كيف تعيد الحياة إلى جثة
في السنة الثالثة لي بكلية الطب، اشتريت جثة كاملة لامرأة شابة، كانت قد قتلت قبل أيام، وذلك لأطبق عليها عمليا ما أتعلمه عن التشريح. كانت الجثة دافئة، وكأنها قتلت للتو. وضعتها داخل الثلاجة، على هيئة الجنين في رحم أمه، حتى لا تتعفن، وتفوح رائحتها، فيبلغ عني الجيران وتتهمني الشرطة بجريمة القتل. بعد يومين، أخرجت الجثة ومددتها على السفرة، وبدأت في إخراج أدوات التشريح، وقبل أن أمرر مشرطي على جلدها، خلتها تبتسم لي، ففزعت وأنا الذي لا يخاف حتى من العفاريت!
وضعت يدي على جبهة الجثة فوجدتها مازالت دافئة، رغم برودة جو الثلاجة، فذهبت إلى الثلاجة لاتفحصها فربما قد انقطع عنها التيار الكهربائي، غير أن ذلك الشك قد تبدد حالما رأيت الثلج يبطن الفريزر، وكأنها ليلة منتصف الشتاء في القطب الشمالي. المشرط مرة أخرى اقتربت من الجثة، ومددت يدي بالمشرط، ومرة أخرى رأيتها تبتسم على اتساع شدقهيا، وفجأة فتحت عينيها، فاهتزت يدي وسقط المشرط، ووجدتني أصرخ، بينما تجمدت قدماي وكأنهما مسلتين مزرعتين في الصخر.
اعتدلت الجثة وجلست على طرف السفرة، ثم راحت تأرجح رجليها كطفلة تتلذذ بالحلوى، وهي تدندن أغنيتها المفضلة. في هذه الأثناء، كنت أتمتم بكل ما أحفظ من كلام عن طرد الجن والأرواح الشريرة، لكن شيئا لم يتغير، فالجثة تواصل الغناء. بمرور الوقت اعتدت المشهد، فاقتربت من الجثة، وسألتها إن كانت امرأة حية أو عائدة من الموت، لكنها أقسمت لي بكل المقدسات أنها جثة.. امرأة ميتة.
لم يكن لدي تصور عما يمكن أن يحدث، أو كيف أتصرف، فهذه أول مرة أصادف جثة حية، تغني وتتحدث، وربما لاحظت هي اضطرابي، فأخذت تحادثني في لطف، وكأنها أم تهدد طفلها الخائف في مهده. لسبع ساعات متواصلة، ظلت الجثة تحكي لي قصة حياتها، قبل موتها، فأخبرتني أنها كانت شابة أخرجها من السنة الثالثة لها في كلية الحقوق، وزوجوها لشاب أعجب بها حين رآها ترقص في فرح قريبة لها.
قصة حياة الجثة
لم يكن هناك داع لسؤال الشابة عن رأيها، فضيق الحال، وكونها واحدة من بين سبع شقيقات لرجل معدم، دفع أهلها لتزويجها من هذا الشاب، كي يتخلصوا من عبء أكلها وشربها وتعليمها. كثير من الكلام قالته الجثة، عن حياتها السابقة، وحين عرضت عليها أن أحضر لها بعض الطعام، ضحكت كما طفلة، وأخبرتني أنني ربما أكون ممسوسا أو مجنونا، فكيف لجثة أن تأكل، ثم واصلت الحكي وكأنها راديو لا يكف عن الكلام.
أكملت الجثة قصتها، وقالت إن زوجها قتلها لأنها امتنعت عن محادثته منذ تزوجها، وأقسمت لي مرة أخرى، أنها حاولت كثيرا أن تتحدث لكن كلمة واحدة لم تخرج من فمها، وهي لا تعرف السبب في ذلك الخرس الذي انتابها لسبعة أشهر، هي عمر تلك الزيجة المشئومة. قتلها زوجها، لكنه لم يُتهم بشيء، فقد كُيفت الجريمة لتكون انتحارا، وشهد بذلك أهلها قبل أهله، حين منحهم الزوج مبلغا من المال، بعدما أقنعهم والد الزوج بأن سجن ابنه لن يعيد ابنتهم للحياة، وأن قبولهم تلك الدية هو عين الصواب للإنفاق على باقي شقيقاتها، فالحي أبقى من الميت.
غلبني النعاس، بينما الجثة تواصل حكي قصتها، وحين استيقظت ظهرا، وجدتها قد حضرت لي طعاما وكوبا من الشاي، ثم جلست إلى جواري، أنا آكل وهي تحكي.. مللت من الاستماع إليها، رغم تعاطفي معاها، ثم قررت فجأة أن أنهي ذلك الجنون، فكيف لحي أن يحادث جثة، ولهذا أمسكت بالسكين التي أحضرتها هي مع الطعام وغرستها في رقبتها، فسقطت على الأرض، ثم سرعان ما شهقت واستفاقت وكأنها قد عادت من موتها.
بالفعل دبت الحياة في الجثة من جديد، فعادت امرأة شابة، لكنها لم تقو على الكلام، وطلبت مني - بالإشارة وقد فهمتها - أن أُبقي عليها في بيتي، إلى أن تموت مرة أخرى لتستعيد القدرة على الكلام، حتى تتمكن من العيش وسط الناس.