مفاتيح الجنة والنار!
يتقمص الكثيرون منا
شخصيات سدنة الجنة والنار، يمنحون هذا صكوك الغفران على الطريقة الإسلامية، فيكون في رأيهم أنه يستحق دخول الجنة، ويحرمون غيره منها ويحيلونه إلى النار.. هكذا.. استنادا
إلى المظهر والتصرفات العلنية فقط، ولا يتكبدون عناء التعمق في الشخصية، ولا يسألون
أنفسهم عن مدى أحقيتهم في إصدار الأحكام على الناس!
نفعل ذلك ونحن نتصور أننا الأفضل وفي المرتبة العليا من التدين والإيمان والتقوى والصلاح والأخلاق.. أو على الأقل نتخيل أن من حقنا الاستحواذ على القدر الأكبر من رضا الله تعالى. نضع أنفسنا دائما في خانة المخلصين والعاملين والمجدين والنابهين بل والعباقرة!! ونضع الآخرين في خانة المنافقين الكاذبين المهملين!
التماس العذر
لا نكلف أنفسنا، يوما عبء التماس العذر لغيرنا إن أخطأوا، رغم أن هذا هو المفروض والواجب.. "التمس لأخيك سبعين عذرا، فإن لم تجد فقل لعل له عذرا لا أعرفه". في فترة سابقة، كان أحد كبار المسئولين في مصر مشهورا بالفساد وقبول الرشاوى والمحسوبية ومنح العطاءات والمناقصات بالأمر المباشر، ولم تكن صحف المعارضة تستطيع الاقتراب منه أو المساس بتصرفاته أو انتقاده نظرا لأنه كان يلجأ إلى استخدام نفوذه وعلاقاته في وقف الحملات ضده، والتنكيل بأي صحفي يجرؤ على توجيه سهام النقد للمسئول الكبير!!
الغريب أن هذا المسئول اتخذ خطوة كان من شأنها إنقاذ حياة آلاف المصريين وغيرهم من مرضى القلب والشرايين، حيث ساهم في إرسال عدد كبير من الأطباء حديثي التخرج والراغبين في التخصص في هذا الفرع من الطب إلى دول أوروبية متقدمة جدا في تلك المجالات وهناك تلقوا دراسات مكثفة وعملية باستخدام أحدث التكنولوجيات آنذاك.. ومن ثم عاد هؤلاء الأطباء وقد صاروا ملمين بتفاصيل التطور العالمي في مجال القلب والشرايين، وماهرين في إجراء الجراحات والقساطر.
قرارات صعبة
لقد كنت أذكر أن أي مريض يشخص الطبيب مرضه ويقرر أنه يحتاج إلى إجراء قسطرة أو جراحة القلب المفتوح فكان أهله يلطمون الخدود ويشقون الجيوب على اعتبار أن الداخل إلى هذا الصنف من العمليات مفقود والخارج منها مولود، نظرا لضعف مستوى الأطباء وقتها. ولكن
شهد القطاع الطبي قفزة عملاقة، بعد الخطوة التي ساهم ذلك المسئول في إتمامها على مستوى مصر كلها.. صارت القسطرة، مثل "شكة الإبرة"، وقد جربتها، أنا، مرات عديدة.. وأصبحت جراحة القلب المفتوح عادية كغيرها من الجراحات، لا تثير القلق والخوف على الإطلاق.
السؤال الآن؛ ذلك المسئول وهو الآن قد بلغ من الكبر عتيا، وفقد سطوته، هل يستحق الإشادة، أم اللعنة؟! القرار شديد الصعوبة، لكنني أميل إلى أنه يستحق الثناء والتقدير؛ لإسهامه في إنقاذ أرواح الكثيرين.. لكن كم واحد يعرف ذلك؟! ومن منا يفكر في محاسن الناس، وإيجابيات الآخرين؟!
مثال آخر؛ الدكتور جلال السعيد، وزير النقل الأسبق ومحافظ القاهرة قبل عدة سنوات.. اتخذ الكثير والكثير من القرارات الجيدة، سأذكر منها فقط، قراره بإلزام المتاجر والمحلات في القاهرة وغيرها، بتركيب كاميرات.. وقتها كانت العمليات الإرهابية على أشدها. قرار جلال السعيد أسفر عن العديد من النتائج الرائعة وغير المتوقعة، فكم من جريمة تم الكشف عن ملابساتها والمتورطين في ارتكابها، وكم من مختطف نجحت قوات الأمن في التوصل لهوية الخاطف، وبالتالي إنقاذ المجني عليه.. أبسط النتائج مثلا معرفة المتورط في إشعال حريق التوفيقية قبل شهور، والذي أدى إلى تدمير عشرات المحلات، وتكبيد أصحابها ملايين الجنيهات.
