كيف يصبح الفشل رحمة
كان والده المزارع البسيط يأمل في وصول إبنه درجة من النجاح ليصبح مدرسا بالمعهد الديني بقريته شبرا ماضي بالمنوفية، حقق الصبي نجاحات كبيرة في بداية حياته واستطاع حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة. ومع الدراسة بالمعهد لم يكن تلميذا مواظبا ولا فذا بل تعثر في دراسته وفشل في تحقيق حلم والده، وبدأ في تلاوة القرآن الكريم ببيوت العائلة ثم تطور الأمر إلى القراءة في المساجد.
وبعد المساء ذاع صيته ليصبح قارئا مطلوبا في البيوت بمقابل مادي قد يصل إلي عشرة قروش في الليلة، تجرأ وتقدم إلى الإذاعة المصرية التي أجازت صوته ليقفز أجره لأرقام كبيرة.. خمسة وعشرون جنيها في التسجيل الواحد!!
يتحول الطالب الفاشل في الوصول إلي محطة التدريس بالمعهد الديني بقريته إلى أيقونة نادرة في التلاوة التي استقبلتها الجماهير العريضة بالمنطقة العربية والإسلامية ليصبح واحدا من أهم قراء القرآن الكريم في جيله المتخم بالعمالقة.
كيف تحول الفشل في الوصول إلى الغاية المرجوة من الأب إلى نجاح ساحق ؟ وكيف ذاع صيته بين أقرانه من قراء القرآن الكريم الكبار، الشيخ مصطفى إسماعيل والعبقرى محمود خليل الحصرى والبهتيمي وعبد الباسط وغيرهم كثر؟ كيف أصبح هذا الصوت مطلوبا في بيوت الكبار والمساجد الشهيرة؟ كيف أصبح هذا الفاشل صوتا سماويا عذبا، مدهشا، قويا، تسعى الدول إلي استضافته لشهور وتلتف حوله الآذان وتتداعى إلى حفلاته علية القوم؟ وكيف أصبح صوته خالدا بين الناس ؟
ومن المفارقات المدهشة في حياة الشيخ محمود علي البنا أن دعي للقراءة في بيت أحد الكبار بالمنيا وعندما ذهب إلي هناك كانت المفاجأة أن صاحب الدعوة رجل مسيحي يحب استماع القرآن بصوت البنا!!
إذن ما نتصور إنه فشل قد يكون فشلا في غير طريق الموهبة التي منحنا الله مكامن قوتها.. تسوقنا الأقدار ونتصور أنه أمر قاس يصبح خيرا كثيرا يغير حياتنا.. رحم الله الشيخ البنا الذي كان فشله رحمة بنا وبعشاقه ومحبيه.