فاجنر الروسية.. بوادر أزمة سياسية بين فرنسا وموسكو على ذهب مالي
الهروب للأمام استراتيجية جديدة اتخذتها مالي بعد سنين طويلة من الحرب والدمار بعد أن أعلن النظام الحاكم في مالي سياسة الدم والانقلاب بديل عن الديمقراطية والاستقرار.
وفي فصل جديد من الصراع حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، من تدخل المجموعة الروسية فاجنر في نزاع مالي قائلًا:"من غير المقبول تماما" مطالبا موسكو بالتراجع وإعمال العقل.
النزاع في مالي
وحذر لودريان، نظيره الروسي سيرجي لافروف من أي انخراط لمجموعة فاجنر الروسية في النزاع الذي تشهده مالي سيشهد عواقب وخيمة من 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي وهو ما سيعقد الأزمة.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة "بشأن مالي، حذّر الوزير نظيره الروسي من تداعيات خطيرة لانخراط مجموعة فاجنر في البلد".
والتقى لودريان نظيره الروسي، على هامش فاعليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وتفيد تقارير بأن حكومة مالي، التي يهيمن عليها العسكريون، على وشك التعاقد مع ألف من عناصر مجموعة فاجنر.
13 دولة اوروبية ضد فاجنر الروسية
وفي اجتماع في ستوكهولم، أكد وزراء دفاع 13 دولة أوروبية من بينها فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا أن أي انخراط لمجموعة فاجنر الأمنية الروسية الخاصة في مالي سيكون أمرا غير مقبول.
وقال وزير الدفاع السويدي الذي استضافت بلاده الاجتماع "نريد أن نوجّه رسالة واضحة مفادها أننا لسنا مستعدين للقبول بدخول مجموعة فاجنر إلى الساحة المالية".
وتابع "إنه تطوّر لسنا مستعدين على الإطلاق لأن نشهده، ستبادر بلدان عدة لإبلاغ الحكومة المالية بهذا الأمر".
وكانت فرنسا حذّرت مالي من أن تعاقدها مع عناصر من المجموعة الأمنية الروسية الخاصة سيضع البلاد في عزلة دولية.
ومجموعة فاجنر هي منظمة روسية شبه عسكرية؛ وقد وصفها البعض بأنها شركة عسكرية خاصة (أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري)، التي قيل إن مقاوليها شاركوا في صراعات مختلفة، بما في ذلك العمليات في الحرب الأهلية السورية على جانب الحكومة السورية، وكذلك في الفترة من 2014 إلى 2015، في الحرب في دونباس في أوكرانيا، لمساعدة القوات الانفصالية التابعة للجمهوريات الشعبية دونيتسك ولوهانسك المعلن عنها ذاتيا.
وحدة مخابرتية عسكرية روسية
فيما يرى آخرون، بما في ذلك التقارير الواردة في صحيفة نيويورك تايمز، أن فاجنر هي حقًا وحدة تتمع بالاستقلالية تابعة لوزارة الدفاع الروسية أو مديرية المخابرات الرئيسية متخفية، والتي تستخدمها الحكومة الروسية في النزاعات التي تتطلب الإنكار، حيث يتم تدريب قواتها على منشآت وزارة الدفاع؛ ويعتقد أنها مملوكة لرجل الأعمال يفجيني بريجوجين الذي له صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومالي دولة افريقية كبيرة فهي دولة غنية بالثروات تقع فى غرب القارة الأفريقية وتربطها حدود مشتركة مع دول عربية فى شمال القارة، غير ان الحروب الاهلية والانقلابات حولتها الى دولة فاشلة.
فقر وحروب وتمرد وفساد مالي وإداري وغياب الاستقرار وإرهاب وضعف دولة وفوضى، انقلابات تلو انقلاب، تلك حالة جمهورية مالي منذ استقلالها عن فرنسا، مطلع ستينيات القرن الماضي.
فيما تعد مالي مسرحا لفرض نفوذ القوى العالمية بينما تحظى فرنسا بنصيب الأسد في عدد القواعد العسكرية على الأرض في مالي.
