«فيتو» داخل مدرسة «الإمام الطيب» لتحفيظ القرآن للوافدين... مقررات «إلزامية» والدراسة مجانية | فيديو
بعد بلوغه سن الثامنة عشر، ترك عبد الرحمن بلاده في اقصى القارة الإفريقية، وقدم إلى مصر من أجل أن يلتحق بالدراسة في الأزهر الشريف، ليحقق حلم راوده منذ الطفولة، وليشبع رغبة أسرته في أن يحصل نجلهم على الشهادة العالمية من أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي.
التحق عبد الرحمن بإحدى كليات جامعة الأزهر الشرعية وبدأ في دراسة العلوم الشرعية المختلفة، وعلى رأسها القرآن الكريم، والتى وجد بعض الصعوبة في دراسته نظرًا لاختلاف اللغة وعوامل أخرى، وبعد سنوات من الرحلة الشاقة، وجد الطالب الإفريقي ضالته، بعد إعلان افتتاح أبواب مدرسة “ الإمام الطيب” لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم للطلاب الوافدين.
"حناجر ذهبية، وأصوات تعانق أمواج السحاب بتلاوة آيات الله" طلاب من أجناس متعددة يتعلمون القرآن على يد مجموعة من علماء الأزهر الشريف، هكذا بدوا الوضع مع وضع اولى خطوات “ عبد الرحمن” قدميه داخل أروقة مدرسة " الإمام الطيب"، والتي حرصت "فيتو" على قضاء يوم دراسى فيها للتعرف عن قرب عن طبيعة الدراسة فى المدرسة التى يأمل الأزهر الشريف أن تكون بمنزلة انطلاقة جديدة نحو تعليم علوم القرآن الكريم لجميع الطلاب الوافدين داخل مصر وخارجها.
الأزهر الشريف
وكان قد أعلن الأزهر الشريف، مؤخرًا عن افتتاح مدرسة « الإمام الطيب» لحفظ القرآن الكريم وتجويده، للطلاب الوافدين المقيدين بإحدى الجهات الدراسية داخل جمهورية مصر العربية وخارجها، بمقر معهد فتيات البعوث الإسلامية، وتهدف المدرسة إلى نشر المنهج الإسلامى الوسطى القويم عبر حفظ كتاب الله، وإتقان أحكام تلاوته، ومدارسته وتدبر معانيه، فضلًا عن بناء شخصية مسلمة معاصرة تؤثر فى مجتمعها بفعالية، وتواكب تطورات العصر فى التعلم والتعليم الشرعي انطلاقًا من رسالة الأزهر العالمية، إضافة إلى تزويد الطلاب الوافدين والأجانب بالمهارات المتعددة التى تؤهلهم لتدريس القرآن الكريم وعلومه (طرق التدريس، مهارات التواصل الفعال)، مع تعليم وتعلم القراءات المتواترة للقرآن الكريم.
وتستهدف المدرسة طلاب معاهد البعوث الإسلامية (ابتدائي، إعدادي، وثانوي)، وطلاب معاهد الأزهر لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، والطلاب الوافدين والأجانب بجامعة الأزهر، كما تستهدف الطلاب الوافدين والأجانب بالجامعات الأخرى، والوافدين والأجانب داخل مصر سواء الطلاب الوافدين الدارسين بالأزهر أو غير الملتحقين به، فضلًا عن طلاب العلم فى الأقطار الإسلامية خارج مصر.
انطلاقة جديدة
وفى بداية الجولة التقينا مع الدكتور نهلة الصعيدى، رئيس مركز التكوير للطلاب الوافدين والأجانب فى الأزهر الشريف، المشرف على المدرسة، التى أكدت أن مدرسة «الإمام الطيب» لتحفيظ القرآن الكريم تعد انطلاقة جديدة للطلاب الوافدين فى الأزهر، حيث يدرس الطلاب الوافدين فيها علوم القرآن الكريم ليرجعوا بعد ذلك إلى بلادهم بعقول صافية لا تعبث الأوهام ولا الخرفات، خاصة أن الاقتراب من القرآن ومنهجه والرجوع إليه من شأنه أن يملأ البلاد خيرًا ونمامًا، كما أن الابتعاد عن القرآن ومنهجه من شأنه أن يملأ البلاد بالفتن السياسية والعملية ويشغل الناس بما لا يجدى.
