سد النهضة يعود إلى الواجهة.. فرصة دبلوماسية أخيرة قبل الحلول العسكرية
عاد ملف سد النهضة إلى الواجهة بقوة على لسان قادة الدول الثلاثة "مصر والسودان وإثيوبيا"، وحضرت المملكة العربية السعودية فى الملف بقوة خلال الأيام الماضية، من خلال كلمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الـ 76، عاد الحديث عن ملف سد النهضة، والمطالب بحلول قانونية ملزمة للأطراف، ورفض التصرفات الأحادية، وبالرغم من حالة الهدوء النسبى التى سيطرت على الملف منذ انتهاء إثيوبيا من الملف الثانى، وبيان مجلس الأمن الداعى لأطراف الأزمة للانخراط فى مفاوضات تحت قيادة الاتحاد الإفريقى، التوصل للاتفاق قانوني ملزم للجميع.
شريان الوجود لمصر
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد قال فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحد، الثلاثاء الماضى، إن نهر النيل هو شريان الوجود الوحيد لمصر، وإن سياسة فرض الأمر الواقع بشأن أزمة سد باتت تنذر بتهديد واسع لأمن واستقرار المنطقة بأكملها.
وأضاف الرئيس آنذاك: "يشكل نهر النيل شريان وجودها الوحيد عبر التاريخ وهو ما يفسر القلق العارم، الذي يعترى المواطن المصرى إزاء سد النهضة الإثيوبى".
وتابع موجها حديثه لقادة العالم: "ولعلكم تعلمون جميعا، ما آلت إليه المفاوضات الدائرة منذ عقد من الزمن بين مصر وإثيوبيا والسودان جراء تعنت معلوم، رفض غير مبرر، للتعاطي بإيجابية مع العملية التفاوضية فى مراحلها المتعاقبة واختيار للمنهج الأحادى وسياسة فرض الأمر الواقع ما بات ينذر بتهديد واسع لأمن واستقرار المنطقة بأكملها".
وأوضح الرئيس أنه تداركا لعدم تطور الأمر إلى تهديد للسلم والأمن الدوليين، لجأت مصر لمجلس الأمن للاضطلاع بمسؤولياته فى هذا الملف ودعم وتعزيز جهود الوساطة الإفريقية، عن طريق دور فاعل للمراقبين من الأمم المتحدة والدول الصديقة.
وشدد السيسي، على أن مصر لا تزال تتمسك بالتوصل فى أسرع وقت ممكن، لاتفاق شامل متوازن وملزم قانونا حــول مـــلء وتشـــغيل ســـد النهضــــة حفاظا على وجود 150 مليون مواطن مصرى وسودانى وتلافيا إلحاق أضرار جسيمة بمقدرات شعبى البلدين مستندين فى ذلك، ليس فقط إلى قيم الإنصاف والمنطق ولكن أيضا إلى أرضية قانونية دولية صلبة رسخت لمبدأ الاستخدام العادل والمنصف، للموارد المائية المشتركة فى أحواض الأنهار الدولية.
اعتبر حينها وزير الري الأسبق، محمد نصر علام، أن حديث السيسي، عن أزمة سد النهضة الإثيوبي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل تحذيرا للعالم.
الحل السلمى
كما حرض العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على إثارة ملف سد النهضة فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثار العاهل السعودي، مؤكدا دعم بلاده لحل سلمي ملزم للقضية بما لا يلحق الضرر بمصالح مصر والسودان المائية.
انهيار سد النهضة
ووسط حديث السياسيين حول الأزمة التي بدا واضحا عودتها للنقطة صفر فى ظل التعنت الإثيوبي، وهو الأمر الذي دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي، للتذكير بخطوة تأثير الملف على السلم فى المنطقة، ليعيد إلى الأذهان تحذير الخط الأحمر الذي وضعه ضد تهديد مصالح مصر المائية، ظهرت أيضا دراسة دولية تحذر من انهيار سد النهضة.
