أزمة سد النهضة ودعم الأصدقاء
ماذا فعل مجلس الأمن بخصوص سد النهضة بعد الجلسة الشهيرة مساء الخميس 8 يوليو الماضى أى منذ حوالى الشهر؟ ما قراراته أو توصياته أو حتى بياناته؟ لا شيء.. والسؤال التالى وماذا فعل الاتحاد الأفريقي في هذا الملف الساخن الذي أحاله إليه مندوبو مجلس الأمن في كلماتهم؟ أيضا لا شيء سوى اعتماد إسرائيل عضو مراقب فيه لحضور المناقشات والمشاركة في الاجتماعات دون حق التصويت وطرح الأفكار والرؤى والمقترحات وتوزيعها على الأعضاء ودون اعتبار لاعتراض العديد من الدول..
يعنى تساوت إسرائيل مع فلسطين في صفة المراقب بعد أن كانت إفريقيا من أكثر الداعمين للحقوق العربية والقضية الفلسطينية من جهة، ودخلت عقر الإتحاد الافريقى مباشرة دون وكلاء من جهة ثانية ولا نستغرب يوما أن تطلب العضوية الدائمة، بعد تحقق الهدف الذى عمل الدبلوماسيون الإسرائيليون لتحقيقه منذ نحو عقدين!
يعنى تساوى القاتل والقتيل، الغاصب والمغتصب.. تساوت إسرائيل مع فلسطين في صفة العضو المراقب في الإتحاد الأفريقي.. والغريبة أن التبرير الإسرائيلى بوضع المراقب في الاتحاد الأفريقى يثير السخرية السوداء فهو سيمكن إسرائيل على حد قول وزير الخارجية الإسرائيلى من مساعدة الاتحاد الأفريقي بشكل أكبر في مجالي مكافحة جائحة كورونا والإرهاب ويصحح الوضع الشاذ الذي كان قائما منذ نحو عقدين!!
مبادرة جزائرية
وتستمر الأسئلة وماذا فعلت إثيوبيا بعد جلسة مجلس الأمن؟ أعلنت الملء لثانى لبحيرة السد بالإرادة المنفردة وبتحد سافر للجميع ثم أصدرت مجموعة تغريدات لشراء الوقت وبكلمات لا تعبر عن حقيقة الأفعال. وماذا فعلت الدول التي أعلنت عن رغبتها أو قدرتها أو نيتها للمشاركة في الوصول لحل؟ لا شيء
لم تتحرك إلا الجزائر الشقيقة في وساطة ومبادرة كشف عنها رئيس الجزائري عبد المجيد تبون وواصفا إياها بأنها "مبادرة جزائرية 100%" عبر عقد لقاء مباشر بين قادة الدول الثلاث ومتوقعا نجاحها لأنها خالية من الأطماع والحسابات الضيقة. يعنى لا مبادرة أو مشاركة أو إتصالات روسيىة أو أوروبية أو أمريكية أو إفريقية..
ألا يعنى ذلك أن قضيتنا لن يحلها سوانا، وإن العالم الآن لا يعرف إلا لغة القوة والمصالح أما محاولات التسويف وشراء الوقت فلن يدفع سوانا الثمن. ومع ذلك تظل محاولات التبرير والتسويف ليس من إثيوبيا فحسب ولكن من القوى التي تقف وراءها وبشكل قد يبدو غير مفهوما إذا اعتمدنا على التاريخ منهجا للتفسير، ولم نقرأ الواقع بلغته التي تتصدرها القوة التي تصل إلى حد البلطجة، أو المصالح حتى لو تعارضت مع القيم والمبادئ التي لا تجد مكانا أو بوقا أو سبيلا في الساحة الدولية إلا لتحقيق الأغراض الخفية.
الموقف الروسي والصينى
مثلا ما زالت غالبية الشعب المصرى مندهشة من الموقفين الروسى والصينى بتطبيق المنهج التاريخى في العلاقات المصرية السوفيتيىة الصينيىة التي كانت مزدهرة في الخمسينات والستينات والتي وصلت إلى حد التحدى المصرى بالاعتراف بالصين رغم معارضة القوى الكبرى، والتحالف مع السوفيت في مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
ماذا حدث؟ تغيرت اللغة إلى لغة المصالح.. وعلينا التعامل معها بمفرداتها، ولنترك التاريخ لكتب التاريخ ونقف بقوة في مواجهة مخططات تغيير الجغرافيا السياسية ونحن في قلبها. لكن الغريبة أن محاولة استدراجنا إلى عالم يعبر عنه المثل الشعبى الرائع بعد التعديل "أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك في مجلس الأمن أستعجب".
