شرق السودان.. فوضى تنذر بميلاد دولة جديدة على سواحل البحر الأحمر
يشهد السودان أوضاع خطيرة متصاعدة في شرق البلاد، وصلت لحد الدعوة للانفصال والحصول على الحكم الذاتي، الأمر، وربما تزاد الأطماع في دولة مستقلة تمتلك الذهب بجوف أراضيها، الأمر الذي بات يهدد مسار الفترة الانتقالية وينذر بحرب أهلية حال خرجت الأمور عن السيطرة.
الاحتجاجات في إقليم شرق السودان، المستمرة منذ أيام وصلت إلى حد إغلاق مطار مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، وقطع خطوط السكك الحديدية وطريق الحافلات.
منع تصدير النفط
وأكد وزير النفط السوداني جادين علي العبيد، أن محتجين في مدينة بورتسودان أغلقوا خطي تصدير واستيراد النفط في البلاد، متحدثًا عن وضع خطير جدًّا.
كما أغلق عشرات المحتجين أمس الجمعة، مدخل مطار مدينة بورتسودان وجسرًا يربط ولاية كسلا في الشرق بسائر الولايات السودانية. والأسبوع الماضي، قام متظاهرون بغلق ميناء بورتسودان، كما أغلقوا الطريق الذي يربط المدينة الساحلية ببقية أجزاء البلاد، اعتراضا على اتفاق السلام.
كما منعت الحافلات والسيارات الخاصة من مغادرة المدينة الساحلية، وأغلق المحتجون جسرًا يربط ولاية كسلا في الشرق بسائر أنحاء البلاد.
حالة تمرد
ويرى رئيس صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، أن ما يحدث هو حالة تمرد كبيرة تحت قيادة أهلية بخلافات سياسية، وأكد أن هذه الخلافات بنيت على مصالح فرية وحزبية.
وأكد ميرغني أن مجموعات عرقية وعلى رأسها قبائل البجا رفضت مسار اتفاقات السلام، ولم تشارك في المفاوضات وما ترتب عليه من قرارات، وأوضح أنها رفضت تعيين والي كسلا من قبائل البني عامر، كما رفضت المشاركة في الحكومة، وظل مقعد وزارة التربية والتعليم المخصص للشرق فارغا.
تركيبة شرق السودان
ويتكون شرق السودان من 3 قوى قبلية أساسية هي قبائل البني عامر والحباب وقبائل البجه، والنوبة، إلى جانب قبائل أخرى صغيرة.
يعود الصراع بين القوى الثلاث إلى عشرات السنين بسبب الخلاف حول الأحقية التاريخية في المكان والموارد. حيث تتهم كل من قبائل البجه والنوبة قبائل البني عامر بأنهم ليسوا من "السكان الأصليين لمناطق الشرق، وأنّهم هاجروا خلال العقود الماضية من إريتريا، هربًا من الاضطهاد على يد الحكم الإمبراطوري الشيوعي ضدّ القوميات المسلمة"، وفقا لموقع حفريات السوداني.
وتقول قبائل البجه إن الحكومات السابقة "جنست مئات الآلاف من قبائل البني عامر، لتكون حاضنة شعبية لها في الشرق".
اتفاق جوبا
في أكتوبر الماضي، وقعت الحكومة الانتقالية السودانية في مدينة جوبا اتفاق سلام تاريخيًّا مع عدد من الحركات التي حملت السلاح في عهد الرئيس السابق عمر البشير احتجاجًا على التهميش الاقتصادي والسياسي لهذه المناطق، ومثل الشرق مؤتمر البجه المعارض والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة.
لكن قبائل البجه والنوبة رفضت هذا الاتفاق احتجاجًا على عدم تمثيلهم في المفاوضات، وقالت إن الفصيلين اللذين شاركا فيما يعرف "بمسار الشرق" لعملية السلام لا يمثلان القوى السياسية على الأرض.
زادت هذه الخلافات القبيلة في المنطقة بعد تعيين حاكم لولاية كسلا ينتمي إلى البني عامر، وهو ما أثار غضب قبيلتي البجه والنوبة.
وفي الشهر نفسه وبعد التوقيع، احتجت قبائل البجه في شرق السودان وأغلقت ميناء بورتسودان العام الماضي عدة أيام، اعتراضا على عدم تمثيلها في الاتفاق.
ويرى عضو قوى الحرية والتغيير، مأمون فاروق، أن السبب الرئيسي للاحتجاجات في شرق السودان هو المشكلات الاقتصادية والخدمية، مشيرا إلى أن "مطالبهم عادلة".
أهمية المنطقة
ويضم شرق السودان ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهي من أفقر مناطق البلاد. ويعتبر ميناء بورتسودان في ولاية البحر الأحمر، أكبر مرفأ بحري سوداني، فضلًا عن أهميته لبلدان أخرى مغلقة في المنطقة مثل إثيوبيا وتشاد ودولة جنوب السودان.
ويستقبل الميناء السفن التجارية الكبرى بما فيها سفن الحاويات وناقلات النفط. كما يوجد بمدينة بورتسودان أيضًا مصفاة للنفط ومحطة نهائية لخطوط أنابيب النفط من السودان وجنوب السودان، حيث يوجد ميناء بشاير لتصدير النفط. وتوجد في المدينة مخازن وصوامع للغلال.
ويوجد بشرق السودان، كميات كبيرة من من الذهب، وبالرغم من ذلك فهو يعاني من التهميش ونقص في الخدمات الاقتصادية.
انفصال الشرق
ويقول الكاتب السوداني، محمد جميل أحمد، أن الحراك الذي تطور منذ الجمعة 17 سبتمبر الحالي، في إقليم شرق السودان بشروع ما يسمى بالمجلس الأعلى لنظارات البجه في نشاط فوضوي أطلق عليه اسم "إغلاق شرق السودان"، يقضي بقفل كافة الطرق الحيوية في الإقليم كالطريق القومي الواصل بين ميناء بورتسودان والعاصمة الخرطوم في وجه شاحنات الحكومة والنقل العام "باستثناء الإسعاف وباصات السفر".
وتابع: إضافة إلى إغلاق المطارات والمواني كوسيلة للضغط على الحكومة للاستجابة لمطالب المجلس التي كانت منحصرة في تخصيص منبر تفاوضي لهم كمجلس أعلى لنظارات البجا، لكن الناظر محمد الأمين ترك، من الذي يقود هذا الحراك "ناظر قبيلة الهدندوة"، جاء على لسان بعض أتباعه في ندوة عامة في 17 سبتمبر، بأنه لن يقبل حتى بنسبة 99 % من قسمة السلطة والثروة في شرق السودان، إذا عرضتها عليه حكومة الخرطوم، في محاولة للقول بأن هناك سقفًا أعلى ربما يطمح إلى الحكم الذاتي والتهديد بانفصال الشرق.