أهل الجنة وأصحاب النار
لن أستغرب لو جاء يوم القيامة، ولنكتشف أن شيوخًا مشاهير وعلماء أفذاذ، يساقون إلى النار، ويكون مستقرهم في قعر جهنم. ولن أندهش إذا رأيت أناس كنا نظنهم من أهل الرذيلة واللهو واللعب، وأنهم أبعد الناس عن الله، ترشدهم ملائكة الرحمة إلى طريق جنات الخلد، والفردوس الأعلى. لأن "ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل"، ولأن من ضمن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة بظله، يوم لا ظل إلا ظله؛ "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" طبقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا تأخذوا بالمظاهر، ولا تحكموا على الناس بالصور والأشكال.. فـرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
خلال الأيام الماضية قرأت التعليقات، وتابعت الغمز واللمز على ما نشر حول رؤيا الفنان رشوان توفيق للفنانين الراحلين سمير غانم ودلال عبد العزيز، وتبشيره لذويهما بأن لهما الجنة.. سخرية.. وتنمر.. لمجرد أن صاحب الرؤيا يعمل بالفن.
أدعياء الدين، ومغتصبي مفاتيح الجنة والنار لا يقتنعون، ولا يحبون، إلا من يرتدي العمامة والجلباب القصير، والشبشب، وذا اللحية الكثة.. أي أنهم لا يأخذون إلا بالمظاهر، مهما كان الجوهر بشعًا، وتلك كارثة، تقف وراء الكثير من الجرائم، والعنف والإرهاب.
واسمحوا لي أن أحكي مشهدًا بطله الفنان سليمان نجيب، رحمه الله، فقبل أن يلبي نداء ربه أوصى بسيارته لسائقه، والمطبخ والسفرة للطباخ، وباقي الأثاث لدار الأوبرا المصرية التي كان هو رئيسها.
وفي يوم وفاته كان أخوه خارج مصر.. فطلب من أحد أصدقائه أن يتولى تجهيز الجنازة على أن يكتب فواتير بكل قرش أنفقه، ليسدده له بعد عودته.. وفعلا نفذ الصديق ما طلب منه، ولما رجع لمصر قابل شقيق سليمان نجيب، وقدم له فواتير بمصاريف الجنازة وكانت 299 جنيهًا وقرشًا واحدًا.. وأخرج الأخ دفتر الشيكات ليكتب له شيكًا بالمبلغ، فإذا بالخادم يبلغه بأن هناك مبلغًا تركه سليمان نجيب في الدولاب لمصاريف جنازته.. ووجدوا نقودًا، فعدوها، فإذا بها بالضبط 299 جنيهًا وقرش واحد.. نفس مصاريف الجنازة!! وسبحان الله، وكأنه أحد أولياء الله الصالحين.
قرأت تلك القصة الجميلة على "تويتر"، لكن التعليقات صدمتني.. أحدهم يقول: "يا جماعة ده فنان.. يعني كداب.. تصدقوا كداب يحصل معاه كدة"؟!! لا حول ولا قوة إلا بالله.
المظاهر خادعة
نسأل الله حسن الخاتمة.. فكثير من الناس يسيرون في الحياة سيرة حسنة، لكن خاتمتهم تكون سيئة، والعكس.. يحكى أن أحد السلاطين استيقظ ذات ليلة، ونادى على أحد حراسه المقربين، وقال له: جهز لنا الخيل سوف نخرج اليوم متنكرين؛ لنتفقد أحوال الناس.
وبينما هما سائرين إذا بهما يشاهدان جثة رجل ملقاة على الأرض، والناس يمرون بجانبها، ولا يعبأون بها، ولا يقتربون منها. تعجب السلطان وسأل: جثة من هذه؟!
فقالوا له: إنها جثة رجل، كانت أخلاقه سيئة وكان مدمنًا على الخمر.. وليس له أولاد أو أهل غير زوجته، ولا أحد من الناس يقبل أن يدفنه. فغضب السلطان، وقال: أليس من أمة سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"؟!
فحمل السلطان وحارسه جثة الرجل، وذهبا به إلى زوجته، وما إن رأت جثة زوجها حتى انهارت في نوبة من البكاء. فتعجب منها السلطان المتنكر، وقال لها: لماذا تبكين عليه؟ وقد كان سيء الخلق وشاربًا للخمر؟!
فقالت له وهي تنتحب من شدة البكاء: هذا غير صحيح.. إن زوجي كان عابدًا زاهدًا لله وورعًا.. غير أنه لم يرزق بأولاد، ومن شدة حبه للذرية وللأولاد كان يشتري الخمر بكميات كبيرة، ويأتي به إلى البيت ويصبه في المرحاض، حتى إذا ذهب شباب المسلمين لشرائه لم يجدوه!! وكان يقول: الحمد لله أني خففت عن شباب المسلمين بعض المعاصي. وكان يذهب إلى الداعرات، ويعطيهن أجرهن ليوم كامل؛ على شرط أن يرجعن إلى بيوتهن ولا يزنين!! ويقول: الحمد لله أني خففت عنهن وعن شباب المسلمين بعض المعاصي.
فكنت أقول له: إن الناس لهم ظاهر الأعمال، وإنك سوف تموت ولن تجد من يغسلك ويدفنك ويصلي عليك.. فكان يضحك ويقول لي: بل سوف يصلي عليّ السلطان والوزراء، والعلماء وجميع المسلمين!!
فبكى السلطان وأعلن لزوجة الرجل المتوفى عن هويته، قائلا: والله إني أنا السلطان وإنهُ لصادق. وأقسم قائلا: والله سوف أغسله وأدفنه بنفسي، وأجمع جميع المسلمين للصلاة عليه. فأمر السلطان أن يحضر الجيش كله للصلاة عليه، وأن يحضر كذلك جميع المسلمين وأن يدفن في مقابر السلاطين.
أتمنى أن نكف عن الحكم على الناس بالمظاهر، فكثيرًا ما تكون المظاهر خادعة، وجميعنا نتعلق برحمة الله وشفاعة رسوله.