وكانت تعرضت قواعد عسكرية فرنسية في كيدال وميناكا وجاو في شمال مالي إلى هجمات نادرة منسقة على قوات دولية، وأطلق مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة صواريخ على القواعد العسكرية الفرنسية الثلاثة.
انقلابات مالى
خمسة انقلابات شهدتها البلاد منذ الاستقلال، بعضها بضوء أخضر من الدولة الاستعمارية، عشرات حالات التمرد في الشمال، وعدة اتفاقات مكتوبة من أجل إعادة تأسيس الدولة على أسس ديمقراطية ومواطنة، يتبخر مدادها قبل مضى العام.
موسى تراوري
بدأت سلسلة الانقلابات بهدف السيطرة على كرسي الحكم عام 1968 ضد حكم أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال "موديبو كايتا" من قبل الجنرال "موسى تراوري".
بعد ثمانية أعوام من الحكم العسكري، وغياب المؤسسات، مكث موديبو كيتا في السجن 9 سنوات دون محاكمة، حتى وفاته عام 1977.
الانقلاب الثاني، وقع عام 1991، وقاده الجنرال "أمادو توماني توري" ضد الرئيس "موسى تراوري"، وشكل مجلسًا عسكريًا مؤقتًا لإدارة البلاد، كما وقع فى عهد كايتا.
ثم انتخب الرئيس، ألفا عمر كوناري، أول رئيس لدولة مالي منتخب ديمقراطيًا في 8 يوليو 1992 واستمر لفترتين رئاسيتين، قبل أن يعود الجنرال "توماني توري" عام 2002، في لباس مدني لتولي الحكم، بعد انتخابات فاز في دورها الثاني.
استمر توري فى الحكم عقد من الزمان، قبل أن يطيح به الجيش في ثالث انقلاب عسكري وقع يوم 22 مارس 2012، بمبرر فشله في مواجهة تمرد أهل الشمال، إثر الهزائم التي لحقت بالجيش المالي أمام قوات حركات الطوارق، المطالبين بالعدل والمساواة.
دوانكو تراوي
بعدها تم تشكيل مجلس عسكري الانتقالي، واختير دوانكو تراوي رئيسًا مؤقتًا، وجرت انتخابات رئاسية جديدة، فاز فيها "إبراهيم أبو بكر كيتا" وتم اعتقاله وأرغم على الاستقالة فى أغسطس 2020.
اعتقال باه نداو
بعدها تدخل المجتمع الدولى لتهدئة الأوضاع، وتم اختيار "باه نداو"، وقبل حلول أغسطس 2021، نقلت وكالة الأنباء العالمية أخبار وقوع انقلاب جديد فى صفحة الحكم الملعون، وقالت عدة مصادر دبلوماسية، إن ضباطًا من جيش مالي اعتقلوا الرئيس باه نداو، ورئيس الوزراء مختار عوان، ووزير الدفاع سليمان دوكوريه، وقاموا باقتيادهم إلى قاعدة عسكرية في كاتي خارج العاصمة باماكو.
يشار إلى أنه في سبتمبر الماضي، أدى الكولونيل المتقاعد باه نداو اليمين رئيسًا مؤقتًا لمالي ليشرف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا تعود بعدها البلاد للحكم المدني بعد انقلاب أغسطس.
كما أدى الكولونيل أسيمي جويتا قائد المجلس العسكري اليمين نائبًا للرئيس خلال الفترة الانتقالية، وذلك في مراسم جرت في العاصمة باماكو.
مبررات الإطاحة
ذات المبررات الفساد والتدهور الاقتصادي والمطالب الشعبية، كانت الهاجس الذي حرك جنود ثكنات مالي للزحف على قصر الحكم في باماكو، وفي كل مرة ينهج الواصل لقصر كالوبا نفس نهج سلفه.
ويبقى الإصلاح وتطبيق القانون والديمقراطية مجرد شعارات لحين تكرار الأمر، فى بلد يعد من أفقر الدول الأفريقية رغم أنها ثاني مصدر لمعدن الذهب في العالم.