فوزى وحليم
قرار آخر، هو منع دخول التوك توك إلى شوارع وسط القاهرة، ومنع السيارات من "الركن" في تلك الشوارع.. فهل فكرنا كم سائق سيارة كان يقل مريضا يحتاج إلى إسعاف سريع، ولو لم تكن شوارع وسط البلد خالية لربما توفي المريض؟! ليس لنا أن ننقب في تصرفات الرجل ولا سلوكياته، ولا التزامه بأداء العبادات والفروض.. وغيرها.. هذا ليس من شأننا، يكفينا ذلك الإنجاز الجبار.
الفنان الراحل محمد فوزي، طالما أطرب أسماعنا بالأغاني العاطفية الجميلة، وأدى العديد من الأدوار الرومانسية في أفلامه.. ومن الطبيعي أن يحيله "إخواننا إياهم" إلى "قائمة المحرومين من الجنة"، لكن لم يفكر أحد هؤلاء في أن محمد فوزي، رحمه الله، أشرف على تسجيل القرآن الكريم مرتلا بأصوات عدد من كبار القراء، مثل: محمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، في الاستديو الذي كان يملكه، ورفض أن يتقاضى جنيها واحدا في مقابل ذلك العمل الجليل.. فهل يكون مصير إنسان مثله إلا جنة الخلد؟!
لطالما استمتعت، واقشعر جسمي، وأنا أستمع إلى محمد فوزي، وهو يغني:
"قف بالخشوع وناد ربك ياهو .. فهو الكريم يجيب من ناداه
واسأله ما شاءت يداك فإنه .. مبسوطتان لمن دعاه يداه
هو أول.. هو آخر.. هو ظاهر .. هو باطن.. ليس العيون تراه
سبحان من عنت الوجوه لوجهه .. وله سجود أوجه وجباه
يا من هو المعروف بالمعروف .. يا غوثاه يا رباه يا مولاه".
عبد الحليم حافظ.. دخلت في جدالات طويلة، ومرهقة، مع أشخاص تمسكوا بأن "حليم"، والعياذ بالله، لا يمكن أن يدخل الجنة؛ بزعم أنه أمضى حياته متقلبا بين الحسناوات وفي الملاهي والحانات! ألم يستمع هؤلاء إلى المطرب الراحل، رحمه الله، وهو يجيب، حين سئل: "من كنت تقصد بـ كامل الأوصاف"؟ فيقول: "سيدنا رسول الله"، صلى الله وعلى آله وسلم؟!!
أخيرا، ليس لنا أن نقيم الناس، ولا أن نصدر أحكاما في حقهم، فالجنة والنار من اختصاص المولى عز وجل.
نفعل ذلك ونحن نتصور أننا الأفضل وفي المرتبة العليا من التدين والإيمان والتقوى والصلاح والأخلاق.. أو على الأقل نتخيل أن من حقنا الاستحواذ على القدر الأكبر من رضا الله تعالى. نضع أنفسنا دائما في خانة المخلصين والعاملين والمجدين والنابهين بل والعباقرة!! ونضع الآخرين في خانة المنافقين الكاذبين المهملين!
التماس العذر
لا نكلف أنفسنا، يوما عبء التماس العذر لغيرنا إن أخطأوا، رغم أن هذا هو المفروض والواجب.. "التمس لأخيك سبعين عذرا، فإن لم تجد فقل لعل له عذرا لا أعرفه". في فترة سابقة، كان أحد كبار المسئولين في مصر مشهورا بالفساد وقبول الرشاوى والمحسوبية ومنح العطاءات والمناقصات بالأمر المباشر، ولم تكن صحف المعارضة تستطيع الاقتراب منه أو المساس بتصرفاته أو انتقاده نظرا لأنه كان يلجأ إلى استخدام نفوذه وعلاقاته في وقف الحملات ضده، والتنكيل بأي صحفي يجرؤ على توجيه سهام النقد للمسئول الكبير!!
الغريب أن هذا المسئول اتخذ خطوة كان من شأنها إنقاذ حياة آلاف المصريين وغيرهم من مرضى القلب والشرايين، حيث ساهم في إرسال عدد كبير من الأطباء حديثي التخرج والراغبين في التخصص في هذا الفرع من الطب إلى دول أوروبية متقدمة جدا في تلك المجالات وهناك تلقوا دراسات مكثفة وعملية باستخدام أحدث التكنولوجيات آنذاك.. ومن ثم عاد هؤلاء الأطباء وقد صاروا ملمين بتفاصيل التطور العالمي في مجال القلب والشرايين، وماهرين في إجراء الجراحات والقساطر.
