المشير الجمسى بين عبد الناصر والسادات!
بعد نكسة يونية 1967 التى كانت أشبه بزلزال لم يضرب مصر أو العالم العربي فقط بل ضرب العالم أجمع، حدث أن البعض شعر بإحباط شديد، من هؤلاء كان اللواء محمد عبدالغنى الجمسى، الذى ذهب سرا إلى الزعيم جمال عبد الناصر وطلب قبول استقالته لإنه لم يعد لديه قدرة على العطاء! فرفض الزعيم جمال عبد الناصر مناقشة الأمر، وكلفه بالمهام الجديدة فى عمليات الجيش، وقال للجمسى: أومال مين اللى هيحرر الأرض يا جمسى؟
بعد هذا اللقاء بأيام وقعت معركة من أهم المعارك التى كان لها توابع تاريخية، وهى معركة رأس العش التى يقول عنها المشير محمد عبدالغنى الجمسى فى مذكراته: فى الأول من يوليو 1967 تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق -شرق القناة– فى إتجاه بورفؤاد شرق بورسعيد لاحتلالها، وكانت المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو، فتصدت لها قواتنا ودارت المعركة، كان يدافع في منطقة رأس العش ـ جنوب بور فؤادـ قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة المصرية عددها ثلاثون مقاتلا من قوة الكتيبة 43 صاعقة بقيادة الرائد سيد الشرقاوى الذى أعطى أمر عمليات لقائد سرية الصاعقة الملازم فتحى عبد الله -لواء متقاعد حاليا- بتجهيز السرية للعبور وعمل خط دفاعى أمام القوات الإسرائيلية المتقدمة..
بالفعل تقدمت القوة الإسرائيلية، تشمل سرية دبابات (ثلاث دبابات) مدعمة بقوة مشاة ميكانيكة في عربات نصف جنزير، وقامت بالهجوم على قوة الصاعقة التي تشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية، عاود العدو الهجوم أكثر من مرة، إلا أنه فشل في اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير بالإضافة لخسائر بشرية واضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب، وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر73.
التصادم مع السادات
كان الجمسى عنصرا مهما وفعالا دون الظهور فى الإعلام، ولكن الجميع كان يعلم ويقدر دوره الكبير، وبعد رحيل المشير أحمد إسماعيل تولى وزارة الحربية. وبالرغم من أن السادات عندما اختاره لوزارة الحربية قال له أنت وزيرى مدى الحياة، إلا أن العلاقة بينهما توترت وإنتهت بشكل أغضب الجمسى وأصيب بالإحباط.
يقول المشير محمد عبدالغنى الجمسى: لم أستشعر مطلقا رغبة الرئيس السادات فى عقد إتفاق مع إسرائيل، وإن كان السيد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس السادات هو من استشعر هذا بعد توطدت العلاقة بين السادات ووزير الخارجية الأمريكية هنرى كسينجر. ويضيف المشير الجمسى: فى أحد اللقاءات مع الجانب العسكرى الإسرائيلى، رفضت الكثير من مقترحاتهم حول توزيع القوات المصرية فى سيناء، على سبيل المثال ألا يكون هناك قوات مصرية بعد خط المضايق أى حوالى 55 كيلو متر وتصبح سيناء بعد ذلك منزوعة السلاح، وقلت: أترك سيناء بهذا الشكل فكيف أدافع عن بلدى؟!
هنا رد الوفد الاسرائيلى بأن الرئيس السادات وافق على هذا المقترح فى إسرائيل! وهنا يصمت المشير الجمسى ويقول اختلفت وحدث تصادم مع الرئيس السادات إلا أنه هو القائد وكلمته الأخيرة، وأذكر هنا عندما قرر الرئيس السفر إلى كامب ديفيد بأمريكا رفض سفرى معه، فعرضت عليه ضرورة وجود رجل عسكرى ورشحت له اللواء طه المجدوب، ولكنه رفض أيضا سفر المجدوب، وتمت إتفاقية كامب ديفيد بدون وزير الحربية أو أى رجل عسكرى مصرى، بعكس الوفد الإسرائيلى.
إتفاقية السلام
ومن المواقف التى لا ينساها المشير الجمسى وقد أثرت فى نفسيته كثيرا، أنه فى الثالث من أكتوبر 1978 تم استدعاءه من الرئاسة لمقابلة الرئيس السادات، وعلى الفور ذهب، وجلس ليجد السادات يتحدث عن المرحلة الجديدة بعد إتفاقية السلام، وهذه المرحلة تحتاج فكر ورجال جدد، ولهذا تم إبعاد المهندس سيد مرعى من منصبه - نسيب السادات ورئيس مجلس الشعب- وسيتم تغيير إسم وزارة الحربية إلى وزارة الدفاع، وقررت تعيين كمال حسن على وزيرا للدفاع!
المفاجأة كانت كبيرة وشديدة على المشير الجمسى مع تسليمه بأن السادات هو القائد وله الحق فى إصدار أى قرار، الشىء الأصعب أن القرار تم إبلاغه قبل الإحتفال بذكرى إنتصار السادس من أكتوبر، الذكرى الأهم لدى المصريين والعرب، والإحتفال الذى أشرف على تجهيزه الجمسى كان عرضا عسكريا رفيع المستوى!
وطلب السادات منه حضور العرض العسكرى، عاد إلى مكتبه وأشرف على آخر شىء خاص بالعرض العسكرى، وشاهد كمال حسن على يحلف اليمين، وقبل ترك مكتبه قيل له أن الطائرة الخاصة بالقادة ستنطلق الساعة الثامنة والنصف، وحضرتك مدعو، فقال لهم إذا لم أحضر الساعة الثامنة والنصف إلا خمسة دقائق فلن أحضر. ولم يذهب لأنه كان حزين ومحبط، وتجاهلته الدولة أيام السادات وأيضا أيام حسنى مبارك حتى رحل فى هدوء.
كان لى الشرف فى استضافته فى مركز رامتان طه حسين الثقافى وشاركه اللقاء د.إسماعيل صبرى عبد الله، وحديث آخر رحم الله الجميع..