح- على العلاقات العربية الإسرائيلية خلال السنوات القادمة.
فخلال الأسبوع الماضي، شن أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية هجوما حادا على إثيوبيا وإسرائيل على خلفية النزاع المحتدم حول قضية سد النهضة قائلا: "إن إثيوبيا وضعت حجر الأساس للسد فى أبريل عام 2011 وهو ما وجدت فيه إسرائيل شهر عسل، إلا أنهما سيدفعان ثمن ذلك غاليا خلال 20 عاما".
الغريب، أن التلميحات الصريحة من الأمين العام لجامعة الدول العربية، التى جاءت بمثابة الانفجار المرعب الذى شق جدار الصمت الرسمى الذى انتاب كل المسئولين العرب طوال السنوات الماضية حول الدور الإسرائيلى، لم تجد أدنى صدى من الكيان الصهيونى رغم صراحتها المباشرة، والاغرب أنها قوبلت أيضا بصمت غير طبيعى من مصر والسودان على الرغم من اشارتها بشكل صريح بأن السد الإثيوبي لا يعنى لهما سوى الخراب.
وتكمن خطورة تصريحات أحمد أبو الغيط فى كونها الأولى التى تخرج عن مسئول عربى رفيع يشغل قمة القيادة فى أكبر وأهم تجمع عربى على الإطلاق، وظل لسنوات على رأس قيادة الدبلوماسية المصرية، فى الوقت الذى ظلت فيه الاتهامات التى توجه للكيان الصهيوني فى تلك القضية، تحمل طابعا غير رسمي منذ بداية الأزمة.
مؤامرة خطيرة
وتأتي تلميحات الأمين العام لجامعة الدول العربية فى الوقت الذى تتحدث فيه الروايات غير الرسمية صراحة عن مؤامرة أمريكية إسرائيلية إثيوبية خطيرة، تحاك ضد مصر تحديدا فى قضية سد النهضة الإثيوبي لوضعها بشكل مباشر أمام خيارين لا ثالث لهم، إما الموافقة على وصول مياه النيل إلى الكيان الصهيونى، أو الخضوع لسيطرة إثيوبيا إلى الأبد، وبناء سد تلو الآخر، إلى أن يصبح النيل بالنسبة للمصريين من ذكريات الماضى.
ولعل ما يعزز امكانية وجود المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الإثيوبية إنها لا تبتعد فى مضمونها كثيرا عن المحتوى الكارثى لـ"صفقة القرن" التى طرحتها إدارة الرئيس الامريكى السابق دونالد ترامب ولاقت معارضة شعبية عربية، تجعل من المستحيل مجرد الإشارة الرسمية إليها من قريب أو بعيد.
وترمى المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الإثيوبية فى قضية سد النهضة طبقا للروايات التى تم تسريبها، إلى الوصول بمصر والسودان إلى التوقيع على اتفاق يقضي بمد إسرائيل بـ 7.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويًا عبر سحارات سرابيوم، فى مقابل 10 سنتات تحصل عليها مصر عن كل متر مكعب من المياه، مع إحداث نهضة زراعية وتنموية ضخمة فى سيناء تنتهى بإقامة منطقة حرة على الحدود المصرية الفلسطينية.
كما يعزز وجود تلك المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الإثيوبية أيضا، أنها تنتهى فعليا إلى تحقيق الحلم العقائدى الذى يداعب عقول الصهاينة منذ سنوات، والذى يتحدث عن نبوءة السيطرة الإسرائيلية على الأرض من النيل إلى الفرات وهو ما تحققه المؤامرة دون أن يكلف الدولة الصهيونية مشقة الدخول فى حروب أو احتلال دول.
تمويل السد
ورغم ملامسة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية لخطر لم يستطع مسئول عربى الاقتراب منه طول سنوات ولو بالإشارة، إلا أننى كنت أتمنى أن تكون اتهاماته للكيان الصهيوني مقرونة بمواقف ومعلومات، مع فضح للدور المشبوه الذى لعبته دول عربية فى تمويل السد، والأخرى التى تدخلت فى الخفاء لدعم أديس أبابا، والضغط على السودان للتنصل من الدور المصرى والسير بمفردها مع الجانب الإثيوبى.
كما كنت أتمنى من أحمد أبو الغيط فضح المؤامرة المشبوهة التى قادتها دولة عربية، لإغراء السودان بالقبول بحل توافقى بعيد عن مصر لتمرير الملء الثانى للسد، فى مقابل إقامة منطقة استثمارية بمليارات الدولارات فى المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين الخرطوم وأديس بابا، مع تعهد إثيوبى بتقديم بيانات عن خطط ملء وتشغيل السد، دون الالتزام بالتوقيع على اتفاق ملزم وهو ما رفضه الوطنيون من رموز الحكم فى السودان بشكل قاطع منذ عدة أشهر، واضطر الدولة العربية، إلى سحب مبادرتها المشبوهة.
يقينى أن خطورة المرحلة التى وصل إليها ملف سد النهضة والاتهامات الصريحة التى وجهها الأمين العام لجامعة الدول العربية، يجب أن تكون فرصة لمكاشفة المصريين بحقيقة الدور القذر الذى لعبته كل من أمريكا وإسرائيل وإثيوبيا ودول عربية للإضرار بمصر فى تلك القضية، ولاسيما وأن القادم فيها قد يكون الأسوأ والأكثر حساسية ويستدعى تكاتف كل المصريين.. وكفى.