«د. نهلة» شددت على أن المدرسة تسعى لإنشاء جيل من المصلحين ممن تربوا على مأدبة القرآن الكريم، والتى كان للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فضل إهدائها للطلاب الوافدين، وهذه من باب أن الأزهر ساحة علمية ممتدة للعالم كله، وعلى يد شيوخه وعلمائه ساد الفكر الوسطى، كما أن حفظ الأمانة فى أروقته وكلياته، وعلى بساطه حلم العلم واللغة العربية، أثبت أبناؤه الوافدون أنهم قادرون على الإصلاح من خلال ما تعملوه فى مدارس الأزهر.
طبيعة الدراسة
من كشف الدكتور عماد عبد النبى محمود عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر والمشرف العلمي بالمدرسة، أن مدرسة الإمام الطيب تعد بمنزلة صرح علمى جديد فى مؤسسة الأزهر الشريف، وهى تعنى بالطلاب الوافدين في مجال القرآن الكريم، وتحظى بدعم كبير من قيادات الأزهر الشريف، برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، موضحا أن المدرسة لها رؤية واضحة فى ميدان القرآن الكريم حيث تعمل على الارتقاء بمستوى الطلاب الوافدين فى مجال القرآن الكريم سواء فيما يتعلق بالحفظ والتلاوة والجانب القيمي والسلوكي والتدبر الخاص لمعاني الآيات، لا سيما أن هذه المدرسة أُعدت لها خطة كبيرة لاختيار أفضل العناصر من المعلمين المتخصصين في مجال القرآن الكريم والتلاوة.
وأضاف: وضعت مستويات تناسب جميع المستويات، حيث وضع في الخطة العلمية للمدرسة مقررات (إلزامية) يلتزم الطلاب بها لحفظها، وذلك من أجل أنها مقرر على الطلبة الوافدين فى المراحل الجامعية المختلفة، حتى يتم الارتقاء بمستوياتهم فى الجامعة ويحصلون على أعلى الدرجات، على أن يتم امتحانهم فيها مع نهاية الفصل الدراسى الأول، على أن يكون للطالب الحرية فى اختيار المقرر الذى يرغب فى حفظه بعد ذلك.
«د. عماد» تابع: المدرسة ترتكز على قاعدة أساسية وهى حفظ القرآن الكريم بطريقة صحيحة ودراسة أحكام التجويد كاملة، وهذه الجزئية مهمة لكل الدارسين فى المدرسة، حيث نعمل على الارتقاء بالمستوى الطلاب حتى يكونوا على غرار كبار القراء، وهذا الأمر له وجه شرعى لأن المولى عز وجل قال فى كتابه: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، والترتيل هو إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وهو ما يتم الانطلاق منه فى بناء شخصية الطلاب، كما أن مقررات المدرسة تختلف عن المقررات الدراسية في المعاهد والجامعات من خلال إعطاء مساحة أكبر لدراسة القرآن الكريم وعلومه، بجانب إعطاء الحرية فى حفظ الكمية التي يريدها فى حفظ القرآن الكريم، بجانب أن المدرسة توفر له مجموعة من العلماء والأساتذة المتخصصين فى علوم القرآن الكريم ممن خضعوا لعدة اختبارات قبل التعاقد معهم.
