اتفاقات سرية أم حرب عصابات... سيناريوهات مستقبل «طالبان» و«أمراء الإرهاب»
خلال العشرين عامًا من معركتها ضد القوات الأمريكية والأفغانية، فجَّر المئات من انتحاريّ حركة «طالبان» أنفسهم ضد أهداف مختلفة، وأسفرت الهجمات هذه عن آلاف الضحايا، بينهم عدد كبير من المدنيين، لكن دارت الأيام ليتم استخدم السلاح نفسه ضد «طالبان» بعدما أصبحت فى الحكم، وشكَّل الهجوم على مطار كابول الذى تبناه تنظيم داعش اختبارًا أول لـ«طالبان».
وثبت أنه ستكون هناك صعوبة فى تأمين البلاد ضد العنف الداخلى، لا سيما القادم من ناحية تنظيمى «القاعدة» و«داعش» حيث يتواجه التنظيمان المنحدران من فرعين مختلفين من التفكير الإرهابى المتشدد، منذ سنوات فى أفغانستان، وباتت أصابع الاتهام توجه إلى «طالبان» نفسها بسبب إجرائها المثير للجدل بالإفراج عن جميع السجناء، باعتبار أن تلك الخطوة أتاحت لمجموعات مسلحة أخرى بينها تنظيم داعش اكتساب أرضية واسعة جديدة.
فى المقابل.. يحاول قادة «طالبان» المدركون لنتائج خطوتهم غير المحسوبة، رفع المسئولية عنهم من خلال إلقاء اللوم على الرئيس السابق أشرف غنى، الذى هرب من البلاد، حيث قال المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين هذا الأسبوع: «نحن حذرون لأن سجناء من داعش غادروا السجن ويختبئون الآن بعد أن ترك موظفون من إدارة كابول مناصبهم»، فيما كانت الدول الغربية تكثف تنبيهاتها من خطر شن تنظيم داعش هجومًا على المطار.
طالبان
«شاهين» فى حديثه لهجة مطمئنة، وقال فى لقاء له مع قناة باكستانية: «أجهزتنا الاستخباراتية وقواتنا الأمنية ناشطة لتجنّب حصول هجوم من هذا النوع»، لكن السيناريو الأسوأ حدث وحملت «طالبان» واشنطن المسئولية، مؤكدة أن أمن المنطقة التى وقع فيها التفجيران كان من مسئولية الولايات المتحدة، ومن المتوقع من «طالبان» إلقاء اللوم على واشنطن فى أي أزمة ستواجهها بعد 31 أغسطس، وعندما ستكون سحبت كامل قواتها من البلد، ومن المحتمل أن يزيد من عجز «طالبان» عن منع وقوع هجمات فى المستقبل، الثقة القليلة التى تتمتع بها الحركة خصوصًا فى العاصمة.
داعش
ويعرف تنظيم «داعش - ولاية خراسان» بأنه العدو الأشد لحركة طالبان، حيث خاض الطرفان معارك عنيفة فى الماضى، وتأسس هذا التنظيم فى أفغانستان عام 2015، ويحمل اسما قديما لآسيا الوسطى التى تضم أفغانستان، وارتكب التنظيم الإرهابى فظائع عديدة فى أفغانستان، من بينها ذبح 16 شخصًا بينهم رضيعان حديثا الولادة فى مستشفى يديره جمعية «أطباء بلا حدود» فى العاصمة الأفغانية «كابول» عام 2020، وكذلك هجوم مسلح على جامعة كابول فى العام نفسه، أدى إلى مقتل 22 طالبا.
كما استهدف التنظيم الإرهابي مدرسة للبنات فى العاصمة الأفغانية بعدة سيارات مفخخة ما أسفر عن سقوط أكثر من 40 قتيلًا، وجاء انطلاق الفرع الجديد من داعش، بعدما اختار زعيم التنظيم أبو بكر البغدادى، الباكستانى حافظ سعيد خان، المقاتل السابق فى حركة طالبان باكستان أميرا لداعش خراسان، بعد مبايعته للبغدادى فى عام 2014، ومعه عدد من قادة طالبان باكستان، وتولى القيادى السابق فى حركة طالبان الأفغانية، عبد الرءوف كاظم، منصب نائب خان.
ويضم تنظيم «داعش - ولاية خراسان» خليطا من المسلحين المتنمين فى السابق إلى فصائل مسلحة مثل «طالبان باكستان» وجماعات «عسكر الإسلام» الإرهابية، وشبكة «حقاني» فى أفغانستان، وجماعة «الدعوة والحركة» المتشددة فى أوزبكستان، ووصل عدد مسلحى التنظيم الإرهابى إلى نحو 3-4 آلاف فى عام 2016، إبان توسع التنظيم الأم فى سوريا والعراق.