السفير الروسى في القاهرة يورغى بوريسينكو يؤكد في تصريحات لقناة "تن" إن بلاده لا تنحاز إلى إثيوبيا وأن التعليقات المتداولة حول ذلك انطلقت من "تفسير خاطئ للخطاب الروسي" أثناء مناقشة "سد النهضة" بمجلس الأمن. ويضيف أن علاقات بلاده التاريخية بمصر تعود لعشرات بل مئات السنين، وأن مصر كانت أقرب إلى روسيا، وأنها شريك وصديق قديم لروسيا وإن روسيا تنطلق من أن مصر بالنسبة لها هي "أكثر شريك مهم في المنطقة" وأشار إلى "اتفاق التعاون الاستراتيجي" بين البلدين.
وقال ان بلاده تتفهم أن موضوع النيل وحجم الموارد المائية التي تحصل عليها مصر منه هي "مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب المصري" وأن روسيا لم تنحز إلى الجانب الأثيوبي، بل إن موقفها كان متوازنا، مشيرا إلى أن مصر وروسيا وإثيوبيا شركاء.
طبعا من مهام اى سفير تحسين صورة بلاده لدى الدولة التي يمثل بلاده لديها لكن يجب أن يعلم الروس والصينيين أن الشعب المصرى لم يغضب أو يتأثر كثيرا إلا بموقف موسكو وبكين في مجلس الأمن. لكن كلمات مندوب روسيا في الجلسة التي خصصها مجلس الامن لمناقشة القضية هي سبب هذا الاستغراب والتي اكد فيها رفض بلاده وعلى الهواء مباشرة بعيدا عن اى لبس او تفسير كما يحاول السفير الروسى بلغة دبلوماسية أن يجرنا إلى مسلسل إضاعة الوقت الاثيوبى..
حيث قال المندوب الروسي أن التوصل إلى اتفاقات حول ملء السد وتشغيله قد يؤدي إلى نزع فتيل التوتر بين الأطراف أما صب الزيت على النار والتهديد باستخدام القوى أمر يجب منعه وتفاديه، وسنكون صريحين، نعبر عن قلقنا إزاء تنامي الخطاب التهديدي ولابد من التوصل إلى اتفاق متفاوض عليه ومقبول من قبل كل الأطراف، وأن أفضل طريقة هي التفاوض على الوثيقة بين كل دول حوض النيل التي يجب أن تحدد طرق استخدام المياه بشكل متساوِ.
مغالطة روسية
والمغالطة الروسية هنا أن إثيوبيا لا تعانى من شح مائى يعالجه سد النهضة ولكنها هى بلاد الأمطار الغزيرة لنحو ألف مليار متر مكب ثم يطالب بإستخدام المياه التي تأتى إلينا وهى نحو 5% مما تملكه إثيوبيا بشكل متساو، ثم يطالب بمنع التهديد باستخدام القوة والقلق من تنامى الخطاب التهديدى في قضية يعترف بأنها مسألة حياة أو موت للمصريين والسودانيين! كل ده في الوقت الذى يمكن أن تتدخل فيه القوة الروسية داخل أفغانستان أو غيرها مثلا لحماية أمنها وحلفاءها هنا وهناك، يعنى لغة المصالح هي الحاكمة.
لذلك علينا أن نثبت أن مصر يمكن أن تكون بوابة حقيقية للدخول إلى إفريقيا والمنطقة إقتصاديا وسياسيا.. يجب أن يعرفوا أن مصالحهم الأقوى معنا حتى وإن كانت لها ظلال مع إثيوبيا. ويجب أن تترجم الأقوال إلى أفعال ويجب أن يعاوننا الأشقاء العرب في ذلك لنضع حجم التبادلات التجارية والاقتصادية العربية الروسية والعربية الصينية في كفة والعلاقات الروسية الإثيوبية والعلاقات الصينية الإثيوبية في كفة أخرى.. هذه هي اللغة التي يفهما العالم اليوم.
أدرك حجم الضعف والتفتت العربى لكن ما زالت لدينا العديد من الأوراق العربية إذا صدقت النوايا في استغلالها!!
yousrielsaid@yahoo.com