رئيس التحرير
عصام كامل

تاريخ التضامن الأفروآسيوي ( 3 ).. استشهاد يوسف السباعي

في صباح يوم 18 فبراير عام 1978، صدرت الصحف المصرية والعربية مجللة بالسواد.. وجاءت مانشيتات "الأهرام": (اغتيال يوسف السباعي في جريمة سوداء بيد التطرف الفلسطيني في قبرص.. إرهابيان يقتحمان قاعة اجتماعات مؤتمر التضامن ويطلقان 3 رصاصات تصيب السباعي في رأسه.. الإرهابيان يحتجزان عددًا من الرهائن ويستقلان طائرة تقلهم إلى عدن.. مصر تعلن أنها ستواجه الغدر بالإجراء الحاسم.. غضب عنيف في مصر رفضا للإرهاب الأسود). وفي خبر آخر فوقه صورة الشهيد: (قلادة الجمهورية لاسم يوسف السباعي وتشييع جثمانه عسكريا).

 

فبينما كان  يوسف السباعي يجلس في بهو أحد فنادق العاصمة القبرصية بعد حضوره مؤتمر التضامن الأفروآسيوي، وأثناء تصفحه إحدى المجلات، إذ بيد الغدر تمتد من رجلين، لتطلق عليه عدة رصاصات، أصابته ثلاث منها. 

 

وكان يوسف السباعي قد وصل  إلى العاصمة القبرصية "نيقوسيا" على رأس الوفد المصري المشارك في مؤتمر التضامن الأفروآسيوي السادس في يوم الجمعة السابع عشر من فبراير  1978، وذلك بصفته سكرتير منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي. 

 

بعد الاغتيال

 

احتجز القاتلان بعد اغتياله نحو 30 من أعضاء الوفود المشاركين في مؤتمر التضامن كرهائن واحتجزوهم في كافيتيريا الفندق، مهددين باستخدام القنابل اليدوية في قتل الرهائن ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوا إلى خارج البلاد، واستجابت السلطات القبرصية لطلب القاتلين وتقرر إقلاعهما على طائرة قبرصية من طراز (DC8) للسفر خارج قبرص من مطار لارنكا، ودارت معركة بين قوة الصاعقة المصرية والجيش القبرصي، أدت إلى مقتل عدة أفراد من القوة المصرية وجرح العديد من الطرفين. واتُّهمت لاحقًا منظمة أبو نضال بالجريمة، التي تسببت في قطع مصر علاقاتها مع قبرص، حيث اتهم السادات السلطات القبرصية بالتواطؤ مع القاتلين.

 

رحلة القدس

 

سافر السادات إلى القدس في نوفمبر عام 1977 مما دفع العديد من الدول العربية إلى قطع علاقاتها مع مصر.. رافق السباعي السادات في رحلته بصفته رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام، وبعد نحو ثلاثة أشهر سافر إلى قبرص رغم كل التحذيرات.

 

يقول محمد صبيح، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، آنذاك: طلبنا، وأنا كنت من المصرين أن يكون هذا الاجتماع إما في موسكو أو في برلين؛ لأن هناك تتوافر حماية.. حماية دول قادرة، ولم تستجب هذه الدول.. فحاولنا بكل السبل ألا نذهب إلى قبرص، لكنه كان فارسًا، وقال أنا لا أريد أن يقولوا إن يوسف السباعي جَبُن ولا يريد أن يحضر.. لا سنذهب".

 

فيما قال حسن شاش، سفير مصر الأسبق بقبرص: "أنا دهشت جدًّا لأن قبرص في الوقت ده كانت جزيرة مخترقة من جميع أجهزة المخابرات الموساد والمخابرات الإنجليزية، ويوسف السباعي كان زار إسرائيل مع الرئيس السادات". 

 

ادعى قاتلا السباعي أنهما قد قتلاه لأنه ذهب إلى القدس برفقة الرئيس السادات ولأنه، بحسب رأيهما، كانت له مواقف معادية للقضية الفلسطينية.. تناقضت الأنباء إذ أعلن في البداية أن القاتلين فلسطينيان، واتضح فيما بعد أن أحدهما فلسطيني والآخر عراقي، وما لبثت منظمة التحرير الفلسطينية أن نفت علاقتها بالحادث، بينما أصرت الصحافة المصرية على اتهام المنظمة بتدبير الحادث.

 

تشييع الجثمان

 

في يوم التاسع عشر من فبراير  عام 1978 أقيمت مراسم تشييع جثمان يوسف السباعي، ولم يحضر الرئيس السادات الجنازة، لكنه أناب عنه نائب رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك ووزير الدفاع محمد عبد الغني الجمسي.

 

نبذة عن السباعي

 

هو يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي، ولد فى  17 يونيو 1917،  تولى العديد من المناصب وتدرج بها حتى وصل لأعلاها، حيث عمل كمدرس في الكلية الحربية، وفي عام 1952م عمل مديرًا للمتحف الحربي، وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية تقلد عددًا من المناصب منها: سكرتير عام المحكمة العليا للفنون، والسكرتير العام لمؤتمر الوحدة الأفروآسيوية، وذلك في عام 1959م، ثم عمل كرئيس تحرير مجلة "آخر ساعة" في عام 1965م، وعضوًا في نادي القصة، ورئيسًا لتحرير مجلة “الرسالة الجديدة".

 

 وفي عام 1966م انتخب سكرتيرًا عامًا لمؤتمر شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعُيِّن عضوًا متفرغًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وزير، ورئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال في عام 1971م، ثم اختير للعمل كوزير للثقافة في مارس 1973م في عهد الرئيس السادات، وأصبح عضوًا في مجلس إدارة مؤسسة الأهرام عام 1976م، وفي عام 1977 تم انتخاب السباعي نقيبًا للصحفيين المصريين، بعد فوزه على منافسه يوسف إدريس.

 

أعمال رائعة

 

صدرت للسباعي العديد من الأعمال الرائعة، كما زخرت المكتبات السينمائية بقصصه المميزة التي ترجمت إلى أعمال فنية متميزة شارك فيها أشهر النجوم وألمعهم.

من الروايات نائب عزرائيل، أرض النفاق، إني راحلة، فديتك يا ليلى، البحث عن جسد، بين الأطلال، ردَّ قلبي، طريق العودة، نادية، جفت الدموع، ليلٌ له آخر، نحن لا نزرع الشوك، لست وحدك، ابتسامة على شفتيه، العمر لحظة، أطياف، اثنتا عشرة امرأة، خبايا الصدور، اثنا عشر رجلًا، في موكب الهوى، من العالم المجهول، مبكى العشاق، شارع الحب، اذكريني، ومن المسرحيات قدم أقوى من الزمن، أم رتيبة، ومن القصص بين أبو الريش وجنينة ناميش، يا أمة ضحكت، الشيخ زعرب وآخرون.

 

ولم يكن يوسف السباعي قد بلغ الستين من العمر عندما استشهد.. وعُيِّن بعده الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، رئيسًا لمنظمة التضامن الأفريقية الآسيوية، وأمينًا عامًّا لاتحاد الكتَّاب الأفريقي الآسيوي.

الجريدة الرسمية