المشرف العلمى على مدرسة الإمام الطيب، لفت إلى أن الدراسة داخل المدرسة ممتدة طوال أيام السنة وليست مقتصرة على فترة الإجازة الصيفية فقط، على أن تكون الدراسة بها فى الفترة المسائية خلال فترة الدراسة الجامعية، حتى لا يتعارض الدراسة مع محاضرات الطلاب فى الجامعة، كما أن المدرسة تنوى التوسع والانتشار خلال الفترة المقبلة، حيث كانت البداية من مدينة البعوث، وتم افتتاح فصل جديد فى مدينة نصر، ومن المقرر أن يكون هناك فروع أخرى لتشمل جميع أعداد الطلاب الوافدين فى مصر، والذين تجاوز عددهم الـ40 ألف طالب وطالبة على مستوى الجمهورية، ويجرى الإعداد لتجهيز كوادر جديدة من المعلمين من خلال اختيارهم، من خلال اختباراتهم على يد نخبة كبيرة من علماء القرآن الكريم وعلومه داخل جامعة الأزهر، من أجل ضمان تواجد نخبة متميزة فى تحفيظ القرآن الكريم وعلومه، كما أنه لا تعنى بتحفيظ القرآن برواية حفص عن نافع فقط بل تعنى ببقية القراءات الخاصة بالقرآن الكريم، حتى تكون المدرسة بمنزلة معهد قراءات متميز لا يوجد مثله فى أي مكان خاصة أن الدراسية مجانية للطلاب.
الهدف من المدرسة
بدوره.. قال الدكتور أحمد عبد الجليل، المشرف على المدرسة، إن مدرسة الإمام الطيب تعد ترجمة حقيقية لاهتمام ورعاية الإمام الأكبر للطلاب الوافدين فى مصر، وذلك من خلال مركز تطوير الطلاب الوافدين، حيث وافق الإمام الأكبر على إنشاء مركز تطوير الطلاب الوافدين ليكون مشرفا على جميع الطلاب الوافدين فى مصر، حيث يقوم على العناية بالطلاب وحل جميع المشكلات التى قد يتعرضون لها، والمدرسة بدأت عام 2017 كتجربة أولى، لكنها لم تستمر بسبب العديد من الصعوبات التي تعرضت لها، وتم إحياؤه مرة أخرى خلال الأيام الماضية بانطلاقة جديدة عملنا خلالها على تفادي المشكلات التى ظهرت فى المرحلة الأولى، حيث تم عمل حملة دعاية كبيرة بين صفوف الطلاب الوافدين فى جميع المعاهد والكليات التابعة للأزهر الشريف، لضمان تواجد الطلاب.
«د. عبد الجليل» أشار إلى أن قرار إنشاء المدرسة ينص على أن الدارسة فيها «حرة مجانية» بحيث تكون متاحة لكافة الطلاب الوافدين فى مصر دون أي شروط أو قيد، بدراسة مجانية، ونزيد على ذلك تقديم وجبات غداء بشكل يومي للطلاب كنوع من أنواع الرعاية للطلاب خلال مدة الـ ثلاث ساعات مدة الدراسة فى المدرسة، موضحا أن الخطوات الخاصة بالالتحاق الطلاب فى المدرسة تبدأ مع تسجيله بياناته على بوابة الأزهر الإلكترونية ويدون من خلالها عدد أجزاء القرآن الكريم التي يحفظها، ثم يتم التواصل معه بشكل مباشر بعد ذلك من أجل تحديد موعد الاختبارات في عدد الأجزاء التى يحفظها، ثم يتم تحديد المستوى الخاص وتسكينه فى الفصول طبقًا لمستوى حفظه.
كما أكد أن أهم ما يميز المدرسة هو وجود هيئة تدريس على أعلى مستوى تم اختيارها بعناية شديدة بإشراف من فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، الذى يتابع بنفسه الدراسة داخل المدرسة، ويعمل على توفير جميع الاحتياجات الخاصة بها، وذلك من باب عناية ورعاية الإمام الأكبر بالطلاب الوافدين.
وكشف المشرف على المدرسة، عن أنه هناك خطة لإنشاء منصة رقمية تعليمية للطلاب الوافدين للقرآن الكريم خلال الفترة المقبلة، تتبع مدرسة الإمام الطيب فى مصر، وتكون مهمتها تحفيظ ودراسة علوم القرآن الكريم لكافة الراغبين حول العالم، وذلك بعد كثرة الطلبات للالتحاق بالمدرسة من جميع دول العالم خلال الفترة المقبلة، وذلك يأتى ضمن خطة توسع مدرسة الإمام الطيب واستمراريتها.