الدراسة أجراها فريق بحثي يرأسه أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض المصري في أمريكا الدكتور هشام العسكري، وتضم أيضا وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، و7 باحثين آخرين، والتي كشفت عبر تحليل صور الأقمار الصناعية عن وجود هبوط ونزوح في هيكل سد النهضة، والسد المساعد له المعروف باسم سد السرج.
ذكرت الدراسة أن سد النهضة المعروف سابقًا باسم سد الألفية، قيد الإنشاء حاليًا، يتم ملؤه بمعدل سريع دون تحليل معروف كافٍ للتأثيرات المحتملة على جسم هيكل السد، موضحا أن ملء سد النهضة لا يؤثر على هيدرولوجيا حوض النيل الأزرق وتخزين المياه وتدفقها فحسب، بل إنه يشكل أيضًا مخاطر هائلة في حالة الانهيار.
وساطة دولية
واليوم دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إلى ضرورة استئناف مفاوضات سد النهضة المتعثرة منذ أبريل الماضي.
وقال جوتيريش، خلال لقاء مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن: أدعو الدول الثلاث "مصر والسودان وإثيوبيا" لاستئناف المفاوضات المتعثرة بشأن سد النهضة بروح من التوافق.
وأكد الأمين العام، دعم الأمم المتحدة لجهود الوساطة التي يبذلها الاتحاد الإفريقي بغية الوصول إلى حل توافقي مربح للجميع.
على صعيد المنظمات حضرت الجامعة العربية فى الملف مجددا على لسان أمينها العام، أحمد أبو الغيط، الذي أكد أن إثيوبيا وضعت حجر الأساس لسد الخراب أو ما يُعرف بـ"سد النهضة" في 1 أبريل 2011، وإسرائيل وجدته شهر عسل تاريخيا وفرصة عظيمة ولكنهم سيدفعون ثمنه بعد 20 سنة".
تحذير شكري وحمدوك
وعاد سامح شكري، وزير الخارجية للتمليح من خطورة المماطلة فى الملف، مؤكدا، أن مصر دائما تتطلع لاتفاق قانوني ملزم يحقق مصالح الدول الثلاث وينهى هذه الأزمة.
وكان وزير الخارجية، قد أكد سابقا أن التوصل لاتفاق ملزم حول سد النهضة سيجنب المنطقة "مشهدا معقدا لا نرغب به ولا تحمد عقباه".
أيضا، جدد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك رفض الخرطوم لأي إجراء أوحادي بخصوص سد النهضة، مؤكدا ضرورة التوصل لاتفاق ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة.
وصرح حمدوك في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الأطراف عجزت خلال جولات المفاوضات في الوصول إلى اتفاق بسبب التعنت رغم الجهود التي بذلها الاتحاد الإفريقي.
وأضاف أنه من الضروري التوصل لاتفاق ملزم لتجنيب السودان الأضرار المحتملة التي تهدد سبل ووسائل عيش نصف سكان السودان.
تعنت إثيوبيا
وسط الحجارة التى القيت فى المياه الراكدة للأزمة، خرجت إثيوبيا بتصريحات تؤكد مضيها قدما في سياسة المراوغة، وعدم انصياعها للمجتمع الدولي، وقال عضو بفريق المفاوضين الإثيوبيين بشأن سد النهضة بأن بلاده ستوقع على اتفاقية مع مصر والسودان شريطة حالة تأمين مصالحها الوطنية والتنموية المتعلقة بالاستفادة من مواردها المائية، وهى المبررات التي اعتادت على تسويقها للتهرب من التوقيع على اي اتفاق ملزم.
الخلاصة مما سبق، أنه بالرغم من طرق مصر والسودان أبواب أعلى جهة دبلوماسية فى العالم للحفاظ على مصالحهما المائية، وتجنب المنطقة حرب مياه، نفض مجلس الأمن يده من الأزمة وأعاد إلقاء الكرة فى ملعب الاتحاد الأفريقي الذي فشل منذ عقد فى حلحلة الأزمة، ومن غير المرجح نجاحها فى ترويض نمر يريد نهب مياه النيل لصالح دولتى المصب، لتبقى الأيام أو الشهور المقبلة حبلى بالمفاجأت ومفتوحة على كافة الاحتمالات.