لكن التنظيم لاحقته نكسات عسكرية متتالية فى ولاية جوزجان، شمال أفغانستان، عام 2018 بحسب تقرير للأمم المتحدة، ويقول مركز الدراسات الإستراتيجية إن قدرة داعش فى أفغانستان تراجعت كثيرا، إلى حد أن عدد مسلحيه أصبحوا ما بين 1500 و2000 فقط فى 2018، وعلى الرغم من تعرض داعش خراسان لضربات قوية وخسارة الكثير من مصادر التمويل فى 2020، إلا أنه لا يزال يحتفظ بقوة عسكرية فى مناطق صغيرة، بولايتى كونار وننجرهار شرق كابول.
اشتباكات
وتعرض زعيم «داعش - ولاية خراسان» الأول حافظ خان للقتل ومعه 30 مسلحًا من التنظيم فى غارة أمريكية نفذتها طائرة دون طيار عام 2015، وحل مكانه شخص يدعى عبد الحسيب، قتل هو الآخر فى هجوم للقوات الخاصة الأفغانية فى عام 2017 بولاية ننجرهار شرق أفغانستان، ويعتقد أنه العقل المدبر للهجوم الذى استهدف المستشفى العسكرى فى العاصمة كابول فى العام نفسه، ما أسفر حينها عن مقتل نحو 50 شخصًا، ولم يبق خليفته، «أبو سيد» سوى شهرين فى موقعه قبل أن يقتل مع مسلحين آخرين فى التنظيم، فى غارة أمريكية فى ولاية كونار.
ويعتقد أن زعيم «داعش خراسان» منذ يونيو 2020 شخص يطلق على نفسه الشاب المهاجر، كما يحمل اسما آخر هو «سناء الله».
سبب الخلاف
من جانبه، قال سامح عيد، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية: لا يوجد خلاف أيديولوجي كبير بين «طالبان» من جهة وتنظيمي «داعش» و«القاعدة» من جهة أخرى؛ لأنهم يتشاركون فى مبدأ تطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية، ولذلك فالخلاف النوعى البسيط بينهم هو خلاف إستراتيجى؛ فـ«طالبان» أكثر محلية، و«القاعدة» و«داعش» مع خلافة أممية ممتدة خارج أفغانستان ودول أخرى.
وأضاف: هذا الخلاف لا يجعلهم فى صدام مستمر، ولعل ذلك ما حدث عندما انتهت الحرب الأفغانية، وحاول زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الخروج للسودان ودول أخرى، ثم عاد للحدود الأفغانية الباكستانية.
وربما أيمن الظواهرى موجود أيضا هناك، لكن فى النهاية لم يدخلا فى صراع، وطالبان أبلغتهم أنه فى حال الاستمرار فى محاربة أمريكا يجب أن يكون ذلك خارج أفغانستان، وبالفعل شن التنظيم هجماته فى الخارج واستهدف المدمرة كول فى اليمن وتدمير سفارتى الولايات المتحدة بنيروبى ودار السلام، ثم هجمات 11 سبتمبر، ووقتها هاجم الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الابن «طالبان» واتهمها بإيواء القاعدة.
وتابع: «داعش - ولاية خرسان» دخل مسبقا فى مناوشات مع طالبان، لكن كانوا متفقين على محاربة الأمريكان، ثم جاءت العملية الأخيرة لـ«داعش خراسان» بضرب الأمريكان والمتعاونين معهم –الذين من وجهة نظر طالبان خونة- بمطار كابول، و«داعش» ربما يكون أقوى قتاليا وأكثر جسارة بالعمليات الانتحارية، والطبيعية الجبلية وحرب العصابات فى صالحه، وبالتالى لو دخلت «طالبان» فى حرب مع داعش والقاعدة لن يكون الأمر فى صالحها؛ لأن الوضع اختلف، وستحارب «طالبان» كدولة، وهو الأمر الذى أعطاها أفضلية على الأمريكان، كما أن الحركة ليس لديها نفس الطيران الذى لدى أمريكا.
«عيد» أكد أن الخلاف بين طالبان والتنظيمين الإرهابيين إستراتيجى ونوعى وليس أيديولوجيا؛ لأنهم يشتركون فى التشدد الراديكالى، وليس من مصلحة داعش الحرب مع طالبان؛ لأنهم يرون أنهم يريدون إقامة الإمارة الإسلامية، وربما يركزوا جهودهم فى الحرب على أمريكا وتنفيذ عمليات فى الخارج، كما أنه لا يمكن توقع أن تدخل طالبان فى حرب مع داعش والقاعدة حتى ولو حصلت على دعم غربي.
كما شدد على أن «الحرب مع التنظيمين معركة خاسرة لطالبان، وسيكون هناك اتفاق سري غير معلن؛ لأن الحرب ليست فى مصلحة الطرفين وكل منهم سيحتفظ بمواقعه، ولو حدثت مناوشات ستكون بسيطة وليست إقصائية، أي أنه لن يستطيع أحد إقصاء الآخر، ولكن هناك تحذيرات من الأمم المتحدة بأنه مع وجود طالبان فى أفغانسان ستكون البلد منطقة جاذبة للإرهابيين الجدد، وبؤرة مثيرة للقلق سواء لجيرانها أو للدول العربية».
نقلًا عن العدد الورقي…