قرارات صعبة
لقد كنت أذكر أن أي مريض يشخص الطبيب مرضه ويقرر أنه يحتاج إلى إجراء قسطرة أو جراحة القلب المفتوح فكان أهله يلطمون الخدود ويشقون الجيوب على اعتبار أن الداخل إلى هذا الصنف من العمليات مفقود والخارج منها مولود، نظرا لضعف مستوى الأطباء وقتها. ولكن
شهد القطاع الطبي قفزة عملاقة، بعد الخطوة التي ساهم ذلك المسئول في إتمامها على مستوى مصر كلها.. صارت القسطرة، مثل "شكة الإبرة"، وقد جربتها، أنا، مرات عديدة.. وأصبحت جراحة القلب المفتوح عادية كغيرها من الجراحات، لا تثير القلق والخوف على الإطلاق.
السؤال الآن؛ ذلك المسئول وهو الآن قد بلغ من الكبر عتيا، وفقد سطوته، هل يستحق الإشادة، أم اللعنة؟! القرار شديد الصعوبة، لكنني أميل إلى أنه يستحق الثناء والتقدير؛ لإسهامه في إنقاذ أرواح الكثيرين.. لكن كم واحد يعرف ذلك؟! ومن منا يفكر في محاسن الناس، وإيجابيات الآخرين؟!
مثال آخر؛ الدكتور جلال السعيد، وزير النقل الأسبق ومحافظ القاهرة قبل عدة سنوات.. اتخذ الكثير والكثير من القرارات الجيدة، سأذكر منها فقط، قراره بإلزام المتاجر والمحلات في القاهرة وغيرها، بتركيب كاميرات.. وقتها كانت العمليات الإرهابية على أشدها. قرار جلال السعيد أسفر عن العديد من النتائج الرائعة وغير المتوقعة، فكم من جريمة تم الكشف عن ملابساتها والمتورطين في ارتكابها، وكم من مختطف نجحت قوات الأمن في التوصل لهوية الخاطف، وبالتالي إنقاذ المجني عليه.. أبسط النتائج مثلا معرفة المتورط في إشعال حريق التوفيقية قبل شهور، والذي أدى إلى تدمير عشرات المحلات، وتكبيد أصحابها ملايين الجنيهات.
فوزى وحليم
قرار آخر، هو منع دخول التوك توك إلى شوارع وسط القاهرة، ومنع السيارات من "الركن" في تلك الشوارع.. فهل فكرنا كم سائق سيارة كان يقل مريضا يحتاج إلى إسعاف سريع، ولو لم تكن شوارع وسط البلد خالية لربما توفي المريض؟! ليس لنا أن ننقب في تصرفات الرجل ولا سلوكياته، ولا التزامه بأداء العبادات والفروض.. وغيرها.. هذا ليس من شأننا، يكفينا ذلك الإنجاز الجبار.
الفنان الراحل محمد فوزي، طالما أطرب أسماعنا بالأغاني العاطفية الجميلة، وأدى العديد من الأدوار الرومانسية في أفلامه.. ومن الطبيعي أن يحيله "إخواننا إياهم" إلى "قائمة المحرومين من الجنة"، لكن لم يفكر أحد هؤلاء في أن محمد فوزي، رحمه الله، أشرف على تسجيل القرآن الكريم مرتلا بأصوات عدد من كبار القراء، مثل: محمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، في الاستديو الذي كان يملكه، ورفض أن يتقاضى جنيها واحدا في مقابل ذلك العمل الجليل.. فهل يكون مصير إنسان مثله إلا جنة الخلد؟!
لطالما استمتعت، واقشعر جسمي، وأنا أستمع إلى محمد فوزي، وهو يغني:
"قف بالخشوع وناد ربك ياهو .. فهو الكريم يجيب من ناداه
واسأله ما شاءت يداك فإنه .. مبسوطتان لمن دعاه يداه
هو أول.. هو آخر.. هو ظاهر .. هو باطن.. ليس العيون تراه
سبحان من عنت الوجوه لوجهه .. وله سجود أوجه وجباه
يا من هو المعروف بالمعروف .. يا غوثاه يا رباه يا مولاه".
عبد الحليم حافظ.. دخلت في جدالات طويلة، ومرهقة، مع أشخاص تمسكوا بأن "حليم"، والعياذ بالله، لا يمكن أن يدخل الجنة؛ بزعم أنه أمضى حياته متقلبا بين الحسناوات وفي الملاهي والحانات! ألم يستمع هؤلاء إلى المطرب الراحل، رحمه الله، وهو يجيب، حين سئل: "من كنت تقصد بـ كامل الأوصاف"؟ فيقول: "سيدنا رسول الله"، صلى الله وعلى آله وسلم؟!!
أخيرا، ليس لنا أن نقيم الناس، ولا أن نصدر أحكاما في حقهم، فالجنة والنار من اختصاص المولى عز وجل.