احتفالات بالخيبة!
وغدا تقام الأفراح والليالى الملاح ابتهاجا بأكبر نجاح لمصر فى تاريخ الأولمبياد.. هكذا الصورة بعد أن جاء ترتيبنا بعد الشقيقة قطر فى المرتبة الثانية عربيا. ووسط حالة الفرح غير المبرر تضيع الحقائق.. إننا لا نبنى فى البشر ونترك الفساد مستنقعا للرياضة المصرية.. أليس الإنسان هنا وهنا هو الإنسان له عينان ولسان وشفتان؟! ما الذى يجعلنا نبتهج بالمركز الثالث والخمسين ونردد بأننا حققنا ما لم نحققه من قبل ونرتضى الدنية ونغنى لها؟ الحكاية باختصار شديد أن من يرى الدنية يبقى فيها إلى الأبد.
والقصة الحقيقية أن الرياضة المصرية «بعافية حبتين»، وأن للفساد أعوان باقون أبد الدهر دون رقيب أو حسيب، وأن أبناءنا الذين حققوا إنجازات عظيمة في الأولمبياد إنما اعتمدوا على ذواتهم وجهودهم وجهود أسرهم دون تربية رياضية ترعاها الدولة ممثلة فى أجهزتها وأدواتها.
إن حالة الرضا و«الغلوشة» على انتكاسة أولمبياد طوكيو 2020 ممتدة منذ وقت طويل، حيث يجب تصوير الأمر للعامة وبعض الخاصة أننا أنجزنا وأننا حققنا وأننا على هذا النحو راضون وسعداء بما حققناه. ليست لدينا تصورات مستقبلية لمواجهة الفساد الذى عم قطاع الرياضة المصرية، وليست لدينا منظومة طاردة للفاسدين، فالفساد لدينا متأصل وله أعوان ومشجعون و«كسيبة»، وإشاعة حالة الرضا إنما هى حالة رضا تتصالح مع هذا الفساد ولا ترفضه ولا تسعى لنفضه عن كاهل القطاع الرياضى.
الفساد والشللية
«الشللية» وأصحاب المصالح والنافذون وقطاع عريض من المستفيدين هم من يمسكون الميكروفون.. انظر حولك ولاحظ بدقة ماذا حدث فى الرياضة المصرية بعد يناير.. لا جديد.. نفس الوجوه وذات المصطلحات ونفس الصورة السائدة. المعلقون هم المعلقون، والمدربون هم المدربون، ومجالس الإدارات تنجح فى كل انتخابات حسب نفس المنظومة العفنة، وفى النهاية شبابنا هم الضحايا وتاريخ الأمة لم يبرح مكانه فى هذا المجال.
والسؤال المدهش الذى يطرح نفسه: ما الذى يجعل دولة تتغنى بحصولها على المركز الثالث والخمسين في الأولمبياد وقبلها فى الترتيب دول أقل منا عددا وعدة وإنفاقا على الرياضة. هذا السفه والبذخ والاهتمام المبالغ فيه بألعاب لم نحقق فيها ميدالية من الصفيح لمجرد أنها شعبية مع افتراض أن الميديا وأصحاب المصالح هم من يعممون الشعبى ويصنعونه بأدواتهم الخبيثة، وكلنا من خلفهم لاهثون!
مصر دولة عفية وقوية وقادرة طالما كان العدل أساسا فيها، ويكفينا ما قاله البطل المصرى المتجنس بجنسية قطر من كلمات مؤثرة.. لم يجد من يحنو عليه أو يتبناه فآثر صنع تاريخه بطريقته الخاصة. كم بطل فى بلادى وكم نموذج على أرض مصر وكم من شاب واعد لا يزال يسكن شوارعها ويؤمن بها وطنا وحيدا وسكنا وملاذا وهو يعانى من الإهمال وتفضيل المحسوبية وتقديم الغث على الثمين دون ضمير حاكم أو قيم أخلاقية سائدة.
أهمية التخطيط والشفافية
المنطق يقول إن دولة تعدادها يفوق المائة مليون ارتبط تاريخ اتحادات العديد من الألعاب بها وبوعيها.. بلد كانت منذ أمد بعيد تنشئ الاتحادات فى قارتها وتسعى لتطوير العديد من الألعاب فى محيطها الجغرافى لا يمكن أن يكون هذا وضعها الطبيعى فى الترتيب.
ما حدث ليس انتصارا، وإنما حالات فردية حققت ما حققت لإرادات فردية أيضا وقف من خلفها عائلات وبيوت وآباء وأمهات، ولم تحقق ما حققت نتيجة خطط أو إستراتيجيات وضعتها الاتحادات أو أشرفت عليها وزارة أو حكومة. الدول التى حققت أرقاما تفخر بها إنما بدأت تخطيطها منذ سنوات طويلة تمتد لعشرات السنين، وابتنت منظومات تعتمد على الشفافية والعدالة والإنفاق الرشيد فى مكانه وزمانه فكان لها ما كان.
الصين لم تحقق ما حققته في الأولمبياد لأنها منذ سنوات أربع خططت، وإنما لأنها خططت منذ بداية الألفية الجديدة، وأعلنت أنها فى أولمبياد ٢٠٢١ ستكون رقما صعبا فى الرياضة العالمية.. وقد كان.
أيها السادة: لا تبتهجوا ولا تصوروا لنا الأمر على أنه انتصار، وخططوا من الآن لعشرين سنة قادمة شريطة إزاحة اللصوص و«الكسيبة والهليبة والمتنطعين»!